حاوره: أيمن السيسي: هناك إفراط من الناس في السياسة, فالجميع يتحدث في السياسة, تاركين كل أو أغلب ما يتعلق بالشأن الثقافي تلك كانت جملة من حوار الدكتور أسامة الغزالي رئيس حزب الجبهة الديمقراطية علي الهاتف مع شخص آخر سمعتها أثناء وجودي بمكتبه لإجراء الحوار. وليس من شك فيما أعتقد أن الدكتور الغزالي يمثل صورة من صور النخبة السياسية الحالية في مصر والتي لم تقدم حلولا لمشكلات التنمية الحقيقية بصورة محددة, وإن رأت كما قال الغزالي بما يعبر عن رأي حزب الجبهة أن حجر الزاوية في دعوتهم إلي التنمية الشاملة هو إصلاح النظام السياسي, وأن ذلك هو المدخل الطبيعي والمنطقي لاصلاح جميع أوضاع مصر, وأنه إذا توافر نظام ديمقراطي حقيقي وبقدر معقول من الشفافية والنزاهة فإن ذلك سيكون المدخل للاصلاح الشامل في جميع النواحي. سألته إن كان ذلك شكلا من أشكال التمنيات أكثر منها تصورات واقعية تلمس أرض الواقع وحياة المواطن؟ فقال: لا ليست أحلاما ولكنها رؤية لما يجب أن يكون عليه الواقع إن أردنا تحسينه وتغييره للأفضل بناء علي فكر ليبرالي يمثله حزب الجبهة الذي لايزيد عمره الحقيقي علي عامين, والذي ظهر في الحياة السياسية المصرية كجزء من التطورات والحراك الراهن المتمثل في التفاعلات الهادفة لتغيير الوضع السياسي في مصر والموروث منذ أكثر من خمسين عاما تجاه وضع أكثر ديمقراطية, وبالتالي فالحزب ليس امتدادا لأحزاب أو قوي سياسية قديمة ولكنه استجابة لظروف حديثة. كما أن حزب الجبهة يدور حول الفكرة الليبرالية بجميع أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والتي تعد استمرارا للتراث الليبرالي القديم منذ النهضة الحديثة, ويسعي إلي المواءمة بين القيم الحقيقية إلي الليبرالية, كما ظهرت في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, وبين واقع المجتمع المصري. وبهذا يعتبر مع حزبي الوفد والغد ممثلين للتيار الليبرالي المعاصر. * ولكن لماذا لم نجد ليبرالية مصرية نابعة من معطيات وظروف مجتمعنا المصري ومن حقيقته؟ - الليبرالية في النهاية شأن الاشتراكية والديمقراطية والشيوعية. نشأت في البيئة الأوروبية وانتقلت إلي بلادنا من خلال المبعوثين والدارسين الذين انتقلوا إلي أوروبا ثم عادوا والتفاعل الثقافي الحضاري, وبالتالي تأثرنا بها مثلما تأثرنا بقيم أخري ثم إن التيار الليبرالي في مصر هو الأقدم بعد التيار الإسلامي. *ماهي أولويات الحزب في هذه المرحلة؟ - وفقا لبرنامج الحزب وأنشطته في الفترة القليلة الماضية والمواقف السياسية المعلنة للحزب نضع علي رأس مهامه التحول الديمقراطي الليبرالي في مصر, ونعتقد أن هذا التحول حجر الزاوية للتحول الاجتماعي الثقافي والسياسي الذي تحتاجه مصر. * هل الديمقراطية حاليا هي التغيير؟! - معناها البسيط أن يتمكن الناس أن يحكموا أنفسهم من خلال مؤسسات تعبر حقيقة عنهم علي المستوي المحلي أو القومي وتمكنهم من اختيار الحاكم ومراقبته, وألا يكون الحاكم علي أي من مستويات الحكم مؤبدا إنما يخضع للتغيير والرقابة والمساءلة. *وعلاقة ذلك بالحالة الراهنة؟ - مصر الآن في مرحلة فاصلة عنوانها: من الذي سوف يحكمها مستقبلا. ولأول مرة لا يعرف المصريون رئيسهم القادم.. كما كان أيام الرئيسين عبدالناصر والسادات, أما اليوم فلا يوجد نائب. وبالتالي هناك ترقب وقلق. * ولكن الدستور ينظم سبل انتقال الحكم فلماذا كل هذا القلق؟ القلق من عدم معرفة من سوف يرشحه الحزب الوطني ومن هم مرشحو الأحزاب الأخري, وهل إذا حدث فراغ سياسي في مصر ستحدث قلاقل. أعتقد أنه من الصعب لأي محلل الإجابة عنها وأفضل ما يمكن أن نتصوره هو عدة سيناريوهات. * وما هو أقربها؟ - وفقا لعدم وجود البديل. أن تعود القوات المسلحة لتلعب دورا حيويا في السياسة المصرية إلي أن تكتمل وتنضج القوي الحزبية المصرية لتصبح قادرة علي تقديم مرشحين يستطيعون نيل ثقة الشارع المصري. من الملاحظ أن مصر شهدت خلال الفترة الأخيرة العديد من الحركات والأحزاب الجديدة ومنظمات المجتمع المدني وغيرها تسعي إلي إحداث التغيير الديمقراطي في مصر وتعمل له. وهذه المنظمات تتكاثر ويشتد عودها مع الوقت. * أليس أفضل أن تكون هذه المنظمات هي البديل للرقابة الدولية علي الانتخابات؟ - ليس هناك نظام ديمقراطي حقيقي يخشي من الرقابة الدولية, بل علي العكس الدول الديمقراطية هي التي تدعو الوفود الأجنبية لمشاركتها في العملية الانتخابية؟ * المشاركة هنا تعني المشاهدة والمتابعة الإعلامية وليست المراقبة؟ - ليشاركوا إطلاعا علي العملية الانتخابية للتأكد من النزاهة وهو في نفس دور المراقبة ونحن لا ندعو إلي اختراع العجلة من جديد أو إلي أشياء أكثر مما درجت عليه المجتمعات الديمقراطية في العالم. نحن ندعو إلي أن تكون الانتخابات التشريعية نزيهة100% وإلي احترام حرية الفرد باعتبارها حجر الزاوية لأي تقدم وتطوير السياسات العامة وترشيدها في جميع المجالات؟ * كيف تري انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري الآن؟ - لا أشعر بالارتياح مما يحدث الآن لأن هناك مطالب محددة أعلنتها القوي السياسية المعارضة لضمان الانتخابات النيابية أو الرئاسية سليمة ونزيهة, وفي مقدمة هذه المطالب تعديل بعض مواد الدستور خصوصا المادة76 وإلغاء حالة الطواريء وإقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يضمن استقلالية السلطات ووجود صحافة حرة وإعلام حر ومجتمع مدني مستقر مع تخفيف القبضة الأمنية عن الحياة في مصر؟. * ولكنكم تتناسون تحقق كل ذلك بالفعل فلا الأمن بات كما عهدناه في عصور سابقة ولا الصحافة مقيدة؟؟ - طبعا تشهد مصر الآن درجة من حرية التعبير في الصحافة والإعلام, ولكن ذلك مقصور علي قطاع محدد من الصحافة المستقلة والحزبية, أما القطاع الأكبر من الصحافة فهي خاضعة لسيطرة الدولة, والأمر نفسه ينطبق علي المؤسسات الإعلامية وفي مقدمتها القنوات الفضائية. كما تخضع مؤسسات المجتمع المدني لرقابة بوليسية لا شك فيها ولا يمكن انكارها. * أليس هناك قصور كبير في رؤي الأحزاب والقوي السياسية المعارضة في مصر لكونها تتقوقع علي الذات ولا تعنيها موضوعات قومية مثل مياه النيل والسودان وفلسطين والعراق؟ - كلامك صحيح إلي حد كبير, ولكن حزب الجبهة هو الحزب الوحيد في مصر الذي أجري حوارا مطولا وعميقا وتكررت جلساته مع جميع القوي السياسية في السودان شمالا وجنوبا للإسهام في بلورة موقف مصري واضح إزاء التطورات الخطيرة التي تحدث في السودان, وفعلا عدا ذلك ليس هناك اهتمام بقضايا أخري. * هل تعتقد أن هناك تغييرا سيحدث في مصر؟ - قطعا مصر مقبلة علي فترة يصعب التنبؤ بها, ومن الصعب تصور استمرار الأوضاع علي ما هي عليه, وبعبارة محددة فإن المرحلة المقبلة ستظل علامة استفهام لا يملك أحد حتي الآن إجابة قاطعة بشأنها. وهذا في حد ذاته أمر يوجب القلق والخوف.