مع قرب موعد إجراء انتخابات مجلس الشوري, ونظرا لما أثير من لغط يقتضي الإيضاح والتنوير فيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية والترشيح للمجالس النيابية, حيث يثور التساؤل عن كل من تخطي سن التجنيد وأصبح غير مطلوب نهائيا للتجنيد دون أن يكون قد أدي الخدمة العسكرية فعلا, هل يعتبر بمثابة من أعفي منها, تلك مسألة مهمة يجب أن يفهم الكثيرون هذه النقطة الدقيقة شديدة الحساسية لتعلقها بحق الانتخاب للمجالس النيابية وهو من الحقوق الدستورية. وفي حوار مع المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة سألناه: { هل أداء الخدمة العسكرية واجب دستوري أم واجب وطني؟ * نود أن نشير الي أن وثيقة إعلان الدستور قد حرصت علي أن يتصدرها تعريف بجماهير الشعب التي أعلن باسمها الدستور بأنها الجماهير في كل موقع يشارك في صنع الحياة علي تراب مصر, أو يشارك في شرف الدفاع عن هذا التراب, وعلي هدي ما استقرت عليه أحكام محكمتنا العليا فإن الخدمة العسكرية والوطنية فرض عين علي المصريين, فمتي بلغ المصري السن المقررة قانونا لتلك الخدمة تعين عليه أداؤها التزاما بما للوطن من حقوق في عنق كل مواطن تقتضي منه بذل الروح في سبيل وطنه, وذلك بالانخراط في سلك الخدمة العسكرية والوطنية لأداء ضريبة الدم, بحسبانها شرفا لا يدانيه شرف وضريبة علي المجند نحو وطنه. { وما هو الفرق بين حق الترشح وحق الانتخاب من حيث تطلب توافر شرط أداء الخدمة العسكرية في أيهما؟ * الجدير بالذكر أن المادة(62) من الدستور تنص علي أن: للمواطن حق الانتخاب والترشيح وابداء الرأي في الاستفتاء وفقا لأحكام القانون ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني, ولذلك فإن الحق في الانتخاب والحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب أو الشوري من الحقوق الدستورية, إلا أنهما لا يختلفان في الطبيعة القانونية بحسبان أن الحق في الترشيح, ينطوي علي تقرير ولاية عامة تلحق بالعضو اذ إنه يتكلم باسم الشعب ويتصرف نيابة عنه علي خلاف ما عليه الأمر بالنسبة لحق الانتخاب, الذي لا ينطوي إلا علي ممارسة المواطن لحقه هو في الانتخاب, فلا ينوب في ذلك عن أحد. { هل يجوز لقانون مباشرة الحقوق السياسية أن يتعارض مع قانوني مجلسي الشعب والشوري فيما يتعلق بأداء الخدمة العسكرية؟ * غني عن البيان, أن المشرع نظم حق الانتخاب رقم73 لسنة1956 بتنظيم مباشرة الحقوق السياسية, الذي نص في المادة(1) منه علي أن كل مصري ومصرية بلغ ثماني عشرة سنة ميلادية أن يباشر بنفسه الحقوق السياسية الآتية, أولا: إبداء الرأي فيما يأتي: 1 الاستفتاء الذي يجري لرئاسة الجمهورية. 2 كل استفتاء آخر ينص عليه الدستور. ثانيا: انتخاب أعضاء كل من: 1 مجلس الشعب. 2 مجلس الشوري. 