المستشارة أمل عمار للأجيال القادمة: حافظوا على المكتسبات التي حققتها المرأة المصرية    سلامًا للسودان.. من العبث الإثيوبى!!    تأهيل الأطباء وحقوق المرضى (4)    درءا للإشاعات.. محافظ شمال سيناء يؤكد اهتمام الدولة بالمواطنين وصرف تعويضات حي الميناء بالعريش    فرص عمل لذوي الهمم وندوة موسعة للسلامة المهنية بجامعة الزقازيق    محافظ الوادي الجديد يتفقد أعمال تثبيت الرمال المتحركة على طريق الخارجة - أسيوط    خطة الشيطان «1»    الاحتلال الإسرائيلي يحتجز أكثر من 20 شابا ويعتقل آخر شمال رام الله    روسيا تعلن عن جولة محادثات مع الهند حول الأمن الإقليمي وأوكرانيا    تشكيل أهلي جدة الرسمي أمام الدحيل بدوري أبطال آسيا    كريم فؤاد يساند الأهلي من المقصورة أمام الزمالك    لاعبو مانشستر يونايتد مذهولون من تراجعهم السريع.. وضغوط متزايدة على أموريم    الزمالك يُمدد عقد خالد عبدالناصر موسمين    «سقوط حواوشي».. نهاية أكبر ديلر مخدرات في قبضة مباحث الخصوص    علاء عرفة يتألق مع أسرته في العرض الخاص لمسلسل «ولد وبنت شايب»    أمين «الأعلى للآثار» يتفقد مشروعات ترميم الرامسيوم ومقبرة تحتمس الثاني بالأقصر    نيرمين الفقي في أحدث جلسة تصوير بتوقيع حسن سند |صور    أسدد ديني ولا اخرج الزكاة؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل تصح صلاة الفرض أثناء التنقل في السيارة؟.. أمين الفتوى يجيب    وزير الصحة يزور عدداً من المؤسسات الطبية الرائدة في قطر    اليوم العالمي للقلب.. رؤية شاملة لحماية نبض الإنسانية    أفضل علاج للكحة من الطبيعة، وصفات فعّالة وسريعة المفعول    وزارة الصحة تستعرض تجربتها في المشروع القومي لكتابة تقارير الأشعة «عن بعد»    افتتاح فرع جديد لمكتبة مصر العامة بمنطقة الكرنك بالأقصر لتعزيز الدور الثقافي    تضامنًا مع أهل غزة ضد العدوان.. عايدة الأيوبي تطرح "غصن الزيتون"    المفوضية الأوروبية تدعو لوقف فوري لإطلاق النار وإدخال المساعدات إلى غزة    بسبب الظروف المادية.. استقالة رئيس مجلس إدارة نادي سرس الليان بالمنوفية    سقوط سيدة في بئر أسانسير بالمحلة الكبرى    عقوبات بريطانية على وزارتي النفط والطاقة الإيرانيتين و71 هدفًا مرتبطًا بالبرنامج النووي    رغم إدراج أسهمها في نيويورك.. «أسترازينيكا»: لن نغادر المملكة المتحدة (تفاصيل)    ربيع ياسين: الزمالك يُعاني دفاعيا قبل مواجهة الأهلي.. وكوكا ليس الأنسب للظهير الأيسر    «سبب مفاجئ».. فيريرا يطيح بنجم الزمالك قبل مباراة الأهلي    خالد الجندي: آيات القتال مقصورة على الكافر المقاتل وليس الدعوة للعنف    بتهمة النصب على المواطنين.. «الداخلية» تضبط صاحب كيان تعليمي وهمي بمدينة نصر    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للقطاعين العام والخاص في مصر.. هل يتم ترحيلها؟    