أنا مهندس معماري في الثانية والثلاثين من عمري, وقد عرفت التحرر والانطلاق منذ صغري فسافرت إلي الخارج كثيرا خلال الإجازات الصيفية, ثم بعد التحاقي بالشركات الكبري اصبحت دائم السفر في مهمات رسمية. ولاحظت درجة التحرر الكبيرة لفتيات أوروبا وجمالهن الطاغي الذي يبهر الشباب في سن المراهقة, لكني ظللت ملتزما بمبادئي, ولم أقرب أي فعل حرام.. وعندما بلغت سن الخامسة والعشرين فكرت في الاستقرار والزواج, وتملكني الخوف والتردد, فلا أريد أن أرتبط بأي فتاة متحررة, إذ أن الأمر لا يخلو من بعض التنازلات مهما بدا عليهن الأدب والأخلاق, وكثفت البحث عن فتاة تكون مزيجا من البنت المحترمة خارج بيتها, والتي تلبي رغباتي الجارفة داخله.. فهذا ما شاهدته في أوروبا, وما تابعته في مسلسلاتها.. ولم يسفر بحثي عن شيء, فلقد وجدت ان كل البنات المتأثرات بالنمط الأوروبي متحررات في تصرفاتهن, وفي علاقاتهن بالشباب من منطلق الصداقة. واصدقك القول أنني بمزيد من التفكير قررت التخلي عن هدفي الذي يئست من تحقيقه, والزواج التقليدي من فتاة محافظة متدينة لم تعرف أي علاقة من قبل حتي ولو كانت علاقة عابرة. وذات يوم تلقيت دعوة إلي حفل زفاف أحد معارفنا فذهبت إليه بصحبة الأسرة, وخلال الحفل قامت الفتيات واحدة تلو الأخري للرقص والتصفيق, إلا فتاة لم تتحرك من المقعد الذي جلست عليه, ونظرت إليها فوجدتها جميلة محتشمة الملابس, وما أن لمحتني اعيد النظر إليها مرة أخري حتي غيرت مكانها واختارت مكانا آخر لا يمكنني أن أراها فيه. وسألت والدتي عنها, فعرفت انها تمت لنا بصلة قرابة من بعيد وان اسرتها معروفة بالالتزام الديني والخلقي, ثم فاجأتني والدتي بأنها لا تناسبني, فأنا متحرر, وهي ليست كذلك, وبالتالي لن أجد فيها ما أتمناه في زوجة المستقبل!, فرددت عليها بأنني غيرت فكرتي عن الزواج, فالمرأة الملتزمة خير من الدنيا وما فيها, ويكفيني انني سأكون مطمئنا معها علي نفسي وبيتي, وعرفت أنها طالبة في السنة الخامسة بكلية الطب, فطلبت يدها من أهلها عن طريق معارفنا, وحددنا موعدا لزيارتهم, وهناك أحسست براحة واطمئنان, واتفقنا علي إتمام الزواج بعد عام. ولم تكن لي ملاحظات عليها سوي أنها عملية زيادة عن اللزوم, وروتينية ومرتبة جدا, وكنت أحسب وقتها أن طبيعة دراستها قد أثرت عليها, وأنها سوف تتغير مع الوقت.. وبعد تخرجها مباشرة تزوجنا, والتحقت هي بمعمل للتحاليل الطبية, وإذا بها تغالي في الدقة والنظام وأعدت جدول مواعيد لكل شيء في حياتنا.. فتناول الوجبات في مواعيد ثابتة يوميا, والتليفزيون محدد لفتحة ساعة واحدة, والنوم في ساعة معروفة, والخروج للنزهة يوم الإجازة الاسبوعية.. وحتي الاهتمام بمظهرها الأنثوي له ميعاد محدد في نهاية الأسبوع وهو اليوم الذي نلتقي فيه معا كزوجين! ووجدتني أمتثل لأوامرها وتعليماتها, أما هي فلا تلقي بالا لأي ملاحظة.. فلقد طلبت منها أكثر من مرة أن تلبس العدسات اللاصقة بدلا من النظارة الطبية التي