أخيرا انصفت العدالة أسرة الطفل كريم الذي حرمته جرعة لبن فاسد من ممارسة حياته وجعلته جثة تخرج منها الانفاس ويتكلف علاجه12 ألف جنيه شهريا حتي يتمكن من البقاء علي قيد الحياة. الحكم اصدرته محكمة جنوبالقاهرة بالزام شركة الأدوية المنتجة ووزارة الصحة بدفع400 ألف جنيه تعويضا لأسرة كريم أحمد مصطفي.لإصابته بضمور كامل في خلايا المخ وغيبوبة تامة وتشنج عصبي وقائمة طويلة من الأمراض. هيئة المحكمة يرأسها المستشار تامر رضا وتضم في عضويتها المستشارين محمد حمدان وأحمد سعيد عوض بأمانة سر عبد الناصر لبيب محمد. وقائع المأساة التي سجلها ملف القضية ترجع الي عهد الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة السابق والذي أصدر القرار35 لسنة2005 بسحب هذه العبوات من الأسواق بعد ان تسبب تغير خواصها الطبيعية في حدوث زرنخة وأصيب الاطفال الذين تناولوها بأعراض مختلفة كان أخطرها ما ظهر علي الطفل كريم. فصول المأساة يرويها والد الطفل الذي يعمل بإحدي الشركات الاستثمارية قائلا والدموع تعتصر في عينيه حزنا علي نجله, في يوم9 نوفمبر عام2005 كان كريم رضيعا يبلغ من العمر أربعة أشهر ويعاني حالة من الضعف نتيجة ضآلة كمية اللبن التي يرضعها من أمه فنصحها الطبيب المعالج له بضرورة شراء لبن الاطفال من الصيدليات كمكمل غذائي بجانب الرضاعة الطبيعية, فاستشار احد الاطباء الذي وصف له منتجا محليا يباع بأسعار مخفضة عن مثيله المستورد وتصنعه شركة لاكتو مصر ويحمل اسم بيبي زان وان فاشتري منه5 عبوات من احدي الصيدليات. فتح إحدي هذه العبوات واعطي منها لطفله الجرعة المقررة ففوجئ بالطفل يعاني من ارتفاع كبير في درجة حرارته فأسرع الي الطبيب المعالج له بإحدي العيادات الخاصة الذي نصحه بضرورة التوجه فورا الي مستشفي ابو الريش الذي رفضوا استقباله أو اسعافه لسوء حالته فتوجه الي مستشفي الحكمة فرفضت استقباله أيضا فأسرع بالطفل الي مستشفي السلام الدولي فأخبروه بأن طفله الرضيع4 أشهر يعاني من صدمة ميكروبية أحدثت حالة تسمم شديد في الدم أثرت علي الجهاز الدوري والقلب فأصابته بفشل في القلب فأسرع الاطباء هناك بإعطائه حقنة مباشرة في القلب لتنشيطه ووضعوه علي جهاز التنفس الصناعي وظل علي هذه الحال4 أيام ودفع فاتورة الاقامة والعلاج10 الاف جنيه استدانها من أحد الأقارب ثم عجز عن مواصلة العلاج هناك الي ان طلب من ادارة المستشفي نقل ابنه الي مستشفي ابو الريش للعلاج بالمجان بعد ان تحسنت حالته حيث مكث للعلاج هناك60 يوما يستخدم جهاز التنفس الصناعي. مزرعة دم يواصل الأب قائلا إن الطبيب المسئول عن غرفة العناية المركزة بمستشفي ابو الريش قام بعمل مزرعة للتعرف علي نوعية الميكروب الموجود في الدم فاكتشف ان الحالة التي يعاني منها كريم هي صدمة ميكروبية نتيجة تسمم شديد في الدم مرجعها تناول هذا اللبن الفاسد ونصحه بالإبلاغ عن هذه الواقعة حتي تتخذ وزارة الصحة الاجراءات الكافية بمنع تداول هذا النوع من الألبان حماية للآلاف بل الملايين