قبل الزواج من برج العذراء.. احذر هذه الصفات الضارة    حصر الأسر الأكثر احتياجًا بقرى قطور في الغربية تمهيدًا لتوصيل الخدمات    حجز إعادة محاكمة المتهم السابع بقضية "فتنة الشيعة" للنطق بالحكم    أكرم القصاص: العلاقات المصرية الإماراتية مثالية وتؤكد وحدة الموقف العربى    وزارة التعليم تعلن توزيع منهج العربى للثالث الإعدادى وشكل الامتحان    مارجريت صاروفيم: التضامن تسعى لتمكين كل فئات المجتمع بكرامة    معهد بحوث الإلكترونيات أول مؤسسة مصرية تحصل على شهادة إدارة الذكاء الاصطناعي ISO/IEC    خطة متكاملة لتطوير شوارع ديروط فى أسيوط ب160 ألف متر إنترلوك    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29 سبتمبر 2025 في محافظة قنا    مواقيت الصلاة فى أسيوط اليوم الإثنين 2992025    الطفلة مي.. وردة فلسطينية أنهك التجويع الإسرائيلي جسدها ودمر طفولتها    مطار العاصمة الألمانية لا يزال يعاني من تداعيات الهجوم الإلكتروني    أسعار الحديد فى أسيوط اليوم الإثنين 2992025    أكاديمية الفنون: عودة مهرجان مسرح العرائس لمواجهة الألعاب الإلكترونية    مواعيد فتح وغلق أبواب الاستاد أمام الجماهير قبل لقاء القمة .. تعرف عليها    حالة الطقس في السعودية اليوم الاثنين 29-9-2025 ونشاط الرياح المثيرة للغبار    «مدبولي»: نستهدف الاستعداد الجيد لتقديم أفضل الخدمات للحجاج المصريين خلال موسم الحج المقبل    أليجري بعد الفوز على نابولي: روح ميلان كانت رائعة.. ومودريتش يلعب بذكاء    الصحة: 5500 متبرع بالدم خلال 4 أيام لدعم مرضى سرطان الدم ضمن الحملة القومية    الأزهر للفتوى قبل لقاء القمة : التعصب الرياضي والسب حرام شرعا    الحوثيون: قصفنا أهدافا في تل أبيب وملايين الإسرائليين فروا للملاجئ    «الداخلية» تنفي مزاعم إضراب نزلاء أحد مراكز الإصلاح: «أكاذيب إخوانية»    الأربعاء.. مجلس النواب يبحث اعتراض رئيس الجمهورية على قانون الإجراءات الجنائية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من القاهرة
أخطار علي نهر النيل‏!!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 22 - 05 - 2010

سواء كانت مصر هبة النيل‏,‏ أو أن مصر هي هبة المصريين‏,‏ الذين نجحوا في إقامة حضارة كبري علي نهر النيل‏,‏ فإن هناك أخطارا باتت حالة علي النهر التاريخي بعد أزمان كثيرة من الاطمئنان. علي أن مياها كثيرة سوف تمضي بلا انقطاع من المنبع إلي المصب‏.‏ وببساطة استيقظنا ذات صباح‏,‏ يقول البعض إنه منذ عام‏,‏ والبعض الآخر يقول إنه منذ أعوام‏,‏ علي أن ما تم الاستقرار عليه طوال التاريخ لم يبق علي ما كان‏,‏ وأن هناك من يريد أن يغير شرائع وقوانين ظلت مستقرة منذ عقود طويلة عبر أعوام‏1902‏ و‏1929‏ و‏1959‏ لكي تنظم ما جري عليه العرف واستقرت فيه التقاليد قبل عدة آلاف من السنين‏.‏
كانت المناسبة هي توقيع اتفاقية إطارية لتنظيم التعاون ما بين دول حوض النهر‏,‏ فما كان من دول المنبع إلا أن أصرت علي إضافة فقرة تقول بحقها في إقامة مشروعات علي نهر النيل دون موافقة دول المصب‏,‏ ودون مراعاة بالضرورة لما استقرت عليه الحقوق التاريخية‏.‏ وكانت هذه الفقرة كافية لكي تمنع اتفاقية التعاون من المضي في طريقها‏,‏ وعلي العكس أوجدت حالة من التساؤل حول الأسباب والدوافع التي قادتنا إلي نقطة كان‏'‏ التعاون‏'‏ فيها متوقعا‏,‏ لكي يتحول إلي لحظة من التوتر والتشاحن‏.‏