تخفي جمالها, لكنها رفضت بإصرار, بحجة ان العدسات غير عملية ولا تناسبها كطبيبة.. أيضا حاولت ان أنتقي لها ملابس جميلة ومحتشمة في الوقت نفسه, لكنها تختار ملابس أقرب إلي ملابس الرجال وعديمة الذوق من وجهة نظري! ودارت الأيام وأنجبنا ابننا الأول ثم ابنتنا التي تلته بعامين, وهنا زادت روتينية زوجتي إلي درجة لا أطيقها, فلم تعد تعبأ بمواعيد عملي ولا بظروفي, ولم تعد تنتظرني كما تعودت منها من قبل. هل تصدق انني إذا احتجت اليها في علاقتنا الخاصة ونحن نجلس معا جلسة هادئة لا يعكر صفوها شيء, ترفض بإصرار لأننا لسنا في الموعد الأسبوعي المعتاد.. لقد ألححت عليها الا ترفض طلبي لاحتياجي إليها فإذا بها تمنحني جسدها ولكن بلا مشاعر!! هل تصدق يا سيدي انني تحولت إلي انسان بارد لا يتأثر بأي شيء وكأن مشاعري قد اصابها الخرس, وكل يوم يمر علينا تزداد نفسيتي سوءا بسبب جدول المواعيد اللعين.. فهل تراني اتبع الطريق الصحيح في نهجي مع زوجتي, أم انني في حاجة إلي تغيير نفسي لكي أتأقلم معها.. ثم لماذا لا تتنازل عن جزء من نظامها الجاف في الحياة.. انني انتظر منك رأيا حكيما يوازن بين عنترية زوجتي, ورومانسيتي؟!. * الخطأ الذي ترتكبه في حق زوجتك ونفسك, هو أنك تريدها كما ترغب أنت.. متحررة في الجوانب المتعلقة بك, متحفظة في علاقتها بالآخرين, وفي اندماجها مع المعارف والأصدقاء.. وخلطت بين المشاعر الزوجية التي تربط الزوجين ومشاعر الود والصداقة مع محيط الأهل والأصدقاء.. أي أنك تريدها شخصية مزدوجة.. لا زوجة تقدر زوجها وتعطيه كل ما تستطيع من حب وحنان, في الوقت الذي تمارس فيه حياتها بشكل طبيعي وفق ما رسمته لنفسها منذ البداية. إذ ما العيب يا سيدي في أن تضع زوجتك جدول مواعيد لأمور البيت والعمل والفسحة ولقاء الأهل والأقارب؟.. بالعكس فإنني أراها زوجة عاقلة تكرس حياتها لبيتها, ولا شيء يعلو لديها فوق مصلحتكم.. ثم ألا تدري أن تنظيم المواعيد يساعدك أنت شخصيا علي النجاح في العمل والحياة؟. أما عن العلاقة الخاصة بينكما, فإنني أري أنكما مطالبان بتقريب المسافات, واختيار الأوقات المناسبة لها, وأن يتسابق كل منكما لإرضاء الآخر, فحين يتحاب اثنان لن يسعدهما شيء أكثر من المنح والعطاء, حيث يعطي المحب كل شيء لحبيبه.. يعطيه أفكاره وحياته وجسمه ليسعد أكثر وأكثر. إن زوجتك كنز ثمين.. فلا تفرط فيه.. وأرجو أن تعملا معا علي تقوية رابطتكما الزوجية بالحب والعطاء, وأن تحاربا اخطبوط التعود فتجددا حياتكما باستمرار. وإعلم أن المرأة لزوجها ما أرادها أن تكون له, فلا تفسد حياتك وتخرب بيتك بالتمسك بأمور بسيطة يمكن علاجها بقليل من التفاهم.. وحاول دائما أن تتبع معها الأسلوب الإلحاحي بأن تكرر علي مسامعها أنك تحبها ولا تستطيع أن تستغني عنها, وعليك أن تبدي اهتماما خاصا بها وبما يدور في عملها, وسوف تجد مردودا مماثلا من الحب, فتتسلل السعادة إلي قلبك, وتمضي بكم سفينة الحياة إلي حيث تريدون.. والله المستعان.