من هؤلاء الاطفال الذين يستعملون هذه الألبان. قام الأب علي الفور بإبلاغ نجدة الطفل علي خط رقم16000 وأبلغ السفيرة مشيرة خطاب التي كانت تتولي حينئذ منصب أمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة التي قامت بدورها بإخطار الدكتور محمد عوض تاج الدين وزير الصحة وقتئذ من خلال خطاب رسمي مؤرخ في21 نوفمبر2005 بعدد من البلاغات الواردة اليها عن فساد هذه العبوات. سحب العينات من السوق قامت وزارة الصحة عقب هذه البلاغات بجمع عينات هذه الألبان من الصيدليات وارسلتها الي المعامل المركزية بالوزارة حيث أكدت التحاليل ان الألبان متزرنخة فأمر وزير الصحة بجمع هذه العبوات واعدامها بعدما تبين ان الالبان يدخل في تصنيعها عدة أنواع من الزيوت ويحتمل ان يكون احداها قد تعرض للزرنخة نتيجة سوء التخزين أو التصنيع حيث تبين ان هذا المصنع هو الوحيد الذي يصنع هذه الألبان في مصر. مصحات نفسية يواصل والد كريم سرده لفصول هذا الحدث المأساوي قائلا: انه قام بعرض ابنه علي جميع الاطباء المتخصصين في مصر وخارجها ولم يجد أي علاج نهائي لحالته لكنه علم من خلال عدة رسائل علي النت ان المانيا والسويد وايرلندا لديهم فرصة علاجية لهذه الحالات من الأطفال. حدد الاطباء المعالجون للطفل كريم اسس مبدئية يسير عليها طيلة حياته وهي.. العلاج النفسي والطبيعي والتغذية المتوازنة وضرورة خروجه الي المتنزهات والأماكن الخلوية الجميلة لتحسين نشاط واداء المنح حتي لايصاب بالاكتئاب. وأكد احمد مصطفي وهبة والد كريم ان نفقاته العلاجية لا تقل عن12 ألف جنيه شهريا وقد عجز أكثر من مرة عن تدبيرها مشيرا الي ان نجله بحاجة الي كرسي طبي ودراجة مجهزة للخروج ولا يقدر ان يشتريها لانها تصنيع المانيا ونفقاتها مرتفعة. أوضح ان كريم بحاجة الي مساعدة كاملة من أسرته لقضاء حاجاته اليومية من المأكل والشراب والاخراج وإزاء هذه الظروف الصحية التي يمر بها نجله والنفقات الباهظة لعلاجه نصحه صديق الاسرة محمد مختار علي المحامي بالنقض بضرورة اقامة دعوي قضائية أمام القضاء لإلزام الشركة المنتجة بدفع تعويضات مادية لنجله عن هذا التصنيع السيئ الذي تسبب في اصابة نجله. دعوي تعويض أسرع المحامي الي محكمة جنوبالقاهرة الابتدائية فأقام الدعوي رقم12046 لسنة2006 تعويضات حيث جاء في صحيفة دعواه ان والد الطفل القاصر كريم يطالب بتعويض10 ملايين جنيه عن الاضرار الصحية والنفسية والمادية التي أصابته وطفله وتركت عاهة مستديمة في جسدا تمثلت في نسبة عجز كلي مائة في المائة, اضافة الي النفقات المادية الكبيرة وأصبح جسديا ميتا ولكنه حي ظاهريا. أضاف الأب في صحيفة دعواه ان جشع المال وشهوته دفعت بهؤلاء الي الغش وانتاج البان تفسد جسد وروح الاطفال بدلا من تغذيتهم بغية الثراء الفاحش وان جاء ذلك علي حساب جسد وأرواح هؤلاء الأبرياء ودفن براءة ابتسامتهم ونشر الحزن بين أفراد أسرتهم. اختص المحامي في دعواه كلا من الشركة المنتجة لاكتومصر والشركة الموزعة ووزير الصحة بصفته الحصن