من ناحيتنا جري التعامل مع الموقف بمنهجين إضافيين لما اعتدنا الحديث عنه من حقوق تاريخية‏:‏ أولهما أن القضية قانونية من أولها إلي آخرها‏,‏ فتم استدعاء الاتفاقيات والمعاهدات‏,‏ والبحث في الكتب عن المعاهدات العالمية الخاصة بالحقوق في الأنهار والبحار‏,‏ والمراجعة والتأكيد علي المواد والحقوق الواردة في الاتفاقيات‏.‏ ومثل ذلك يدعمه بشدة أن مدرسة وزارة الخارجية المصرية مولعة بالقانون الدولي‏,‏ ولديها‏,‏ أو لدي بعض دبلوماسييها‏,‏ اعتقاد بأن العالم مثله مثل الدول يحكمه قانون وتنظمه شرائع‏,‏ ويجدون لذة بالغة في مقارعة الحجة القانونية بالأخري‏.‏
ولسبب ما بعد أن شبت قضية مياه النيل‏,‏ وجرت مع المياه إعادة التذكير بالحجج والمعاهدات من قبل كتيبة من فقهاء القانون والدبلوماسيين تذكرت تلك المباريات الطويلة التي جرت ذات يوم لتفسير المادة تلو المادة من القرار‏242‏ الصادر عن مجلس الأمن في نوفمبر‏1967‏ وظل حاكما للمفاوضات العربية الإسرائيلية طوال العقود الماضية‏.‏ ولم تكن المشكلة في المنهج القانوني الذي يثبت الحقوق بقدر ما كانت في أن المنهج جعل المسألة من الوضوح والعدالة بحيث يصعب تفهم تلك الحالة من الانقلاب التي باتت تعيش عليها دول حوض النيل‏.‏ وعندما ظهر أن الوضوح والعدالة غير كافيين لحسم القضية ووضعها في مسارها الذي يعطي المصالح لأهلها قفزنا فورا لمنهج آخر بدا مناقضا للمنهج الأول حيث الشرع والشرعية والقانون‏.‏
هنا كان المنهج الاقتصادي‏,‏ أو ما يعبر عنه بالمصالح الاقتصادية الذي بدا كما لو كان طريقا سريعا للخروج بسرعة من طريق مسدود مع دول حوض النيل‏,‏ حيث يمكن إلقاء اللوم علي غياب التفاعل الاقتصادي مع الدول المعنية‏.‏ وبسرعة كانت صفقة اللحوم مع إثيوبيا أو الصفقات المشابهة‏,‏ التي بدا وكأن غيابها هو السبب في الحالة الجديدة التي دفعت زملاء وأشقاء النهر إلي أن يصروا علي قلب أوضاع مستقرة منذ زمن بعيد‏,‏ أو كان وجودها يمكن أن يمنع وقوع ذلك‏.‏ وجري المنطق علي أنه لو كان لدينا ما يكفي من الصفقات والمعونات والاهتمام بدول حوض النيل لما جري الذي جري‏,‏ وكانت العلاقات يمكن أن تصبح سمنا علي عسل أو نوعا من السكر والزبد حسب ما يحصل عليه الجميع من فوائد وعوائد‏.‏
لم يكن بعيدا عن هذه الحجج‏,‏ والصفقات‏,‏ منهج يجري في العلاقات الدولية يقول إنه كلما تكاثفت علاقات الاعتماد المتبادل بين الدول فإنه لا يصير من تقاليدها الصدام ونشوب الأزمات‏,‏ وإنما يصبح طريقها إلي التعامل مع ما تختلف فيه هو التوافق والمفاوضات والصبر حتي التوصل إلي اتفاق‏.‏ وبقدر ما كان اللوم موجها في المنهج التاريخي‏,‏ والآخر القانوني‏,‏ إلي الآخرين من دول حوض النيل‏,‏ فإن المنهج الاقتصادي كان ممتلئا حتي آخره بتقريع الذات ونقدها‏,‏ لأنها لم تقم بما كان واجبا القيام به وهو عقد الصفقات السخية مع الدول الشقيقة‏.‏
والحقيقة أن المشكلة لم تكن قائمة بالنسبة لهذه المناهج علي أهميتها البالغة إلا في عدم كفاية أي منها لمناسبة مقتضي الحال الذي بات معقدا للغاية خاصة بعد اجتماعات متتالية في الإسكندرية وشرم الشيخ وعواصم دول إفريقية متعددة‏.‏ ولذلك‏,‏ وخوفا من عدم الاقتناع باكتمال المناهج بدا أن منهجا آخر يحل كل القضايا يمكنه أن يحل هذه القضية هي الأخري وهو إلقاء اللوم علي إسرائيل والولايات المتحدة أو دول خارجية غامضة وكفي‏.‏
