أثارت فتوي الدكتور محمود شعبان مدرس البلاغة بجامعة الأزهر, والتي طالبت بقتل المعارضين الذين ينشرون في الأرض الفساد ويحرضون علي تخريب البلاد من أعضاء جبهة الإنقاذ. ردود أفعال غاضبة وعاتية في المؤسسات الدينية ووسائل الإعلام, واذا كان مجمع البحوث الإسلامية ودار الإفتاء ورموز القوي والأحزاب السياسية من مختلف التيارات, استنكرت ما جاء في الفتوي جملة وتفصيلا, فان علماء الدين يؤكدون أن صاحب الفتوي المثيرة للجدل لا تتوافر فيه شروط الاجتهاد في أمور الدين, وان فتواه باطلة, ويحذرون من اتباع تلك الفتاوي المثيرة للجدل, وفي السطور التالية يكشف علماء الدين عن عصمة الدماء في الإسلام, وحق ولي الأمر وحده دون غيره من عامة المسلمين في أمر الإحالة إلي القضاء وإنفاذ القانون والتصدي لحالات الاعتداء وترويع الآمنين. يقول الدكتور محمد سعدي الأستاذ بجامعة الأزهر وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين: أمر الدماء عظيم جدا في الشريعة الإسلامية, ومن القواعد المستقرة عند علمائنا أن الأصل في الأشياء هي الحل, والحرمة عارضة لا تثبت إلا بدليل, عدا الفروج والدماء فإن الأصل فيها الحرمة, والإباحة عارضة لا تثبت إلا بموجب, والحكم علي الناس بالقتل, وإهدار دمائهم, من صلاحيات القضاة فحسب, وهذا واجبهم الذي لا ينازعهم فيه أحد كائنا من كان, وليس من حق أي أحد, أو من حق أنصاف المتعلمين, أو المنتسبين إلي العلم, والذين ينقصهم الفقه في الدين, ليس من صلاحياتهم أن يقيموا أنفسهم قضاة يحكمون علي الناس ويهدرون دمائهم, لأن هذا يلزم منه الفساد والفوضي, ويلزم منه حدوث الثارات والفتن, وفي هذا من المفاسد الكبيرة والأهوال الشديدة ولا توجد فيها أدني مصلحة, وكل الدماء معصومة, والحكم بقتل النفس هو حكم شرعي من أحكام ديننا الحنيف له أسبابه وضوابطه وشروطه وموانعه وآثاره, ولا يصح أبدا مجاوزة الحد فيه, ولا يقوم به إلا القاضي الذي أقامه الحاكم لكي ينظر في القضايا التي تعرض أمامه, والحكم بإهدار الدماء من أخطر الأحكام في الشرع, إذ يترتب علي هذا الحكم الكثير من الأحكام الشرعية, إلا الدماء التي أهدرها أصحابها لجرائم ارتكبوها, فلا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدي ثلاث كما جاء في الصحيحين: عن عبد الله قال قام فينا رسول الله- صلي الله عليه وسلم- فقال: والذي لا إله غيره لا يحل دم رجل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله, إلا ثلاثة نفر: التارك الإسلام المفارق للجماعة أو الجماعة, والثيب الزاني, والنفس بالنفس. واللفظ للإمام مسلم. وجاءت أحوال أخري في الشريعة أوجبت قتل غير هؤلاء الأصناف الثلاثة نذكر منهم علي سبيل المثال الجاسوس الذي يدل العدو علي المسلمين, وأيضا المرجعية في تطبيق هذا الحكم علي الأفراد هو القاضي الذي يجلس علي منصة القضاء, ونصبه الحاكم, وليس هذا الأمر للأفراد أو الجماعات, وإنما هو من عمل الحاكم والذي يقوم به هو القاضي الذي نصبه الحاكم; لأن إقامة الحدود موكولة للحاكم منوطة به لا بغيره, وقد اتفق الفقهاء علي أن الذي يقيم الحد هو الإمام أو نائبه, سواء كان الحد حقا لله تعالي كحد الزنا, أو لآدمي كحد القذف, لأنه يفتقر إلي الاجتهاد, ولا يؤمن فيه الحيف, فوجب أن يفوض إلي الإمام, ولأن النبي صلي الله عليه وسلم كان يقيم الحدود في حياته, وكذا خلفاؤه من بعده, ويقوم نائب الإمام فيه مقامه. ومن الإشكاليات المهمة في هذا الصدد فقه الدليل وتحقيق مناط الدليل, فمعنا دليل قطعي الثبوت, ولكن الفقه هو في كيفية الاستدلال به, وكيفية تكييف النازلة والاستدلال بالدليل الصحيح, والجمع بين النصوص