قدر لي أن اقترب من الحوار الوطني سواء من خلال حضور جلساته المنعقدة في الاتحادية أو الحوار مع بعض قيادات جبهة الإنقاذ الوطني. في إطار اللجنة الثلاثية التي رافقت خلالها الاستاذين إبراهيم المعلم ومحمد أنور السادات لإقناعهما بالمشاركة في الحوار. بصرف النظر عن الاتصالات وطبيعة النقاشات التي دارت, التي لست مخولا بالإفصاح عنها, فانني اعتقد أنه لا يزال هناك باب موارب يسمح بطرح مبادرات لإنهاء حالة الاستقطاب, والتباعد السياسي القائم بين الجانبين: الداعون والمشاركون في الحوار الوطني بالاتحادية, والممتنعون عن المشاركة فيه. وقد رأيت أن أكون أحد المبادرين في هذا المجال آملا في أن تكون هناك مبادرات أخري لتجاوز الحالة الراهنة من الجفاء السياسي إن صح التعبير. مبعث هذه المبادرة أمران: الأول أنني مشارك في الحوار الوطني راغبا في اتساعه ومترجيا جدواه, والثاني إنني أقرب فكريا إلي المطالب التي تدعو إلي تعديل بعض مواد الدستور, ورفض انفراد فصيل سياسي واحد أيا كان بتقرير مصير الوطن ككل, وأري أن هذه القضايا وغيرها تحتاج إلي حوار جاد صريح, لا مفر منه حتي نتجنب السيناريوهات الأسوأ. العنوان الرئيسي الذي يمكن أن يلخص المشهد برمته هو ضعف الثقة. هناك شكوك من جانب جبهة الإنقاذ في جدوي الحوار, وفاعليته, ومدي الالتزام بنتائجه. وهناك شعور من جانب المشاركين في الحوار, والراعين له بأن دعوتهم المستمرة للقوي الرافضة ترتطم برفض غير مبرر. من هنا يحتاج تفعيل الحوار أولا إلي استعادة الثقة. تشمل المبادرة ست نقاط. أولا: اعتراف متبادل بشرعية الحكم والمعارضة علي السواء. لا مجال لتغيير حكم منتخب إلا بصندوق الانتخاب, ولا مجال أيضا لتخوين أو تكفير معارضة. اللافت أن كلا الطرفين يتفق علي ذلك: المعارضون يقولون لا نسعي لإسقاط رئيس منتخب فقط نعارضه, ودعاة الحوار الوطني يقولون المعارضة طرف رئيسي في المعادلة, لكن في تقديري أن الجانبين بداخلهما هواجس لن تمحوها سوي المصارحة التي ينبغي أن تسبق أي مصالحة حقيقية. ثانيا: التخلص من مشاعر الفوز المنقوص والهزيمة غير المكتملة. نتائج الاستفتاء خرجت بفائز ومهزوم في صناديق الاقتراع. لكن لا الفائز فاز, ولا المهزوم هزم, وكلاهما يواجه موقفا صعبا. الداعون إلي التصويت ب نعم, استطاعوا تمرير الدستور ولكن في أجواء استثنائية أدت إلي مناخ سياسي يعاني من استقطاب, ونظرات غير صافية دوليا ووضع اقتصادي مأزوم. أما الداعون إلي التصويت ب لا فلم يتمكنوا من إسقاط مشروع الدستور. حشدوا ضده نحو ثلث الناخبين, لكنهم رغم ذلك يواجهون تحدي العمل وفق قواعد اللعبة التي تشكلت خلال الأسبوعين الماضيين وسط خفوت نسبي في الزخم الشعبي المعارض. ثالثا: وضع تصور واضح للتعامل مع مواد الدستور محل الخلاف التي يراد تعديلها. يعني ذلك تحديد إطار زمني لجمع المقترحات, وتبويبها, وعرضها للنقاش والحوار في مدي زمني معقول يحدد مسبقا, ثم تعلن علي الرأي العام نتيجة الحوار مع التزام رئاسي إلي جوار التزام القوي السياسية بأن تأخذ المواد المتفق علي تعديلها مسارها