توقفنا في لقائنا السابق عند عتبة الواقعية السياسية, وكأن هذا الصيف الملتهب يحاصر مسعانا الي إعادة ترتيب أوراق البيت, وبالفعل, تراكمت الأزمات, وكادت تتفجر. بحيث أصبح لزاما علينا أن نضيء الطريق ما أمكن لنواصل سعينا المشترك, بعد الإلمام بما يحيط بنا ويحاصر تحركنا. أولا: تفجرت الأمور, فجأة, بعيدا بعيدا عنا, علي الأقل في الظاهر, فالإدارة الأمريكية تتحرك في ضوء استراتيجيتها للأمن القومي الجديدة التي أعلنتها يوم27 مايو. المهم هنا أن المرحلة الجديدة من التحرك الاستراتيجي الأمريكي بدأت بمناسبة اجتماع القمة الأمريكية الصينية, إذ قادت وزيرة الخارجية هيلاري وفدا يتكون من مائتين من كبار المسئولين وعدد من كبار الوزراء والقادة للمشاركة في الحوار الاستراتيجي والاقتصادي مع الصين في عاصمتها يومي24 و25 مايو, كان هذا أول اجتماع بين الدولتين بعد سلسلة من الأزمات: في مؤتمر التغير المناخي في كوبنهاجن( ديسمبر2009), ثم قرار الصين بوقف تبادل الزيارات بين كبار العسكريين من البلدين في يناير2010, بعد أن قرر أوباما توريد صفقة الأسلحة الاستراتيجية المتقدمة لتايوان حتي استقبال أوباما للدالاي لاما في فبراير, هذا بالإضافة الي تفاقم الخلافات حول أسعار العملة الصينية والتبادل التجاري بين البلدين, حاولت هيلاري, شأنها علي الدوام, أن تستثير الجانب الصيني, وقد أجمعت الصحف الأمريكية علي أن هيلاري فشلت: الصين لم توافق علي تغيير سعر عملتها, وكذا رفضت العمل المشترك لمواجهة الأزمة بين الكوريتين, كما أنها لم تذكر, ولو مرة واحدة, اسم ايران في البيانات المشتركة. وفي قلب هذه المحاولة الفاشلة, تفجرت الأزمة بين الكوريتين, كانت بدأت القصة يوم تفجرت الفرقاطة شيونان في26 مارس, في حادث غامض أعلنت كوريا الجنوبية انه تم إثر هجوم بالطوربيد من ناحية كوريا الشمالية, وقد أنكرت كوريا الشمالية بقوة مسئوليتها عن هذا الحادث الغامض, إذ أكد الجنرال باك ريم سو من كبار المسئولين العسكريين لكوريا الشمالية, أن بلاده لا تمتلك غواصة صغيرة حمولتها130 طنا, كما أن حكومة كوريا الشمالية لا توزع كتيبات بها مواصفات أسلحة طوربيد, كما ادعت وزارة دفاع كوريا الجنوبية. ثم أعلنت كوريا الجنوبية القيام بمناورات بحرية كبري استعدادا لمناورات مشتركة مع البحرية الأمريكية, ثم بدأت الأمور تدخل في جو من الغموض: المناورات المشتركة لم تتم, وقد لاحظ مراسلو الصحف الأمريكية في سول أن جو شباب كوريا الجنوبية تجاه اخوانهم في كوريا الشمالية لطيف حميم... الي أن اعترف الجميع بأن الموضوع يعبر عن سياسة رئيس كوريا الجنوبية لي ميونج باك( حتي2013) الذي أعلن منذ توليه منذ سنتين تنكره ل سياسة الشمس المشرقة التي أعلنها رئيسا كوريا الجنوبية السابقان كيم داينوج وروه مو هيون مو, الرئيس الحالي أعلن مواصلة الحرب النفسية ضد الشمال بدعم متصل للسيدة هيلاري بشكل ملفت. الأمور تتشابك, الغموض وتناقض التحليلات, جو غريب غير مفهوم. وفجأة تفجرت الحقيقة, برغم أن أصحاب الشأن لم يفصحوا بذلك, اليابان في عصر رئيسها الجديد السابق هاتوياما, أعلنت منذ أقل من عام عزمها علي التوجه الي دائرة آسيا الشرقية, واختيار الصين شريكا رئيسيا لها, وذلك في مقابل إعادة النظر في نظام الأمن المشترك مع الولاياتالمتحدة. الهدف إذن من قصة الفرقاطة الكورية الجنوبية إنما هو تسخين الجو وإثارة خطر حرب لا وجود لها. ثانيا: ثم تنتقل الأحداث من شرق آسيا كوريا واليابان الي غرب القارة الكبري, أي الي دائرتنا الحيوية. ضمير العالم يصحو برغم الأكاذيب والتزييف والتضليل, ضمير العالم يصحو, ويدرك اتصال الاجرام ضد شعب فلسطين وخاصة حصار غزة, تتحرك قافلة الحرية لتتخطي سياج الحصار الذي أحال غزة الي معسكر اعتقال في عرض النهار منذ سنين, وإذ بقافلة المعونة الإنسانية تواجه عدوان القوات الصهيونية في عرض البحار, الملفت الجديد في هذا الأمر أن القافلة تجمع ممثلين من مختلف القوميات وفي طليعتها منظمات الاغاثة من تركيا الشقيقة التي تحملت عبء القيادة, وكذا دفعت ثمنا غاليا من أبنائها الشهداء, شهداؤنا, الملفت أيضا أن أحدا لم ينازع تركيا قيادة حملة الانقاذ, لا من دولنا العربية ولا من إيران برغم المساندة الوجدانية الشعبية العميقة المتصلة. هنا بدأت تتشابك الأمور في غموض يشبه ما حدث في شمال شرق آسيا. تركيا عضو أصيل في حلف شمال الأطلنطي, وهي كذلك حليف قريب للولايات المتحدة التي تدعم مسعي تركيا للانضمام الي الاتحاد الأوروبي منذ عشر سنوات, بينما ترفض فرنسا وألمانيا هذا الأمر, ثم إن تركيا أقامت حتي زمن قريب علاقات وثيقة بالدولة الصهيونية, خاصة في قطاعي الاقتصاد والتسلح. تركيا الجديدة العريقة إذن تقود قافلة الحرية لنصرة شعب فلسطين, وهي تركيا الدولة القوية بل والدولة الأقوي عسكريا في شرقنا المتوسط والتي تتقدم في سلم الاقتصاد العالمي بإيقاع سريع ملفت. كيف يمكن أن يسمح المحور الأمريكي الصهيوني بهذا التعدي؟ ثم: كيف يمكن أن يقبل محور الامبريالية العنصرية أن تتجرأ تركيا وتقيم مع البرازيل, كبري الدول الطالعة الجديدة والدولة الأولي في أمريكا اللاتينية كلها, طاقما ثنائيا يعمل علي وقف تدحرج السياسة الغربية لمحاصرة تطلع إيران الي حقها المشروع في تملك الطاقة الذرية لأسباب سلمية؟ أي أن تركيا الجديدة تنتقل من نصرة شعب فلسطين الي حماية إيران من العدوان المفتعل, بل وانها تصل الي حد تكوين طاقم ثنائي من أهم دولتين صاعدتين من خارج نطاق دول الخمس الكبري؟ قال صاحبي: الهدف واضح وضوح النهار, إن وقف التدحرج الي عدوان حربي ضد إيران, يحاصر منطقتنا تحت سياج أمريكي صهيوني... أم أن هناك ما هو أبعد... وأهم؟...