علي الرغم من أن لعبة كرة القدم تشترط دوما في ممارسيها الموهبة, فإنهم في الوقت ذاته يقعون فريسة استغلال السياسيين حتي ولو لم يتمتعوا بأي مواهب. ربما لأنهم يعتمدون الاستغلال عنصرا مهما في لعبهم عندما يستغلون أي كرة أو أي خطأ لإحراز الأهداف. وإن كان هذا الاستغلال الكروي تحكمه قوانين محددة ولوائح صارمة, إلا أنه عندما تصبح كرة القدم أسيرة الاستغلال السياسي فإنها تصبح ألعوبة في أيدي من لا يعترفون بأية قواعد. ولا يوجد محفل رياضي وغير رياضي يحظي بما تحظي به بطولات كأس العالم لكرة القدم, ولذلك فإن المزادات السياسية تكون في أوجها, إذ أن المونديال لا يقتصر علي محبي كرة القدم ولكنه يمتد إلي كل الشعوب,وليس تنافسا علي لعبة شعبية فحسب بل يتطور إلي منافسة بين الحكومات, ولم يعد مجرد لعبة رياضية, ولكنه أصبح ألعوبة سياسية كان المونديال الكروي دائما ورقة لإصباغ الشرعية علي بعض الأنظمة العسكرية الحاكمة كما حدث عام1970, حيث كان فارقا في تثبيت الحكم العسكري الذي استولي علي السلطة في البرازيل عام1964, كما كان مونديال1978 أيضا نقطة تحول باتجاه إضفاء شرعية علي الحكم العسكري في الأرجنتين. والفوز الكروي غالبا ما يكون مسكنا للشعوب من هزائم عسكرية وخسائر سياسية, وهو المبدأ الذي ابتدعه حكام الأرجنتين العسكريون عندما سعوا إلي إقناع شعبهم بأن فوز منتخبهم الوطني علي نظيره الإنجليزي في مونديال1986 بهدفين يعتبر تعويضا عن الهزيمة العسكرية في حرب فوكلاند.. فهل كان تسهيل فوز الأرجنتين بهدف غير شرعي أحرزه مارادونا أمرا مقصودا لتخفيف وطأة الهزيمة علي الشعب الأرجنتيني ؟.. مجرد سؤال المهم انها أصبحت قاعدة لجأ إليها الساسة الإيرانيون مع مونديال1998 عندما تمكنت إيران من إلحاق الهزيمة بالمنتخب الأمريكي فاعتبروها رسالة سياسية بأن إيران صامدة لن تقهر, ولم تكن المباراة بهذا الاعتبار الإيراني فقط, فقد شنت الصحافة الأمريكية هجوما علي تخاذل منتخب بلادها وعدم قدرته علي هزيمة' أعداء الأمة'. ولعل أبرز مظاهر الاستغلال السياسي تجلي فيما أعلنه السيد محرز العماري رئيس جمعية الصداقة الجزائرية الصحراوية التي تعد الذراع السياسية للمخابرات العسكرية الجزائرية أن هذا العام سيكون حاسما في الصراع المغربي الجزائري حول الصحراء الغربية,وأشار إلي أن من أبرز محطات المواجهة الحقوقية والاعلامية محطة كأس العالم لكرة القدم التي ستقام في جنوب افريقيا و كذلك كأس الأمم الإفريقية, حيث كان إعلانه بعد تأهل منتخب بلاده للنهائيات العالمية أواخر العام الماضي. إسرائيل استغلت كأس العالم2006 كما لم تستغل السياسة كرة القدم كلها, فقد استثمرت انشغال العالم بكأس العالم وشنت حربا شرسة علي المدنيين اللبنانيين بحجة اختطاف جنديين لم تعثر عليهما, وفي الملاعب فوجئ الجميع بالعلم الإسرائيلي يعلو دون مشاركة المنتخب الإسرائيلي الذي يفشل دائما في التأهل إليها عبر التصفيات الأوروبية, إلا أنها لم تدع فرصة انضمام أحد المحترفين في أنديتها إلي منتخب بلاده غانا في ان تستغله أسوأ استغلال, وبدلا من أن يرفع اللاعب علم بلاده مع كل هدف يحرزه منتخب بلاده إذا به يرفع علم إسرائيل الذي أحضره وخبأه في جواربه, مما يؤكد العمد والتخطيط, وإن لم يعرف احد الدوافع الحقيقية وراء هذا التصرف الذي لم يأت إلا عبر أجهزة أمنية ولعل الكثير من الحقائق تجعل من هذه البطولة عنصرا جاذبا للسياسيين, فالاتحاد الدولي لكرة القدم يضم(200) دولة أي أكبر من العدد الذي تضمه منظمة الأممالمتحدة, ومع ذلك لا يوجد في الفيفا فيتو لأحد, كما أن المونديال الآن يعد أكبر حدث تتم مشاهدته علي الهواء مباشرة في تاريخ الكرة الأرضية, حتي صارت كرة القدم هي الظاهرة الأكثر كونية و أشمل من ظواهر كونية كثيرة مثل الديمقراطية واقتصاديات السوق, بل أصبح التعريف القانوني لكل دولة اليوم: أرض وسكان وحكومة.. ومنتخب كروي. الاستغلال السياسي للرياضة بهذه الكيفية من قبل الحكومات ربما يكون قد فتح شهية الكثيرين ممن لا يحملون أي هوية سياسية, ففي الملاعب الأوروبيةأصبحت الشعارات الفاشية والعنصرية أمرا مألوفا, وأصبح الاعتداء علي اللاعبين السود عنوانا لذلك, بل تحول إلي تهديد حقيقي حاصر العديد من الحكومات, مما اضطر ألمانيا عام2006 إلي اتخاذ موقف حاسم ضد العنصرية وكراهية الأجانب خلال نهائيات كأس العالم لكرة القدمالتي أقيمت علي أرضها مع تزايد التهديدات للمشجعين السود بالتعرض لهجمات علي بعض أراضيها, عقب تعرض مواطن ألماني من أصل إثيوبي لضرب مبرح أدخله في غيبوبة, وبعد ان كانت الحكومات تستثمر المونديال سياسيا وجدنا وزير الداخلية الألماني وقتها يؤكد أن حكومة بلاده ستستخدم كل الوسائل القانونية الممكنة لمنعاستغلال كأس العالم لأغراض سياسية, وبالطبع كان المقصود هم أنصار التيار اليميني, وليس أي شئ آخر. وربما كان كتاب( كرة القدم أهواء سياسية) الصادر في صيف عام1998 عن دار النشر الفرنسية الشهيرة( لوموند) وهو عبارة عن دراسة متعمقة لتحول كأس العالم لكرة القدم إلي أداة سياسية, تأصيلا لهذه الحقيقة, فقد كتب مؤلفه ما نصه: لم تعد كرة القدم لعبة جماعية يركض فيها اثنان وعشرون لاعبا وراء كرة مستديرة صنعت من الجلد, ولكنها اصبحت إحدي الوسائل المهمة في العلاقات الدولية وفيتأكيد الهوية الوطنيةوفي التعبير عن قضايا سياسية, وإذا كان القول المعروف هو أن( السياسة هي متابعة للحرب بوسائل أخري) فإن كرة القدم أصبحت حاليا عبارة عن( متابعة للسياسة بوسائل أخري).