نجحت فرنسا في جذب الصين للانضمام إلي القوي الاخري في مؤتمر الحد من الانتشار ونزع السلاح النووي المنعقد في نيويورك, الذي يهدف إلي الحد من طموحات إيران النووية. والدعوة من أجل أن تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من السلاح النووي وكان الثمن الذي دفعه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي هو التراجع عن مواقفه السابقة من الصين, وتجاهل مطالبتها بدعم حقوق الإنسان في إقليم التبت, بعد ان أدرك أنه لايستطيع تحدي دولة عملاقة مثل الصين بكل ماتعكسه من قوة استراتيجية وعسكرية وسياسية واقتصادية, ليس فقط في آسيا ولكن في العالم كله, ولايستطيع ان يخاطر بان يخسر دعمها للسياسات الغربية في الساحة العالمية ويضر علاقات فرنسا الاقتصادية بسوق ضخمة مثل السوق الصينية. فقد حاول الرئيس ساركوزي ان يتحدي الصين وان يلعب معها لعبة القوة فدعا في عام2008 الي الاعتراف بحقوق الإنسان في إقليم التبت, والتقي في باريس مع زعيم الهضبة الروحي الدلاي لاما, فكان منه ان أصاب في مقتل علاقات قوية بين دولتين استمرت اكثر من40 عاما. فمنذ الستينات من القرن الماضي, ادرك الرئيس شارل ديجول الرئيس الفرنسي في ذلك الوقت أهمية ألا يكون هناك قوة عالمية لاتستطيع فرنسا ان تقيم معها علاقات دبلوماسية مباشرة. وقام ديجول بتتويج تلك السياسة الاستقلالية بالاعتراف بالصين في يناير عام1964 ليكون اول زعيم دولة كبري غربية يعترف بجمهورية الصين الشعبية, لذلك كان لهذا الإعلان وقع الصدمة لانه اعتبر انفصال فرنسا عن التحالف الغربي, خاصة انه تم بدون استشارة امريكا, كما تم في وقت كانت الصين في حرب غير مباشرة مع الولاياتالمتحدة في عدة مناطق. وأوضح ديجول في مؤتمر صحفي موقع الصين الخاص والاستراتيجي بقوله لايمكن ان يكون في آسيا واقع سياسي لايؤثر في, ولايعني الصين وان كان الإعلان بدا بمثابة تحد لكل من واشنطن وموسكو إلا أنه في مضمونه كان خطوة عملاقة للزعيم الفرنسي, تنم عن رؤية عميقة طويلة المدي ولكن ساركوزي قرر في عام2008 أن حقوق الإنسان في التبت أهم في السياسة الخارجية الفرنسية عن تنمية علاقات بلاده مع قوة عظمي تزحف بخطوات وئيدة وواثقة وقوية الي الساحة الدولية في جميع المجالات. وكان رد فعل الصين فوريا ومباشرا وقويا في ذلك الوقت فقد قامت بكين بخفض مستوي العلاقات التجارية والسياسية مع باريس, وذلك في رسالة اضحة الي العالم كله ان الصين لن تقبل المساومة وانها قادرة علي ممارسة ضغوط فعالة ضد أي قوة أخري. وقام بزيارة الصين الشهر الماضي, رفعها الي مستوي زيارة دولة, وحضر مع زوجته افتتاح الجناح الفرنسي في المعرض الدولي في بكين. وكان علي رأس قائمة المفاوضات مع الصين دعم العلاقات التجارية بين الدولتين, والحصول علي دعم الصين لسياسة الغرب وتكاتفه ضد الطموحات النووية الإيرانية وفرض عقوبات اقتصادية علي إيران, كما تعهد ساركوزي بالعمل مع الصين من أجل بحث الاصلاحات في النظام العالمي المالي حيث تسعي الصين لأن يكون للدول النامية دور ورأي في القضايا المالية العالمية. وقام ساركوزي بتلك المبادرة وعينه اساسا علي رئاسة فرنسا لقمة العشرين الكبار المقبلة حيث من المقرر ان تتم مناقشة مسألة وضع نظام مالي جديد متعدد الأقطاب ورغبته في انجاح القمة من أجل اعطاء دفعة قوية لشعبيته داخليا بعد ان تدهورت كثيرا حسب استطلاعات الرأي الأخيرة. ولكن بالرغم من ان الصين رحبت بالمبادرة الفرنسية, وبرغبة ساركوزي طي صفحة الماضي القريب, إلا أن بكين مازالت علي موقفها من إيران التي تعتبرها شريكا تجاريا مهما ومصدرا اساسيا للبترول, ولن تقوم بتغيير جذري في سياستها تلك علي المدي القصير,وتلك ايضا رسالة موجهة الي الغرب مؤداها ان للصين مصالح خاصة في المناطق المختلفة, ولن تغامر بها,ولكن الرسالة تقول ايضا ان الصين قوة لايمكن تجاهلها, وتجاهل دورها المؤثر علي الساحة الدولية.. فهل هي العودة الي التوازن الدولي مع دخول الصين وعودة روسيا ليقوما بدورهما في الشئون الدولية؟