والنظرية هنا تقوم علي أن في مصر من القوة الحقيقية أو الكامنة ما يكفي لكي يثير الرعب في قلوب دول عظمي وكبري‏,‏ بحيث إنها تريد إرباك وإشغال مصر بقضية حيوية بحيث لا تتفرغ لبناء قوتها التي يخشي منها‏.‏ وهنا لا توجد حاجة لإثبات مدي ضلوع إسرائيل في تقليب دول النهر علي مصر لكي تضغط عليها وتمنعها من المساندة الكاملة للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المشروعة‏.‏ ومن المدهش أن كثرة ممن يتبنون وجهة النظر هذه ينتمون إلي مدرسة متكاملة تري أن مصر لا تفعل الكثير للقضية الفلسطينية من الأصل‏;‏ ولكن‏,‏ وعلي أي حال‏,‏ متي كان المنطق مستقيما دائما في مصر المحروسة؟
لاحظ هنا أنه أيا كان المنطق المطروح تاريخيا أو قانونيا أو اقتصاديا أو خارجيا فإنه يوجد غياب كامل للطرف الآخر الذي لا يعود له تاريخ أو حجج قانونية أو حتي وجهة نظر في المصالح الاقتصادية المشتركة أو مدي علاقته بالدول الغربية أو الشرقية المختلفة‏.‏ ولا كان معلوما أبدا كيف تطورت هذه الدول في التاريخ المعاصر من الناحية السياسية والاقتصادية والسكانية حتي باتت هويات تظهر أحيانا معادية للمنطق والحق‏,‏ ولا يوجد من ناحيتها مبادرات اقتصادية تذكر أو تقييم للأوضاع الدولية والإقليمية يشكل تحالفاتها العالمية والإقليمية‏.‏ وبصراحة يبدو العالم الذي وضع القانون الدولي الذي نتمسك به‏,‏ وأعطي المنح والمعونات والقروض التي نتمني القيام بها‏,‏ متهما مرة بالتواطؤ في مؤامرة من نوع ما‏,‏ ومرة أخري بيده الحل لأن شرط عدم جواز تقديم الأموال قروضا أو معونات لمشروعات تقام علي نهر النيل‏,‏ أو أي نهر آخر‏,‏ يرتبط بإرادة وأموال هذه الدول‏.‏
ووسط ذلك كله فإن أحدا لم يبادر لكي يقدم تقييما متكاملا لسياستنا الخارجية‏,‏ ويبحث بشجاعة عن أسباب المفاجأة التي جاءت علي رؤوسنا فجأة‏,‏ والتي محورها وجود حالة من عدم التوازن في سياستنا الخارجية لصالح المشرق العربي سرعان ما ظهرت آثارها علي مصالحنا الحيوية في الجنوب حيث وادي النيل كله‏,‏ بل القارة الإفريقية كلها‏.‏ ولم يكن ذلك لغياب في التحذير‏,‏ بل كان لثقة مبالغ فيها بالقدرة علي الحركة بنفس الكفاءة علي محاور متعددة دون حساب لعلاقة القدرات الوطنية بالأهداف التي نسعي إلي تحقيقها‏;‏ وفي أحيان كثيرة كانت لغة القوميين العرب‏,‏ وكوارث المشرق التي لاتنتهي‏,‏ كلها تضغط علي أجهزة صناعة السياسة الخارجية كلها إلي الدرجة التي تجد نفسها تدفع بمواردها المحدودة‏,‏ وكفاءاتها السياسية في اتجاه المشرق‏.‏
وبصراحة فإن الأمر كله يحتاج إلي إعادة تقييم ومراجعة لكل سياساتنا السابقة تجاه مجموعة دول حوض النيل وموقعها من مجمل سياستنا الخارجية‏,‏ لأن الأخطار علي هذه الجبهة تبدأ من حدودنا الجنوبية مباشرة حيث مستقبل السودان‏,‏ ومن بعده تمتد جبهة استراتيجية عريضة ممتدة من حدود تشاد غربا حتي مضيق باب المندب والبحر الأحمر والمحيط الهندي غربا‏,‏ ومن الحدود المصرية السودانية حتي منابع النيل والبحيرات العظمي جنوبا‏.‏