3 المجالس الشعبية المحلية.. وتكون مباشرة الحقوق سالفة الذكر علي النحو وبالشروط المبينة في هذا القانون. كما نص في المادة(2) علي الفئات التي تحرم من مباشرة الحقوق السياسية, في حين نظم المشرع الحق في الترشيح لعضوية مجلس الشعب بالقانون رقم38 لسنة1972 في شأن مجلس الشعب, والحق في الترشيح لعضوية مجلس الشوري بالقانون رقم120 لسنة1980 في شأن مجلس الشوري فمن ثم يكون كلا القانونين الأخيرين هما القانون الخاص الذي يعمل بأحكامه وقد تضمنا, تنظيما خاصا لحق الترشيح لعضوية مجلس الشعب وعضوية مجلس الشوري, حيث ينظم قانون مجلس الشعب وقانون مجلس الشوري شروط ممارسة حق الترشيح فلا يكون ثمة محل لتقييد الشروط أو الالتفاف حولها, أو الانتقاص منها بمقولة الرجوع الي أحكام وردت بقانون مباشرة الحقوق السياسية المشار إليه. { كما هو واضح أن قانوني مجلس الشعب والشوري يتطلبان أداء الخدمة العسكرية أو الإعفاء منها طبقا للقانون. لا يغرب عن البال أن القانون رقم38 لسنة1972 في شأن مجلس الشعب ينص في المادة الخامسة علي أنه: ومع عدم الإخلال بالأحكام المقررة في القانون تنظيم مباشرة الحقوق السياسية, يشترط فيمن يرشح لعضوية مجلس الشعب, أن يكون قد أدي الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفي من أدائها طبقا للقانون, وتنص المادة السادسة من القانون رقم120 لسنة1980 في شأن مجلس الشوري في شروط الترشيح لمجلس الشوري ما يلي: أن يكون أيضا قد أدي الخدمة العسكرية الإلزامية أو أعفي من أدائها طبقا للقانون فمتقضي هذا الشرط الذي إن هو شرط من شروط الصلاحية للولاية التي يكبل العضو بأعبائها, ولازمه, أن يكون من يتقدم للترشيح لعضوية مجلس الشعب أو مجلس الشوري قد التزم بأداء الواجب المقدس الذي هو أداء الخدمة العسكرية, أو أن يكون قد أعفي من آدائها علي النحو الذي ينظمه القانون بما لا يخل بالأصل المقرر وهو الخضوع, فالاعفاء قانونا يعني الخضوع. { إذن أن تري في النهاية أن الخدمة العسكرية شرط جوهري لا غني عنه في الترشح للمجالس النيابية؟ * صفوة القول إذن أن الترشيح لمجلس الشعب أو لمجلس الشوري يقتضي في المرشح أن يكون قد أدي الخدمة العسكرية فعلا أو أعفي منها طبقا للقانون, أما من تهرب من أداء الخدمة العسكرية حتي تجاوز سن التجنيد, وسواء وقعت عليه العقوبة أم لا, فلايمكن اعتباره بمثابة من أعفي من أدائها لكونه قد خالف القانون ونكل عن أداء ضريبة الدم, ولا يغدو أهلا لأمانة تمثيل الأمة في مجالسها النيابية, فمن تقاعس أو فرط في تلبية نداء الدفاع عن الوطن وقصر التحاما بشعبه وحال دون انخراطه للدفاع عن أرضه وعرضه فحق عليه عقاب الحرمان في النيابة عن الشعب والأمة في المجالس النيابية بعد أن فقد أعظم الأركان. { يثور التساؤل عن مدي الوقف المؤقت للعضوية بالبرلمان؟! * باستقراء نصوص الدستور والقوانين الأساسية المكملة للدستور والمنفذة لأحكامه فانه يحظر الجمع بين عضوية مجلس الشعب وعضوية مجلس الشوري وأنه اعمالا للفهم الصحيح للتفسير القانوني السديد لحكم المادة13 من قانون مجلس الشوري رقم120 لسنة1980 والمادتين23,22 من قانون مجلس الشعب رقم38 لسنة1972 المعدلة بالقانون رقم201 لسنة1990 فانه يجب أن توقف عضوية عضو مجلس الشعب مؤقتا الذي يخوض انتخابات مجلس الشوري وفي تلك الحدود الي أن تنتهي الانتخابات وهو مايحقق مفهوم التخلي المؤقت عن العضوية وفقا للنصوص المذكورة اذ إن نزوله الي الانتخابات معتصما بتلك الحصانة أي عضويته في مجلس الشعب, يؤثر علي جمهور الناخبين علي نحو يخل بمبدأ تكافؤ الفرص بين المرشحين وهو مبدأ دستوري أصيل.