قرأت مجموعة كتب صدرت في أمريكا وأوروبا تناولت تاريخ عدد من الأدوية التي مازال بعضها يستخدم علي نطاق واسع في جميع دول العالم. وأشارت هذه الكتب الي ان قدماء المصريين كانوا من رواد الطب والصيدلة, فهم من أوائل من استخدم النباتات في علاج الأمراض, ومن المعروف تاريخيا أن الاسبرين تمتد جذوره الي عصر الفراعنة الذين كانوا أول من اكتشف تأثير أوراق شجرة الصفصاف في تسكين الآلام وعلاج الحمي والأمراض الروماتيزمية, وذلك طبقا لما جاء في البرديات التي اكتشفها العالم الألماني جورج إبرس في الأقصر عام1862 م ويرجع تاريخها الي1550 ق. م. واستخدمت أوراق الصفصاف بعد الفراعنة في العصرين اليوناني والروماني والعصور الوسطي في علاج الأمراض المذكورة, وفي عام1897 م نجح العالم الألماني هوفمان في تخليق الأسبرين كيميائيا من مركب كيميائي تم فصله من شجرة ألمانية تشبه شجرة الصفصاف المصرية من حيث عناصر أوراقها الفعالة وتأثيراتها الطبية, وفي عام1899 طرح الأسبرين في أسواق الدواء, حيث استخدم في علاج الألم والحمي والصداع والأمراض الروماتيزمية, كما استعمل في الوقاية من جلطات القلب والمخ, وكان الاسبرين سببا في انقاذ حياة تشرشل رئيس وزراء بريطانيا الذي اصيب بمرض كاد يعرضه للسكتة الدماغية لولا استعماله للاسبرين. ولقد اكتشف قدماء المصريين أثر الثوم في علاج الصداع وأمراض القلب والأورام, وتفيد المراجع العلمية ان العمال الذين بنوا الأهرام كانوا يتناولون الثوم يوميا ليمدهم بالقوة والنشاط ويجعلهم يتحملون مشاق العمل, وحديثا بينت البحوث أن الثوم وعناصره الفعالة تساعد في تقوية مفعول الأدوية المستخدمة في علاج ضغط الدم المرتفع والأدوية المعالجة لارتفاع مستوي الكوليسترول في الدم, والوقاية من جلطات الشريان التاجي في القلب وجلطات شرايين المخ, كما أوضحت البحوث أن الثوم ينشط مناعة الجسم ضد الميكروبات ويساعد في تأخير الشيخوخة وتنشيط الذاكرة. وتشير المراجع العلمية الي أن الفراعنة كانوا يستخدمون الأفيون في تسكين الآلام, وفي العصر الحديث استخدمت خلاصة الأفيون لذات الغرض, وفي عام1806 م تم فصل مادة فعالة من الأفيون وهي المورفين الذي يستخدم حتي الآن في جميع أنحاء العالم لعلاج الآلام الشديدة, مثل آلام السرطان وآلام الأمراض المزمنة, كما يستخدم جراحيا قبل اجراء العمليات وبعدها, ولقد تم فصل عناصر أخري من الأفيون أهمها الكودايين المستخدم في علاج الألم والصداع والسعال, وبعد اكتشاف التركيب الكيميائي للمورفين اشتقت منه عدة مركبات استخدمت في علاج الألم وتميزت عن المورفين من حيث قلة أعراضها الجانبية وقلة قابليتها لإحداث الادمان. تذكرت هذه الحقائق عن مصر الفرعونية بعدما قرأت تحقيق الأهرام الذي تناول الخطبة التي ألقاها الداعية السعودي د. محمد العريفي في مسجد عمرو بن العاص بالقاهرة, وقال فيها إن فضل مصر علي العالم لا ينكره أحد وأنها مصنع الرجال وبلد الغوث والموهوبين, وهي مهيأة للريادة في العالم, وهي أرض العلماء والأنبياء, ولقد ذكرها الله سبحانه وتعالي في القرآن الكريم, وأمر نبي الله صلي الله عليه وسلم بالإحسان الي أهلها, كما قال إن مصر تمتلك الكثير من المميزات التي تجعلها تتفوق علي كثير من الدول بأرضها الخصبة وعقولها المبدعة وعمالتها المتقنة. وفي رأيي أن في وسعنا استثمار تراث أجدادنا القدماء في جميع مجالات الحياة, كما نستطيع أن نشيد حضارة جديدة تقوم علي التراث والعلم والتكنولوجيا الحديثة, وأقول إذا كانت شمس مصر قد أشرقت علي دول العالم منذ آلاف السنين واسهمت في بزوغ حضارتها ونهضتها وارتقائها, وإذا كانت مصر الحديثة قد انجبت العقول التي أبدعت في العلوم والفنون والآداب, وكان من أبنائها من نال جوائز نوبل في السلام والآداب والعلوم.. أقول إذا كان هذا ماضي مصر وحاضرها فإنه يدعونا الي التفاؤل بمستقبل باهر يصنعه أبناؤها المخلصون الذين يتفانون في بنائها ودرء الأذي عنها واستعادة أمجادها التي يتحاكي بها معظم دول العالم, وأدعو قراء بريد الأهرام أن يقدموا ما لديهم من معلومات عن العلوم والمهارات التي برع فيها الفراعنة وانعكست أثارها علي الحضارات الحديثة. د. عز الدين الدنشاري