لم أستوعب حتي اللحظة مسألة قيام مجموعة من الشباب بتغطية وجه تمثال كوكب الشرق السيدة أم كلثوم في المنصورة بما يشبه البرقع او النقاب.. اذ أن أم كلثوم بالقطع ليست مثارا للفتنة, وإنما كانت الست آية من آيات الحشمة. ولم تتضمن أغنياتها التي شدت بها أي ملمح للابتذال أو لإسقاط علي معني غير أخلاقي. وكانت حفلات كوكب الشرق ساحة أنيقة يلتقي فيها أثرياء المجتمع وأبناء طبقته الوسطي ليستمعوا إلي روائعها في جو مفعم بالرزانة واحترام التقاليد, في حين يتحلق أبناء البلد وبسطاؤه حول أجهزة الراديو منصتين إلي ما تجود به الحنجرة العبقرية الذهبية من إبداعات في مطلع كل شهر. ليست أم كلثوم بيقين من يخجل بعضنا منها, ومن أغنياتها ويسعي إلي درمغة تمثالها مغطيا وجهها ومكلفتا بقطعة من قماش أسود, انتصارا لقيم زائفة يرفعها متدينون مزيفون. ولا أظن أن من قاموا بهذا العمل ينتمون إلي جماعة ذات طابع ديني من المشهورات في المجتمع الآن, وأغلب اعتقادي أن جماعة محدودة من المتطرفين سعت إلي تلك الفعلة بعيدا عن معني الغيرة علي الإسلام, ولكن بحرقة الرغبة المريضة في إخضاع المجتمع.. ومثل ذلك العمل فيه من الزجر المعنوي أكثر مما فيه مضمون أو معني أو رسالة قيمية وتوجيهية, وكل ما فيه هو الرغبة في اجبارنا علي التخلي عن أشيائنا الحميمة والتخلي عما نشأنا وربينا تحت ظلاله الوارفة من قيم وإبداعات نظيفة, والتي وضعت وجداناتنا في مراتب رهيفة سامية تعلو بنا عن غيرنا.. فأراد غيرنا أولئك أن يسقطونا من أعلي لتتساوي الرءوس أولا, ثم يبرزون مكانا ومكانة بعد ذلك, ويردعون ناهين عن ذكر كل ما احببناه, لا بل ويحجبونه وراء لثامات متخلفة خانقة. عبر صوت السيدة أم كلثوم ولست في معرض الدفاع والمرافعة عن ايمانها والتزامها العقائدي والروحي سمعنا الثلاثية المقدسة والقلب يعشق كل جميل, وذلك المقطع الشجي العذب من ألف ليلة وليلة الذي يقول:( الله محبة.. الخير محبة.. النور محبة) وسمعناها ترتل القرآن في الإذاعة, وتنشد المدائح والأذكار القديمة.. ولا أظن أن واحدا من الأولاد الذين ألبسوا تمثالها البرقع قدم للإسلام عشر معشار ما قدمت حين انساب صوتها بتلك المعاني علي امتداد العالم الإسلامي كله. المزيد من أعمدة د. عمرو عبد السميع