هذه المراجعة تحتاج أفضل العقول وأنضجها‏,‏ سواء تلك التي تزخر بها أجهزة صنع السياسات الخارجية والأمن القومي‏,‏ أو تلك التي توجد في مدرسة الري المصرية أو في مدارس أخري ذات صلة‏,‏ ولا بأس في كل الأوقات من التشاور والبحث مع الحلفاء والأصدقاء لكي نعرف التقييم الحقيقي لما يثار ويطرح مع آخرين من خارجنا‏,‏ لأن كثرة الصياح الداخلي كثيرا ما يعطي نتائج مضللة‏.‏ فخلال الفترة الماضية جري تضليلنا مرتين‏:‏ مرة بأن دول حوض النيل لا تستطيع توقيع اتفاق دون موافقة مصر‏,‏ ومرة بأن الاتحاد الدولي لكرة القدم سوف يحكم لصالحنا في مسألة النزاع مع الجزائر حول ما جري في المباريات التمهيدية لكأس العالم‏.‏ وفي المرتين لم تكن النتيجة مرضية‏,‏ وجري توقيع اتفاق من نوع أو آخر في حالة النيل‏,‏ وتم توقيع العقوبات علينا في حالة كرة القدم‏,‏ وبات علينا أن نبحث الأمر ليس فقط مع الآخرين‏,‏ ولكن مع أنفسنا قبل كل الأطراف الأخري لكي نعرف أسباب ما حدث‏.‏
إن نقطة البداية كما ذكرنا أن نعرف عن الآخرين بعضا من المعلومات الضرورية‏,‏ حيث لا توجد دراية كافية بشأن الأوضاع الداخلية للدول التسع المطلة علي حوض النيل والتي تشهد كلها بمجموعة من الخصائص التي لابد من وضعها في الاعتبار عند رسم إستراتيجية للتعامل ليس فقط مع قضية المياه‏,‏ بل للنظر في شراكة كبري للتقدم والتنمية‏.‏ فالمسألة هي أننا إزاء مجموعة من الدول الفقيرة للغاية‏,‏ التي رغم فقرها الشديد فإنها تواجه زيادة سكانية كبيرة‏,‏ حتي وصل العدد في أثيوبيا أهم دول الحوض ومصدر‏85%‏ من إجمالي المياه القادمة إلي مصر إلي أكثر من‏85‏ مليون نسمة تضعها في المكانة الثانية بعد نيجيريا من حيث عدد السكان في القارة الأفريقية‏.‏ وإذا أضفنا إلي ذلك التغيرات المناخية‏,‏ والنزوح السكاني من مناطق الجفاف التي كانت تعتمد علي المطر إلي المناطق المروية لواجهنا إلحاحا علي فهم جديد للقضية يأخذ احتياجاتنا واحتياجات الآخرين في الحسبان‏.‏
وباختصار هناك ضرورة أن تتبلور رؤية مصرية جديدة إزاء المسألة النيلية‏,‏ بحيث تقوم علي ترسيخ أسس جديدة للعلاقات بين دولتي الممر والمصب‏(‏ مصر والسودان‏)‏ ودول المنبع‏,‏ لا تنحصر في تقسيم المياه‏,‏ بل تشمل مشروعات تنموية أخري من خلال زيادة حجم التجارة والاستثمارات المتبادلة‏,‏ والحرص علي عدم تسييس مسألة المياه‏.‏ بعبارة أخري يجب التأكيد علي عدم اختزال العلاقات مع دول الحوض في قضية تقسيم مياه النهر‏,‏ أو تبني مبدأ المشاركة بدلا من الشراكة في التعامل مع هذه الدول‏,‏ بشكل يقلص من الأهمية والزخم اللذين تحظي بهما العلاقات مع هذه الدول والتي يمكن أن تنتج تداعيات إيجابية عديدة علي المصالح الإستراتيجية والأمن القومي المصري‏.‏
والواقع أن الحجة المصرية ضمن هذا الإطار سوف تكون أقوي مما كانت وهي تصاغ في إطار من المواجهة السياسية أو القانونية‏,‏ أو في مجال المن والمنح والمنع حيث تشير التقديرات إلي أن حوالي‏1650‏ مليار متر مكعب من مياه الأمطار تسقط سنويا علي دول المنبع لا يصل لمصر منها إلا‏55.5‏ مليار متر مكعب فقط‏,‏ وهي الحصة التاريخية التي تحصل عليها مصر منذ عام‏1959,‏ ويزداد التمسك المصري بهذه الحصة مع وجود توقعات بأن مصر ربما تواجه شحا مائيا‏,‏ حيث يعيش معظم سكان مصر علي مياه النيل‏.‏
