طرح العديد من الأطراف الفاعلة والمؤثرة علي الساحة المصرية خلال الأيام القليلة الماضية, ومنذ دعوة مؤسسة الرئاسة الأخيرة للحوار, عددا من المبادرات المهم, والتي حظيت بدرجة أو أخري من القبول لدي الكثير من أطياف المعادلة السياسية المصرية الراهنة, وذلك بهدف الخروج بالبلاد من المأزق الراهن الذي تواجهه, ومن المهم ما تضمنته كافة هذه المبادرات من إجماع علي رفض العنف ونبذه وعدم توفير غطاء له مع التأكيد في الوقت ذاته علي حق التظاهر السلمي, وضرورة حمايته وتوفير الضمانات له, وكذلك الاتفاق علي الحوار الجاد والممنهج فيما بين كافة الأطراف كسبيل وحيد للخروج من المأزق الراهن, ولكن هناك أربعة أمور أخري نراها هامة إما سكتت عنها هذه المبادرات أو لم تولها الأهمية الواجبة, ربما باعتبارها من الافتراضات المسلم بها والمتفق عليها, ولكن الواقع أنه من الهام إبرازها بشكل صريح وواضح لا لبس فيه نظرا لأهميتهما القصوي قي سياق ما تسعي لتحقيقه هذه المبادرات. أما الأمر الأول فهو أننا اعتدنا في مصر كثيرا الحديث عن مفهوم الوحدة الوطنية باعتباره مقصورا فقط علي الوحدة بين المسلمين والأقباط, أي التركيز علي بعد التباين الديني دون غيره, ولكن الواقع أن هذا المفهوم أوسع من ذلك بكثير, فهو يعني أيضا الوحدة الوطنية بين مختلف الطوائف الاجتماعية والطبقات والشرائح الاقتصادية وكافة الفئات ذات الخلفيات التعليمية المتنوعة والمختلفة, ولكن أيضا التيارات الفكرية والأيديولوجية المتباينة, وبالضرورة القوي السياسية المتعددة أيا كانت مرجعياتها أو مبادئها أو أهدافها ما دامت تنتمي لهذا الوطن وغايتها تحقيق مصالحه وأمنه وعزته وسيادة العدل فيه وحرية أبنائه وتقدمهم. أما الأمر الثاني, والمتصل بالأمر الأول والمترتب عليه في الوقت ذاته, فهو أن علي كل الفصائل الفكرية والسياسية في هذا الوطن وأتباعها وأنصارها إدراك أنه بقدر ما هم جزء أصيل من نسيج هذا الوطن فأصحاب التيارات الأخري أيضا وأتباعهم هم علي ذات المستوي وفي نفس المكانة ولهم نفس الحقوق ومتساوون معهم في المواطنة بغض النظر عن المعتقد أو الجنس أو اللون أو الانتماء السياسي أو الفكري أو الجغرافي أو التوجه الاقتصادي والاجتماعي, فأحد لن يقوي علي نفي وجود الآخر أو يلغيه من المعادلة بل يجب علي الجميع أن يتعلم أن يتعايش مع الآخر الشريك في الوطن الواحد ويتوصل إلي وسائل للتواصل معه والحوار معه, لأن الجميع هنا ليبقوا وليس ثمة وطن آخر لأحد منهم. أما الأمر الثالث فهو أن هناك ضرورة للتوصل إلي قناعة مشتركة لدي كافة الفصائل الفكرية والسياسية والاجتماعية أيا كان حجمها أو تأثيرها أو تاريخها مفادها أن المأزق الراهن الذي يواجهه الوطن أكبر من قدرات وطاقات وإمكانيات أي فصيل بمفرده, وأن هناك حاجة ملحة وعاجلة للحوار والتشاور والتعاون للخروج من هذا المأزق والتعرف علي سبل ذلك, ومن الممكن أن ترتكز هذه القناعة علي قاعدة قناعة أخري أكثر اتساعا وعمومية, والتي تعبر عنها كافة الفصائل, علي الأقل كما يبدو في خطابها السياسي والإعلامي, بأن مصر أكبر من أي فصيل واحد مهما كان وزنه أو ثقله. والأمر الرابع والأخير فهو أن هناك حاجة حقيقية وملحة لمراجعة كل طرف للغة الخطاب السياسي والإعلامي الخاصة به بهدف تنقيتها من الشوائب التي علقت بها, خاصة بعض المفردات التي لا يليق استخدامها في التعامل مع آخرين من أبناء نفس الوطن حتي ولو كانوا مختلفين في المعتقد أو الفكر أو التوجه السياسي, وتزداد أهمية هذا الأمر إذا ما أدركنا مدي أهمية الدور الذي تلعبه النخب السياسية باعتبارها القدوة للأنصار والأتباع والجماهير, بل وللمواطن العادي بكل تأكيد, باعتبار هذه النخبة يفترض أنها النموذج والمثال. فاتهامات التكفير والتخوين لا تجوز ولا يصح أن تقال عن الآخر الشريك في الوطن الواحد مهما كانت درجة الاختلاف أو الخلاف أو حتي الخصومة الفكرية أو السياسية. إن هذه الأمور الأربعة وغيرها مما لم أتعرض له في هذا المقال هي أمور إضافية مقترحة لتعزيز المشترك في المبادرات المطروحة ولزيادة نطاق شمولها وتعميق صلابة طرحها, ولكنها لا تقلل علي الإطلاق ولا تنتقص بالتأكيد من القيمة الرفيعة لما تضمنته هذه المبادرات من عناصر إيجابية حدث التوافق علي العديد منها بالفعل بين قوي فكرية وسياسية متباينة التوجهات والأصول والمرجعيات, وأذكر هنا علي وجه الخصوص وثيقة الأزهر الشريف التوافقية الأخيرة, كما حدث في وثائقه السابقة التي صدرت منذ ثورة25 يناير2011 والتي لا تقل أهمية أو إيجابية أو دلالة عن الوثيقة الأخيرة, كما أن مبادرتي حزب النور وحزب مصر القوية لعبتا بلا شك دورا إيجابيا في جهود كسر حالة الاستقطاب التي كانت تعاني منها النخبة السياسية والمجتمع علي حد سواء, خاصة في الفترة الأخيرة, وهو ما يصب في نهاية المطاف لصالح الوطن والدولة والمجتمع ككل, ولإعادة تأكيد أن الشعب المصري نسيج واحد لا يتجزأ مهما كانت الاختلافات أو التباينات, وأيا كان المدي الذي تصل إليه الخلافات. المزيد من مقالات د.وليد محمود عبد الناصر