من المؤكد أن الحكم العام بالفساد علي حكومة من الحكومات لا ينطبق بالضرورة علي كل مؤسساتها, فالحكم العام علي مجمل الظاهرة لا ينطبق, دائما علي كل مفرداتها أو عناصرها وكان ذلك مصدر خلاف بيني وصديقي نبيل عبد الفتاح الذي اتهم توجه المجلس الأعلي للثقافة بوصفه إحدي مؤسسات نظام سياسي أصبح منظورا إليه بالسلب عند معارضيه, وهذا حقهم الذي يوجد ما يبرره من أوضاع متردية ولكني لا أوافق علي التعميم والأقيسة الآلية, فوصف البنية لا ينطبق بالضرورة علي كل مكوناتها وأعضاء المجلس الأعلي للثقافة لا يمكن اتهامهم, وهم من أساتذتنا وروادنا, بأنهم قطع شطرنج يحركها أي وزير للثقافة مهما كانت قوته أو تأثيره وقد كتبت جريدة الشروق مرتين عن تكوين المجلس الأعلي للثقافة, مستخلصة من عناصر التكوين, أن الهيمنة العليا هي لرئيس المجلس ما ظل تكوين المجلس علي وضعه الحالي ورغم أني من أنصار أن يكون ثلاثة أرباع المجلس من المثقفين المشهود لهم بالكفاءة والنزاهة والإنجاز, كل في مجاله, لكن تركيب المجلس الحالي يقود الرأي فيه أعضاء مؤثرون, يفرضون صوتهم علي الأعضاء المعينين بحكم مناصبهم, أو من يسميه المنتقدون باسم الموظفين ولا يمكن أن يتخيل عاقل أن وزير الثقافة يمكن أن يفرض اسما أو رأيا علي إدوار الخراط أو السيد ياسين أو عائشة راتب أو ليلي تكلا أو بهاء طاهر أو مراد وهبة أو مصطفي العبادي أو جمال الغيطاني أو خيري شلبي, وقبلهم كان نجيب محفوظ وإسماعيل صبري عبد الله ورجاء النقاش وكامل زهيري وفاطمة موسي ويونان لبيب رزق رحمهم الله جميعا وفي تقديري أن الحكم علي فساد اختيار جوائز مجلس, هؤلاء من أعضائه, هو ظلم فادح وإهانة غير مباشرة لهؤلاء وغيرهم من الذين لم أذكرهم. وخير دليل علي قيمة إنجاز هؤلاء الأعضاء هو أسماء الذين فازوا بجوائز الدولة في الآداب والفنون والعلوم الاجتماعية, فقد فاز بجائزة مبارك في الآداب منذ إنشائها كل من نجيب محفوظ وعبدالقادر القط وأنيس منصور وشوقي ضيف وأحمد هيكل ورجاء النقاش وبهاء طاهر, وأبرز الحاصلين عليها في الفنون صلاح طاهر وثروت عكاشة وسمحة الخولي وآدم حنين ومحمد حامد عويس ويوسف شاهين وحامد عمار وسعد أردش ومحمد طه حسين أما العلوم الاجتماعية فضمت عبدالرحمن بدوي ويونان لبيب رزق ومصطفي سويف والسيد ياسين وحامد عمار وعلي رضوان فهل هذه جوائز فاروق حسني؟ وهل فاروق حسني يعطي الجائزة التي لا يعطيها فعليا إلي هذه الأسماء المحترمة حتي يضيف مصداقية إلي هذه الجوائز؟ الحكم متروك للقارئ علي تدليس علاء الأسواني وبعده عن الحقيقة التي يسعي إلي تشويهها وليس هذا الكلام موجها إلي الأستاذ علاء الأسواني وحده, وإنما إلي كل من يظلم جوائز المجلس الأعلي للثقافة وأعضاءه الذين أعطوا أصواتهم للعالم الجليل يونان لبيب رزق ولم يمنحوها لرئيس مجلس الشعب, كما لو كانوا يبعثون رسالة لا يفهمها إلا من كان له عقل سليم. وإذا انتقلت إلي الحائزين علي جوائز الدولة التقديرية في السنوات العشرين الأخيرة يكفي أن أذكر أسماء جوائز الآداب التي حصل عليها سعد الدين وهبه وشكري عياد ولويس عوض وفاروق خورشيد وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس وعلي الراعي ومحمد زكي العشماوي والطاهر مكي وألفريد فرج ومحمود علي مكي وغالي شكري وفاروق شوشة وبهاء طاهر وفاطمة موسي وأحمد حجازي ومصطفي ناصف ومحمود أمين العالم وإدوار الخراط وصلاح فضل وعبدالرحمن الأبنودي ورجاء النقاش وعلاء الديب وفاروق جويدة وسليمان فياض وصبري موسي وعبدالغفار مكاوي وإبراهيم أصلان ومحفوظ عبدالرحمن وخيري شلبي وعبدالمنعم تليمة ومحمد عفيفي مطر وجمال الغيطاني ولينين الرملي وإبراهيم عبدالمجيد وأذكر في العلوم الاجتماعية إسماعيل صبري عبدالله ومصطفي سويف وعلي عبدالواحد وافي وسعيد النجار وصفي الدين أبو العز وإبراهيم رزقانة وإبراهيم نصحي وأحمد أبو زيد وأنور عبد الملك ولويس مليكة وأحمد عبد