ربما تعتقد أن من اخترع الأسبرين عبقري؛ ولكن البشر هم من جعلوا من هذا الدواء معجزةً من الطبيعة، فإذا كنت ممن يتناولون أقراص الأسبرين، فبذلك تكون حصلت على مسكن للآلام وواقٍ من التعرض للأزمات القلبية ومانع للسرطان.. كل ذلك في قرص واحد فقط. والأسبرين يستخدمه البشر منذ آلاف السنين؛ حتى قبل أن تتواجد التجارب العملية أو حتى المعرفة بالأدوية؛ ولكن ازدادت أهمية ذلك العقار مؤخراً؛ بسبب إحدى الدراسات الأمريكية نشرت في مجلة Lancet، وذكر فيها أن تناول الأسبرين يومياً على مدار 20 عاماً يقلل خطر الإصابة بمرض السرطان على الأقل بنسبة 20%؛ وذلك نتاج التجربة على 25.000 مريض؛ وبناءً على النتائج التي أظهرت فائدة الأسبرين فى التقليل من خطر الإصابة بسرطان القولون والمستقيم، إذا ما أثبت العقار فاعليته مع تكرار تناوله؛ الأمر الذى يمكننا وقتها أن نطلق عليه "معجزة". ولكن ما تاريخ هذا الدواء؟ كلمة أسبرين لم تأت عن طريق الصدفة، فأصل الكلمة مشتق من كلمة Spiraea (سبيرايا)، وهي فصيلة من الشجيرات، تحتوى نفس المواد الطبيعية المُصنّع منها الأسبرين، الذى يتكون من "حمض الساليسيليك"، وهذا الحمض يُشبه الأسبرين الموجود حالياً، ويتواجد أيضاً في الياسمين والفول والبازلاء والبرسيم وبعض الأشجار والحشائش. والجدير بالذكر أن قدماء المصريين قد استخدموا اللحاء المتواجد في شجر الصفصاف؛ لعلاج الآلام والأوجاع التي كانوا يواجهونها قديماً؛ دون أن يعرفوا أن هذا اللحاء يساعد على تخفيف الحرارة والالتهابات أيضاً آنذاك. ثم أتت كتب أبقراط، الطبيب اليوناني، على ذكر تلك المادة، وقالت إن أوراق الصفصاف يمكنها تخفيف الآلام والحمى. وفي القرن 18 أعاد رجل دين يدعى إدوارد ستون اكتشاف الأسبرين، حينما قام بإعداد خلطة من لحاء الصفاف ساعدت على شفاء 50 مريضاً عانوا من أمراض البرد وغيرها. وفي بدايات عام 1800، اكتشف الباحثون في جميع أنحاء أوروبا حمض الصفصاف، وتمكن الصيدلي الفرنسي هنري ليرو من عزل مكوناته في عام 1829؛ بينما اكتشف هيرمان كولبي حمض الصفصاف الاصطناعي في عام 1874. أما الأسبرين الذي نعرفه اليوم، فقد خرج إلى حيز الوجود في أواخر عام 1890 في شكله الحالي، عندما استخدمه الكيميائي فيلكس هوفمان -الذي كان يعمل لدى شركة الأدوية "باير" الألمانية الغنية عن التعريف- لتخفيف آلام الروماتيزم عن والده. وابتداءً من عام 1899، بدأ توزيع مادة على شكل بودرة لهذا العنصر إلى الأطباء لإعطائها للمرضى، وأصبح هذا العقار حديث الساعة، إلى أن بدأ بيعه على شكل أقراص دون وصفة طبية في عام 1915. وبدأ الأمر يتطور ليصبح الأسبرين عقاراً لمرضى القلب؛ حيث أثبتت التجارب العلمية بمدينة كاليفورنيا أن تناول مريض القلب قرصاً واحداً يومياً يُقلل من خطر الإصابة بالأزمات القلبية. وفي عام 1974 استخدم عقار الأسبرين بجرعات كبيرة، تسببت في إصابة العديد من المرضى بالغثيان والقيء، وفي حالات أخرى أدى إلى دخول المرضى في غيبوبة، مما استدعى إلى التقليل من جرعات الحمض داخل العقار، وازداد الأمر سوءاً حينما مات أحد المرضي، بعد تناوله للعقار لفترة طويلة؛ نتيجة إصابته بسيولة الدم. ومع تطور استخدام الأسبرين مُنحت جائز نوبل للطب عام 1982 للأطباء الذين قاموا بالكشف عن العقار، الذي يساعد على التقليل من إنتاج الهرمون المسبب في تكوين الجلطات التي تسبب الأزمات القلب عند الرجال في عمر (49-79عاماً)، والسكتات الدماغية لدى النساء في عمر (55-79 عاماً)؛ ولكن لا يُنصح به فى حالات السيولة. ومع هذا لا ينصح بتناول الأسبرين دون استشارة طبيب مختص؛ لأن العديد من الأبحاث أظهرت أن تناول الأسبرين مع بعض المأكولات كالثوم والسمك المقلي بالزيت، قد يؤدي إلى سيولة بالدم، وفي حالات نادرة حينما يتناوله الأطفال فوق سن العامين، قد يؤدى إلى الإصابة بReye's Syndrome أو (متلازمة راي)، وهي مرض عصبي حاد يتطور بشكل أساسي عند الأطفال بعد الإصابة بالإنفلونزا، الجدري أو أي عدوى فيروسية أخرى, ويمكن أن يؤدي إلى تجمع الدهون في الكبد وورم في الدماغ؛ وذلك نتيجة استخدام الأسبرين دون استشارة الطبيب. وبالرغم من كل تلك المخاطر التي قد يسببها الأسبرين؛ فإنه لا يزال العقار الأفضل نحو الوقاية من بعض الأمراض؛ الأمر الذي يجعلنا نؤمن بأنه معجزة من الطبيعة وليس اختراعاً عبقرياً.