وفي هذا السياق‏,‏ توقع تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء في أغسطس‏2009,‏ حدوث عجز في الموارد المائية المصرية بحلول عام‏2017,‏ إذ من المرجح أن تصل إجمالي كمية الموارد المائية المتاحة إلي حوالي‏71.4‏ مليار متر مكعب مقابل الاحتياجات المائية التي يصل في العام نفسه إلي‏86.2‏ مليار متر مكعب‏.‏ ورجح التقرير أن يتراجع متوسط نصيب الفرد في مصر من المياه خلال الأعوام المقبلة‏,‏ حيث يصل إلي‏582‏ مترا مكعبا سنويا عام‏2025‏ مقابل‏860‏ مترا مكعبا سنويا عام‏2003‏ و‏1138‏ متر مكعب سنويا عام‏1986,‏ ووفقا للتقرير‏,‏ فإن نهر النيل يمد مصر بحوالي‏55.5‏ مليار متر مكعب بما يمثل حوالي‏86.7%‏ من إجمالي الموارد المائية المتاحة في مصر عام‏2006,‏ ومن المتوقع أن تنخفض مساهمته في إجمالي الموارد المائية المتجددة المتاحة في مصر إلي‏80.5%‏ عام‏2017.‏
وسوف تكون حجة مصر أقوي أمام دول حوض النيل‏,‏ وأمام دول العالم إذا ما أضافت إلي احتياجاتها جهودا جادة من خلال الاستخدام الأفضل والأكثر رشادة لمياه النيل‏,‏ والبحث عن مصادر جديدة للمياه سواء من خلال تكنولوجيا إعادة الاستخدام‏,‏ أو تكنولوجيا تحلية المياه‏.‏ ومثل هذه المهمة مطروحة علي مصر في كل الأحوال‏,‏ وسواء نجحنا في إقناع دول الحوض بحقنا في الحصة المقررة لنا بحكم الاتفاقيات السابقة‏,‏ أو حتي نجحنا في العمل المشترك معها من أجل زيادة حصص جميع دول الحوض من خلال مشروعات مائية مختلفة‏,‏ أو فشلنا في هذا وذاك فإننا نحتاج إلي نظرة فاحصة إلي احتياجاتنا المائية تجمع ما بين إضافة موارد جديدة‏,‏ والحفاظ علي الموارد القائمة والاستخدام الأفضل لها‏.‏ فالثابت أن مصر سوف تظل في حالة من النمو السكاني لفترة طويلة مقبلة‏,‏ كما أن احتياجاتها التنموية المتصاعدة للمياه علي ضوء السعي لتحقيق معدلات مرتفعة للنمو تقطع بأننا نحتاج إلي أكثر مما هو متاح حاليا‏,‏ وهو الذي يجب أن نحافظ عليه ونضيف له أيضا‏.‏
المسألة هكذا معقدة ومتشابكة الحدود والأطراف‏,‏ بعضها يكمن داخلنا‏,‏ وبعضها الآخر في علاقتنا مع دول حوض النيل‏,‏ وبعضها الثالث يوجد مع دول العالم التي لها دخل في كل القضايا العالمية‏,‏ فلا يوجد حل بسيط أو سهل‏,‏ وفي مثل هذه الحالات المركبة لا ينفع مع الموضوع إلا التفكير الهادئ والمتأني والبعيد عن نوبات الحماس التي عندما تخرج عن الحد فإنها كما يقال تقود إلي الضد مما نريد ونرغب‏,‏ مع يقين داخلي بأن لدينا خيارات مؤجلة يجب ألا نشغل أنفسنا بها حاليا في نهاية الأمر‏,‏ مادامت المسألة تتعلق بأمننا القومي‏.‏ وحتي نفلح فيما نحن بصدده فربما يحتاج الأمر إلي حشد للجهود تقوده لجنة رئاسية نافذة علي القدرات والموارد البشرية والمادية‏,‏ فقد انتهي وقت التصريحات والتصورات الأكاديمية‏,‏ وجاء وقت عمل الخبراء الذي نرجو ألا ينتظر طويلا‏!!.‏
[email protected]
المزيد من مقالات د.عبد المنعم سعيد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.