في مجلس النواب القادم. ينبغي أن يعي الطرفان أهمية ذلك عمليا, وليس نظريا, فمن ناحية يقتنع مؤيدو الدستور بأهمية تعديل مواد علي خلاف رغبتهم, ومن ناحية أخري يعي معارضو الدستور أنه ليس في الإمكان سوي تعديل عدد محدد يتفق عليه من مواد الدستور, أي باختصار رفع مستوي التنازلات المتبادلة, وتخفيض مستوي التوقعات المرتفعة. رابعا: صدور قانون انتخاب متوازن لا يجور علي فرص الأحزاب الصغيرة في الفوز لصالح الأحزاب الكبيرة مهما تكن المبررات, ويحقق الشفافية والنزاهة الانتخابية, ويضمن رقابة علي العملية الانتخابية بمختلف مراحلها: الترشيح, الحملات الانتخابية, الفرز, إعلان النتائج, فضلا عن رعاية فئات أقل تمثيلا مثل المرأة والأقباط والشباب. إذا لم يأت قانون الانتخاب متوازنا فقد يشكل في ذاته عاملا للاحتقان, ويمهد السبيل أمام انتخابات برلمانية تعيد أجواء الاستقطاب التي شاهدناها في الاستفتاء علي الدستور. خامسا: إدارة حوار صريح حول دور مجلس الشوري في المرحلة المقبلة من خلال الاتفاق علي أجندة تشريعية تلبي الاحتياجات الأساسية, ولا تتوسع في طرح مشروعات قوانين علي نحو يقلق بعض القوي السياسية من احتمال استغلال الأشهر التي خول فيها مجلس الشوري صلاحيات تشريعية لإنتاج قوانين لم تحظ بحوار مجتمعي وتخدم تمكين التيار الإسلامي من مفاصل الدولة, وينشغل الرأي العام هذه الأيام بعناوين لهذه التشريعات المقترحة مثل تنظيم حق التظاهر, وتنظيم الإعلام, الخ. لا نعرف إذا كانت هناك جدية في طرحها, ولكن ينبغي أن نؤكد صراحة أنها قضايا شائكة تحتاج إلي نقاش معمق في بيئة مستقرة سياسيا, مما يتطلب تأجيل عرضهاإذا كانت هناك ضرورة أصلا لها- لتكون علي أجندة مجلس النواب بعد انتخابه. سادسا: التوسع في الحوار الوطني حول قضايا تتجاوز الاستقطاب السياسي وفي مقدمتها رفض العنف أيا كانت صوره ومصادره, دولة المؤسسات والقانون, الوضع الاقتصادي الذي يشغل أو ينبغي أن يشغل اهتمام كل القوي السياسية باختلاف ألوانها أو مواقفها. الرئاسة تعلن دائما أن الحوار بلا سقف, وأجندته متسعة لتشمل ما يروق للقوي السياسية طرحه, والقوي الرافضة للحوار الوطني دائما تميل في حديثها للأجندة المتسعة التي تشمل القضايا التي تتعلق بطبيعة الحكم, والعلاقة مع المعارضة, وقواعد العمل السياسي. يعني ذلك إمكانية الالتقاء في منطقة وسط. ختاما الوضع ليس استقطابيا بين فريقين, لأن هناك ألوانا متباينة في كل منهما. الجالسون علي طاولة الحوار متنوعون, من بينهم من صوت بالرفض علي الدستور, ويختلف مع الإخوان المسلمين والسلفيين. وغير المشاركين في الحوار بينهم أيضا وجهات نظر متعددة بشأن كيفية التعامل مع استحقاقات المرحلة الراهنة. في النهاية لا مفر من الحوار. قد يكون بعض من النقاط التي ذكرتها بدأ العمل به, لكني قصدت أن أطرح الرؤية كاملة, وأعتقد أن الجالسين علي طاولة الحوار الوطني في الاتحادية والممتنعين عن المشاركة فيه يتفقون علي غالبيته, إن لم يكن كل ما ذكرت, وتظل هناك حاجة إلي الإرادة. المزيد من مقالات د. سامح فوزى