الرحيم مصطفي وميلاد حنا ورجل القانون الدولي فؤاد رياض ورءوف عباس ولطيفة سالم وفؤاد أبو حطب وقدري حفني ومحمد نور فرحات وعبدالوهاب المسيري وقاسم عبده قاسم ونعمات فؤاد وفي الفنون هناك أسماء ثروت عكاشة والحسين فوزي ونبيل الألفي ومحمود الشريف الموسيقار والمهندس الدكتور علي رأفت وفاروق الجوهري وكمال الشيخ وحسن فهمي وفؤاد رياض ومنير كنعان ومحمد صبري وعبدالله جوهر وجاذبية سري وحامد عويس وكمال الطويل وإنعام محمد علي ومصطفي حسين وعمر النجدي ورتيبة الحفني وعواطف عبد الكريم وفاروق شحاتة وعطية شرارة ورمزي يسي وأسامة أنور عكاشة ووحيد حامد وغيرهم ولن أذكر من أسماء جوائز التفوق إلا أسماء عبدالله الطوخي وسمير العصفوري وسمير فريد وشاكر سليمان وأميرة مطر وعمار الشريعي ويسري الجندي وجودة عبد الخالق وحلمي سالم ونعمات البحيري رحمها الله, فضلا عن محمد السيد سليم وحسن نافعة وهو من أبرز الداعمين المحترمين للحركة المتحلقة حول محمد البرادعي, وليس من الذين يسيئون إليه ببؤس خطابهم الثقافي. والحقيقة أن هذه الأسماء مثال علي غيرها الذي لم أذكره, وهي جوائز يشرف بها المجلس الأعلي لأنه أعطاها لمن يستحقها ولذلك نطالبه بالحفاظ علي هذا المستوي والإضافة إليها من الأسماء التي يشرف بها وتشرف به ومهما كان نقدنا لبعض الأسماء, وذكرنا لأسماء أخري لم تحصل علي جوائز الدولة, ونرجو أن تكون في طريقها للحصول عليها, فإن عاقلا أو منصفا لا ينكر الإسهام الإيجابي للمجلس الأعلي للثقافة في السنوات العشرين الأخيرة, وموضوعيته التي جعلت أعضاءه وليس الوزير لا يميزون بين معارض أو مؤيد للحكومة, فالأهم هو الإنجاز الذي يجسد قيمة فكرية أو إبداعية, خصوصا ونحن في زمن ارتبكت فيه مقاييس القيمة وارتفع الصغار علي الكبار, وتفوق أصحاب الضجيج علي ذوي العقول والإبداعات النزيهة, واستبدل البعض بالقيمة الإبداعية الرفيعة أرقام التوزيع مؤكدا أن المجلس الأعلي للثقافة, تركيبا ولائحة, في حاجة إلي نقد بناء واقتراحات مفيدة, وتلك هي مهمة العقلاء لا الذين يتصورون أن المسارعة إلي الاتهام بطولة, واللجوء إلي هجر القول بضم الهاء جسارة. وليس من الإنصاف أن ننسي وقفة أعضاء المجلس ضد الحكم الجائر الذي صدر بالتفريق بين نصر أبو زيد وزوجه الدكتورة ابتهال يونس, وإصدارهم بيانا للدفاع عن نصر أبو زيد, وإصرارهم علي منح جائزة التفوق في الأدب للشاعر حلمي سالم حين طاردته أصوات التكفير, ووصل الأمر إلي حد رفع بعض المشايخ قضية علي المجلس ورئيسه لسحب الجائزة الممنوحة لحلمي سالم, لكن المجلس رفض الخضوع للابتزاز القانوني, ولم يقبل أن يطالب حلمي سالم بإرجاع القيمة المالية للجائزة ورفض إرهاب الذين اعترضوا قضائيا علي جائزة سيد القمني. وفي تقديري أن التهجم الانفعالي للأستاذ علاء الأسواني, أو غيره, علي جوائز الدولة إنما هو مساس مباشر بالكبار الذين حصلوا عليها من الأساتذة الذين سددوا خطي أمثال علاء الأسواني من مهاجمي جوائز المجلس الأعلي للثقافة ودالة جدا نتيجة المقارنة بين موقف أديب كبير مثل بهاء طاهر وموقف علاء الأسواني, فقد صرح بهاء طاهر بعد حصوله علي جائزة مبارك بأنه يحترم موقف صنع الله إبراهيم عندما رفض جائزة ملتقي الرواية ولكن هذا الاحترام لم يمنع بهاء طاهر من قبول الترشيح للجائزتين التقديرية ومبارك اللتين حصل عليهما, فهو أعلم من غيره لأنه عضو في المجلس الأعلي للثقافة بأن الذي يمنح الجائزة هم أعضاء المجلس وعضواته, لا وزير الثقافة أو رئيس الجمهورية, فالأصل في نيل أية جائزة هو مبادئها واللجنة التي تمنحها وليس الاسم الذي تحمله ولو كان الأمر أمر تسمية لرفض أول الحاصلين علي جائزة نوبل الجائزة, لأن صاحبها جمع ثروته من اختراع الديناميت الذي أودي بأرواح الآلاف المؤلفة بعد أن اخترعه ألفريد نوبل سنة1867 تقريبا وهو أمر سهل الفهم علي العقلاء الذين أخاطبهم. المزيد من مقالات جابر عصفور