الأمين بل هو الرقيب والمحافظ علي صحة هؤلاء بل عليه يقع عبء المتابعة والرقابة علي الانتاج والتسويق وطالب بتطبيق نص المادة163 من القانون المدني التي تنص علي ان كل خطأ سبب ضررا للغير يلزم مرتكبه بالتعويض. لجنة فض المنازعات قال محامي والد الطفل كريم انه تقدم بالطلب رقم142 لسنة2006 امام لجان التوفيق في بعض المنازعات ضد وزير الصحة بصفته وانتهت اللجنة الي اصدار توصية بجلسة13 يونيو2006 بأحقية والد الطفل في صرف تعويض100 الف جنيه بشرط ثبوت ان الاصابة نتيجة تناوله هذا النوع من الألبان الذي تصنعه لاكتو مصر. ردت شركة لاكتومصر لانتاج البان واغذية الاطفال بدعوي مماثلة طالبت فيها بإدخال خصم جديد في الدعوي وهو الشركة المصرية لتجارة الأدوية التي تقوم بتوزيع الألبان علي جميع فروعها في المحافظات. قالت لاكتو مصر في صحيفة دعواها ان وزارة الصحة اعلنت عن حاجتها لتوريد كميات من البان الاطفال تمهيدا لطرحها في الاسواق بأسعار مدعمة وتقدمة لاكتو مصر بعطاء للوزارة لتوريد بيبي زان 1 وهي الشركة الوطنية الوحيدة التي تقدمت بهذا العطاء. وتمت عملية قبول العطاء من حيث الجودة والمواصفات الفنية المصرية والعالمية فأصدرت الوزارة بناء علي ذلك موافقتها بقبول هذا العطاء وتم التعاقد وكانت أهم شروط تسليم المنتج لاحدي الشركات التابعة لوزارة الصحة وهي المصرية لتجارة الأدوية التي تتسلمه وتتولي توزيعه بمعرفتها علي جميع منافذها في المحافظات. تضمنت شروط العطاء ان تقدم الشركة الموردة مع تسليم كل كمية شهادة مرفقة صادرة من المعهد القومي للتغذية وهو الجهة الوحيدة التابعة لوزارة الصحة التي تختص بتحليل وتسجيل الالبان والاقرار بصلاحيتها وأضافت ان هذا المنتج الحساس يلزم لتخزينه شروط ومواصفات معينة موضحة علي كل عبوة وهي ان يتم تخزينه في درجة حرارة أقل من25 درجة مئوية وان تقل نسبة الرطوبة عن50% اي يتم التخزين في مكان جاف وبارد, ادعت لاكتومصر ان المصرية لتجارة الأدوية لم تلتزم بهذه الشروط عند تخزين هذه الألبان. أما دفاع المصرية لتجارة الأدوية فركز علي ان مخازن الشركة مستوفاة للظروف المناسبة لحفظ الأدوية ومنتجات الأبان وفي درجات الحرارة المناسبة ونفت ان يكون هناك اي دليل يفيد في أوراق الدعوي ان والد كريم اشتري هذه الألبان من الشركة المصرية لتجارة الأدوية أو فروعها بالمحافظات ويحتمل ان يكون قد اشتري هذا اللبن من احدي الصيدليات التي لا تتبع وسائل التخزين السليمة. وأضافت ان والد الطفل لم يبلغ النيابة العامة بهذه الواقعة مما ينفي ادعاءه علاوة علي ان تقرير الطب الشرعي اعتمد علي أقوال والد الطفل ولا يصلح لأن يكون دليلا وبالتالي لن يثبت اي أخطاء من قبل الشركة الموزعة. طالبت في ختام دعواها باخراجها من النزاع بعدما وصفت ادعاءات الشركة المنتجة بأنها مجرد افتراءات لاأساس لها من الصحة. ثم حضر مندوب عن وزير الصحة أمام هيئة المحكمة طالب بإخراجه من النزاع والقاء المسئولية علي الشركة المتسببة في افساد اللبن.