لقد استفادت الحضارة الغربية الحديثة من الحضارة الإسلامية الشئ الكثير, وإذا كنا نري بعض الشخصيات الغربية التي تعمل علي تشويه الإسلام والافتراء عليه. فسوف نجد أن هناك من أبناء الحضارة الغربية مقامات وشخصيات تتسم بالموضوعية والحياة والإنصاف في عرض حقائق الإسلام, وهذا مايشجعنا دوما علي التواصل مع الحضارات الأخري مهما يكن جنسها أو دينها. ومن أبرز هؤلاء المنصفين الأمير تشارلز, أمير ويلز وولي عهد المملكة المتحدة, الذي لا يزال يؤكد أن الحضارة المعاصرة هي نتاج حضارات كبيرة وقديمة, أسهم فيها آخرون, وليس الغرب وحده, ويرد علي من ينكر فضل وإسهامات العرب والمسلمين بحالة الجهل التي يشهدها الغرب فيما يتعلق باسهامات الحضارة الإسلامية علي الغربية. وفي الاحتفال بالذكري الخامسة والعشرين لمركز اكسفورد للدراسات الإسلامية ألقي الأمير تشارلز اخيرا كلمة طويلة عن الاسلام والبيئة, تحدث فيها عن تعاليم الإسلام والأديان الكبري فيما يتعلق بالانسان والبيئة, وأشاد بدور الجاليات الدينية في المملكة المتحدة, وكذلك بالجهود التي يبذلها المركز, خصوصا برنامج قيادات الشباب والشابات المسلمين. وقد اختار الأمير تشارلز موضوع الإسلام والبيئة ليكون محور التركيز في كلمته, جامعا مابين مجالين مهمين من عمله طوال ثلاثة عقود. فقد تحدث عن أهميةأن ندرك جميعا الأضرارالتي يتسبب فيهاالانسان للبيئة, واتخاذ خطوات لوقفها قبل فوات الأوان. وذكر أن أحد أوجه الشبه الكبيرة بين أديان العالم الكبيرة هو التركيز الكبير علي حماية البيئة التي خلقها الله. وإنصافا للإسلام ودوره في الحفاظ علي البيئة دعا الأمير تشارلز العالم بأسره إلي الاقتداء بالتعاليم الإسلامية في إطار الجهود الرامية إلي المحافظة علي البيئة, مؤكدا أن الأديان السماوية كافة تستند في جذورها إلي حقيقة أن الإنسان جزء من الطبيعة, وليس بمنأي عنها, ويجب أن يعيش ضمن حدودها وإمكاناتها. وقال: اسمحوا لي أن أقتبس آية من القرآن الكريم( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين) هذا هو الكرم الإلهي علينا إذ يزودنا بما نحتاج وبأماكن نسكنها ولباسنا وأدواتنا ووسائط نقلنا. إن الأرض قوية ومعطاءة ولكنها في الوقت ذاته ناعمة ورقيقة ومتداخلة التركيب ومنوعة, ولهذا فلابد أن تكون وطأتنا عليها رقيقة علي الدوام. كما أوضح أنه من خلال دراسته للإسلام فقد فهم أنه يحذر من أن تجاهل حقيقة الاحتياجات الروحية يؤدي إلي خواء داخلي يمكن أن يؤثر علي الطبيعة بشكل حاد, وأنه إذا تجاهلنا نداء الروح, فإننا ندمر الطبيعة, وأنه علينا أن نتفاعل مع الطبيعة كجزء منها. وأكد أن العالم الاسلامي أمين علي واحد من أعظم خزائن الحكمة المتراكمة والمعرفة الروحية المتاحة للبشرية كلها, كما أن إرث الإسلام النبيل هو هدية لاتقدر بثمن لبقية العالم, ومع ذلك, ففي كثير من الأحيان, تحجب المادية الغربية المهيمنة تلك الحكمة, ليصبح الشعور بأنك لكي تكون مواكبا للحداثة فعليك تقليد الغرب. وفي إطار سعيه لمد أواصر التعايش والإخاء بين جميع أتباع الديانات المختلفة علي أسس من تعاليم الأديان المتشابهة, والتي تحض علي السلام والإخاء أصر الأمير في كتابه الأمير تشارلز يتحدث علي أن تكون العربية هي اللغة الأولي التي يصدر بها كتابه بعد الانجليزية, وقد ذيل مقدمته بتوقيعه بالعربية, وهو يدافع في هذا الكتاب عن تقارب الحضارات في زمن صراع الحضارات, خصوصا بناء الجسور بين الإسلام والغرب. إن هذا المسعي الحميد الذي سلكه الأمير تشارلز, إنما هو دافع لنا للتفاؤل بمثل هذه النماذج المنصفة من عقلاء الغرب وعلمائهم, ولتحويل حوارنا الذي قطع فيه المسلمون وعلماؤهم شوطا كبيرا إلي مستوي أكبر من الشراكة والتواصل الايجابي بما يخدم مصالحنا المشتركة, ويسهم في التعايش والتعاون بين بني الانسان. نعلم جميعا أن الإسلام تعامل مع الطبيعة والكون من منطلق الحب والاحترام, وهو مستوي رفيع يزيد علي مستوي المحافظة والتنمية, فالاسلام وجه الإنسان إلي إنشاء علاقة بينه وبين غيره من المخلوقات فيها مشاركة وحنين وشوق, فالكون في المنظور الإسلامي طائع لله يسبح ويسجد, يحب المطيعين ويبكي رحيلهم عن الدنيا, ويبغض العاصين الكافرين ولا يبالي بزوالهم وهلاكهم, وذلك لأن المطيعين متناغمون متشاركون معه في أداء السجود والتسبيح, أما الآخرون فهم معاندون متنافرون مع كل مايحيط بهم. وتلك رؤية تميز بها الإسلام, فقدم رؤية متكاملة للكون تدعو الإنسان إلي المحافظة عليه وحسن الانتفاع بما فيه من موارد. لقد آمن المسلم وأدرك أنه مامن شئ في هذا الوجود إلا وهو مخلوق لله وخاضع بالعبودية له علي الهيئة التي أقامه سبحانه عليها, قال تعالي: ألم تر أن الله يسبح له من في السماوات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون سورة النور:41 وقال عز وجل:( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا سورة الاسراء:44 ومادام الكون يسبح ربه ويحمد خالقه عز وجل, فإن أي اعتداء عليه أو تصرف فيه بغير حق يعد عبثا وطغيانا يؤدي حتما إلي الفساد, وينبغي أن يحرم صاحبه, لأن أي اعتداء علي الكون يعد اعتداء علي حق الإنسان في الحياة. والمسلم بهذا التصور يحترم جميع المخلوقات أصغرها وأعظمها, لانه يراعي فيها عظمة موجدها ومدبرها, وقدرة من تعبدها بالتسبيح والسجود.