يجب عدم النظر لانتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري ونتائجها, بعين الفائز والمهزوم, أو المكسب والخسارة, فكما كتبت في مقال الأسبوع الماضي, أن هذه الانتخابات هي الإختبار الأول, لتعددية سيتم تأكيدها في أكثر من انتخابات قادمة. ولهذا علينا القول أن ماتحقق كان نجاحا للجميع, برغم طبيعة النتائج والتي أعلنتها اللجنة العليا للانتخابات, وتأكد فيها استمرار احتفاظ الحزب الوطني الديمقراطي بالأغلبية في مجلس الشوري, ففي المحصلة النهائية للجولة الأولي في هذه الانتخابات فاز مرشحو الحزب الوطني بأربعة وسبعين مقعدا منها أربعة عشر مقعدا بالتزكية, أي أن الحزب خاض الإنتخابات منافسا علي أربعة وسبعين مقعدا, فاز بستين منها, وتقرر الإعادة علي عشرة مقاعد سيجري التصويت عليها بعد غد الثلاثاء, وانتخابات التجديد النصفي كلها تدور حول88 مقعدا في67 دائرة انتخابية في مختلف المحافظات المصرية عدا محافظتي الإسماعيلية والوادي الجديد, وبإعلان فوز14 مرشحا بالتزكية جرت الانتخابات علي74 مقعدا فقط تم حسم وإعلان64 فائزا منها وتقرر الإعادة علي10 مقاعد, بهذه النتائج وحتي قبل الإعادة, يكون الحزب الوطني قد فاز بنحو90 بالمائة من المقاعد, وهو ما جعل البعض يصف ما حققه الحزب بأنه اكتساح, وهو تعبير لا أفضل استخدامه في الحياة السياسية والحزبية, لقد فاز الوطني بالأغلبية, نعم ولكن أستطيع القول أن أحزاب المعارضة هي أيضا فازت وحققت قدرا من النجاح بحصولها علي4 مقاعد, وبرغم ضعف هذا الرقم فإن ما حققته هذه الأحزاب يعتبر تقدما مهما بالنظر لعدد المرشحين باسم هذه الأحزاب في الدوائر كلها وبالنظر أيضا لامكانات هذه الأحزاب وعدم قدرتها علي تغطية مساحات دوائر الشوري, المتسعة, فإن يتقدم حزب ما بأربعة مرشحين أو تسعة وتكون المنافسة علي88 مقعدا, ويفوز هذا الحزب بمقعد أو اثنين, فهذا مكسب سياسي, يعطي الدافع لهذا الحزب للتحرك ونشر أفكاره وبرنامجه مستفيدا من دروس وخبرات هذه الانتخابات لكي يخوض الإنتخابات القادمة بعدد أكثر من المرشحين, وليفوز بعدد متزايد من المقاعد, هذه هي التعددية والعمل الحزبي, فمقاطعة الانتخابات أثبتت أنها موقف غير صحيح والصحيح هو المشاركة والنزول للشارع وشرح البرامج, ولعل هذا مايجعلني أؤكد أن النجاح الأول الذي تحقق في انتخابات الشوري كان لتجربة التعددية في البلاد, وأن الفائز الحقيقي فيما حدث هو الإرادة السياسية في تكريس. فكرة الديمقراطية والمشاركة والتعددية الحزبية. ولكن ما حدث أيضا خلال هذه الانتخابات يجعلنا ندقق النظر في بعض وقائعه وخصوصا فيما يتعلق بنسبة التصويت التي بلغت وفقا لما قاله المستشار انتصار نسيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات نحو ثلاثين بالمائة, وهي نسبة يجب التوقف عندها, فمن غير المعقول أن يكون من لهم حق التصويت نحو25 مليون مواطن, لا يذهب منهم إلا7 ملايين فقط. برغم الحملات الاعلامية ودعوات المشاركة, وقد تكون نسبة التصويت, في الريف أكثر منها في المدن, ولكن علينا بشكل أو بآخر البحث عن الأسباب التي تمنع ملايين الناس من مزاولة حقهم الدستوري, وإيجاد السبل لدفعهم للمشاركة والتصويت وهذا هو الدرس الأول لكي يكتمل النجاح الذي تحقق بإستثناء عدد من الظواهر التي يجب التوقف عندها وخصوصا فيما يتعلق باستخدام العنف والاعتداء علي المقرات واللجان الانتخابية وأعمال البلطجة التي يجب التصدي لها بالقانون وعدم السكوت عليها بأي حال من الأحوال, ولا يجب ألا تكتفي اللجنة العليا بإحالة الشكاوي المقدمة لجهات التحقيق, بل يجب متابعتها, بل يجب أيضا توسيع اختصاصات اللجنة وإعطاؤها حق وقف العملية الانتخابية في أي لجنة تتعرض لأعمال عنف أو بلطجة وتحويل المستببين في ذلك للنيابة العامة, وينطبق الأمر نفسه علي كل من تجاوز سقف الانفاق المالي في الدعاية الانتخابية وكل من ثبت ضده جريمة شراء الأصوات, وكل من رفع شعارات طائفية أو دينية في الانتخابات. ومع ذلك يمكن القول إن كثيرا من القواعد التي أرسيت في هذه الانتخابات كانت مبشرة وهي قواعد لابد من تعميمها وترسيخها, وأبرزها السماح بالتصويت بالرقم القومي في حال ثبوت اسم صاحبه في الكشوف الانتخابية, وأبرزها أيضا وجود ما بين3 و9 قضاة للاشراف علي اللجان العامة, مع السماح لمنظمات المجتمع المدني المصرية, لمتابعة ومراقبة العملية الانتخابية ووجود العشرات من وسائل الاعلام المصرية والعربية والأجنبية لتغطية العملية الانتخابية, ظواهر وتقاليد بل قواعد جديدة, ساعدت علي النجاح في التجربة الانتخابية الأولي التي ستعقبها إعادة انتخابية, ثم تتحول لنموذج لانتخابات مجلس الشعب المقبلة في نوفمبر المقبل ثم الانتخابات الرئاسية في العام الجديد. ومن الطبيعي أن يصف من لم يفز بأي مقعد بأنها لم تكن حرة ونزيهة, وللأسف هذه سمة المهزومين وخصوصا في عالمنا الثالث, الذي لا يعترف أبناؤه أبدا بأن هناك فائزا وآخر خاسرا في أية منافسات. والجديد في الأمر أن نتائج هذه الانتخابات أكدت وعي شعبنا وقدرته علي الاختيار وعدم اقتناعه بل وكشفه لأصحاب الشعارات المضللة, ورغم كل شيء فقد نجح الجميع في الاختبار الأول, وعلينا استكمال هذا النجاح وقراءة دروس هذه التجربة جيدا والانتباه لكل الظواهر الايجابية والسلبية, فالديمقراطية هي تراكم خبرات وتجارب وخطوات تتلوها خطوات أخري, المهم, أن نواصل, فالتعددية أصبحت خيارا وطريقا لا رجعة عنه, ومصر وشعبها تستحق مجتمعا ديمقراطيا ودولة مدنية, المواطن فيها هو السيد. المزيد من مقالات مجدي الدقاق