المختلفة والترجيح بينهما, ومعرفة الناسخ والمنسوخ, والمطلق والمقيد, والخاص والعام, والتفرقة بين الأحوال والأشخاص, والتفرقة بين الأزمنة والأمكنة, وقاعدة وجوب الجمع بين الأدلة يتحقق بها سد ذريعة فساد كبير وشر مستطير. وسد الذرائع وإن كان ما يقوله يعتقد الآخر أنه خطأ في الفكر فإن الكلمة ترد بالكلمة والمقال يرد عليه بمقال, والخطبة يرد عليها بخطبة, والحلقة التليفزيونية يرد عليها بمثلها, وإن كان ما يقوله نابعا عن هوي, أو فكر خاص به, فإنه يرد عليه بما يدفع كلامه ويبطله ويدمغه, ولا يصار إلي سلاح أو إلي إزهاق دماء معصومة; لأنه كما قال صلي الله عليه وسلم ورواه البخاري في صحيحه من حديث ابن عمر: لن يزال المؤمن في فسحة من دينه, ما لم يصب دما حراما, أما إذا خرج أحدهم ورفع السلاح وقاتل فإن القوانين في جميع بلاد العالم قد نظمت طريقة التعامل معه, وكيفية دفعه; لأنه في هذه الحال يعد مجرما خارجا عن القانون, وليس مواطنا صالحا يتمتع بحقوق المواطن, والأمر في هذا يعود إلي السلطات المختصة لا إلي عامة الأفراد. وإذا نظرنا إلي المعارضين نجدهم أنهم انقسموا قسمين, قسم يعارض معارضة سلمية وهذا- فقها وقانونا- لا يتعرض له بما يؤذيه, وعليه أن يلتزم القوانين المنظمة للعمل السياسي, فهو مواطن له حقوق المواطن كافة وعليه واجبات المواطن, وعلي الدولة أن تقوم بدورها حياله, فتوفر له الحماية المطلوبة والأمن المنشود; لأن الأمن حق شخصي لكل إنسان, وتلتزم به الدولة تجاه رعاياها.القسم الثاني هو من يحمل السلاح ويروع الآمنين ويقطع الطرق, ويعيث في الأرض فسادا, فهذا لا يسمي معارضا إنما الاسم الأليق به والأنسب إلي حاله أن يسمي بلطجيا, وينطبق عليه العقوبات التي قررها القانون, وقد حرص المشرع المصري علي تجريم البلطجة بموجب القانون رقم6 لسنة1998م, حيث أضاف بابا جديدا( هو الباب السادس عشر) وعنوانه: الترويع والتخويف( البلطجة), وجاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون رقم6 لسنة1998م:( قانون العقوبات قد اشتمل علي نصوص تؤثم بعض الجرائم التي يكون استخدام القوة أو العنف أو التهديد أحد أركانها أو ملحوظا في ارتكابها, إلا أنها لم تعد كافية في حد ذاتها للحد من هذه الظاهرة; إذ هي نصوص مقصورة علي أنواع معينة من الجرائم من جهة, ولا تفرض لها العقوبات المناسبة لمواجهة الخطورة الكامنة في مرتكبيها وردعهم من جهة أخري, فضلا عن أن تصاعد هذه الظاهرة هو أمر طارئ وغريب علي هذا المجتمع المسالم الآمن). والحكم علي الناس بالقتل, وإهدار دمائهم, من صلاحيات القضاة فحسب, وهذا واجبهم الذي لا ينازعهم فيه أحد كائنا من كان, وليس من حق أي أحد, أو من حق أنصاف المتعلمين, أو المنتسبين إلي العلم, والذين ينقصهم الفقه في الدين, ليس من صلاحياتهم أن يقيموا أنفسهم قضاة يحكمون علي الناس ويهدرون دماءهم; لأن هذا يلزم منه الفساد والفوضي, ويلزم منه حدوث الثارات والفتن, وفي هذا من المفاسد الكبيرة والأهوال الشديدة ولا توجد فيها أدني مصلحة. أما الدكتور أحمد عرفات القاضي أستاذ ورئيس قسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة الفيوم فيقول: صاحب فتوي قتل المعارضين, رغم أنه مدرس بجامعة الأزهر, لكنه ليس متخصصا في العلوم الشرعية, ويجب تحويله للتحقيق من قبل جامعة الأزهر للقضاء علي هذه الظاهرة التي أخشي أن تكون سببا في تفشي العنف, كما يجب قصر صعود المنابر للمتخصصين من رجال الأزهر في العلوم الشرعية حتي لا تكون سببا في ظهور فوضي الفتاوي الشاذة التي بدأت تنتشر الآن في المجتمع بلا ضابط ولا رابط, كما يجب تقييد الفتوي بمصادرها الشرعية وأهل الخبرة والثقة.