المشهد في مدينة السويس حزين وغريب علي أهلها الأبطال الذين ساد وجوههم العبوس.. والشوارع الرئيسية والكورنيش سادها الهدوء.. أما الأسواق والمال والمحال التجارية, فقد انصرف عنها الكثير من المواطنين بعد أن ارتفعت الأسعار. في جولة الأهرام بمدينة السويس نهار أمس, سجلنا ملاحظاتنا في فترة ما بعد السادسة صباحا. قبل أن نصل إلي السويس كانت أخبار الدعوات لاستمرار المظاهرات والاعتصامات تطاردنا في مذياع السيارة في أثناء توجهنا إلي مدينة السويس.. السائق اضطر إلي التقليل من سرعة السيارة بسبب الازدحام الكبير لجميع أنواع السيارات في مدخل السويس, المدينة الباسلة.. أم الشهداء والفدائيين, التي امتلأت شوارعها بصناديق القمامة وقد فاضت علي جوانبها محدثة أكواما أزكمت روائحها الكريهة أنوفنا وأنوف عدد من الشباب العاطل عن العمل, والذين أعلنوا إنشاء جبهة شباب بلا عمل, برغم وجود عشرات الشركات والمصانع الكبري المكتظة بالآلاف من الشباب من محافظات أخري. توقفت سيارتنا عدة مرات بفعل الزحام وبطء الحركة عند منطقة الزيتيات التي كانت تحرسها مجنزرتان تابعتان للقوات المسلحة رفعت فوقهما رايات حمراء كالمرفوعة فوق عدد من سيارات الجيش, وتعني حالة الاستعداد القصوي, وعليها عدد من الجنود البواسل في انتباه واضح. وخلال جولة تحقيقات الأهرام بأحد الأسواق الشعبية بالسويس, كان العبوس باديا علي المواطنين والبائعين علي حد سواء, فالأسعار تضاعفت أيضا حتي في أبسط السلع.. مثل البصل الذي ارتفع إلي5 جنيهات, بزيادة جنيهين عما كان قبل أسبوع, وزاد سعر اللحوم المستوردة إلي54 جنيها, كما يقول حسين الوناس. ويضيف أن البطاطس زادت من5.3 إلي4 جنيهات, برغم أن الكثير من الخضراوات تزرع في السويس, إلا أن تجار الجملة عندما يجدون الأحداث تزداد اشتعالا فيشعلون الأسعار, فالبرتقال وصل سعره إلي3 جنيهات بزيادة جنيه ونصف الجنيه عن أسبوع مضي, ولذلك تأثرت حركة البيع والشراء لعدم توافر المال مع المواطنين, لأن غالبية أهل السويس يعملون في أعمال حرة ترتبط باستقرار أو عدم استقرار الأوضاع السياسية, والجميع الآن خائف ويتندرون بذكرياتهم إبان الحصار الإسرائيلي للمدينة الباسلة, فالكل الآن خائف من المجهول الذي ستسفر عنه الأحداث, وأيضا لانتشار البلطجة.. ففي منطقة المعمل, يوجد عدد منهم في وضح النهار ويستولون علي ما مع الناس من أموال أو متعلقات شخصية, مما دفع الكثير من الناس إلي عدم النزول للشارع نهارا عكس الذي حدث أمس في فترة حظر التجوال عندما مضت المسيرات بأغاني السمسمية والحنة من حي الأربعين إلي حي السويس. المشكلة الرئيسية التي طرحها الكثير ممن التقتهم تحقيقات الأهرام هي عدم توظيف أبناء السويس في الشركات الكبري التي تحفل بها المحافظة ما بين الحديد والبترول والنسيح وغيرها, برغم توظيف عشرات الآلاف من أبناء المحافظات الأخري. ويقترح سامح سعيد إلزام مكاتب العمل بالسويس للشركات أن تحدد نسبة من أبناء السويس ضمن عمالتها أو يصدر بذلك قرار وزاري, وهذا أقل ما يقدم للمدينة الباسلة العظيمة التي تصدت للجيش الإسرائيلي وكانت من أوائل المدن التي انطلقت بها شرارة ثورة52 يناير, وقدمت الشهداء لإنجاح الثورة. وتعاني السويس معاناة شديدة بزيادة أسعار السلع, فقد غالي التجار في الزيادات التي فرضوها, حتي إن الأهالي أصبحوا يكتفون باستهلاك نصف الكميات التي يحتاجونها. أحمد رمضان, الشاب الذي حصل علي الدكتوراة في التاريخ وبلغ منتصف العقد الخامس ولم يجد وظيفة حتي الآن, ويعمل بإعطاء دروس تقوية لطلبة مرحلتي الإعدادي والثانوي, أصبح يكتفي بعشرة أرغفة فقط, وقد منع عليهم أكل السمك الذي كانت تمتاز السويس برخص سعره, وارتفاع سعره الآن مقارنة بما سبق, فجميع أنواع الأسماك تضاعفت أسعارها مرة أو مرتين, فالبلطي الذي لم يتجاوز سعره عشرة جنيهات, ارتفع إلي الضعف, وكذلك البوري, أما الأسماك البحرية, فقد زادت أسعارها أكثر من الضعفين, وهذا ما ينطبق علي جميع السلع في السويس. جمال فاضل, حلاق, كان دخله اليومي يقترب من001 جنيه, أصبح لا يزيد علي04 جنيها, مما أوقعه في أزمة عدم القدرة علي سداد03 جنيها يوميا( جمعية) كان يسدد بها ما اقترضه لإتمام مشروع زواجه, مما أوجد خلافات كثيرة بينه وبين أصدقائه المشتركين في الجمعية, ووصل الأمر إلي مشاحنات بينهم ولا يعرف متي سيأتي الزبائن للحلاقة, حيث إن الحلاقة بدلا من احتياج الفرد لها كل أسبوعين, أصبح يتجاوز عنها لشهرين لضيق ذات اليد, ولا يدري جمال وغيره من أهالي السويس متي سيفك الحصار عنهم. في بداية الجولة, سرنا بمحاذاة الكورنيش وكانت حركة الحياة بطيئة, فقد خلا الشارع من الناس إلا قليلا.. واختفي مشهد ثنائيات الشباب من الجنسين علي سور الكورنيش, كما كنا نشاهد من قبل.. رأينا فقط رجلا وسيدة في آخر العمر يجلسان علي مقعدين متقابلين في صمت, وعلي بعد خطوات, جلست سيدة منتقبة معها بعض الأطفال وباقي مقاعد الكورنيش الحجرية المزخرفة بالفسيفساء خالية إلا من كتابات وشعارات مطموسة وكلب يقف وحيد يهز ذيله, يتشمم تحت مقعد.. لعله يبحث عن بقايا طعام. في الطريق وأمام فندق جرين هاوس كانت تقف مصفحة أخري, وأمام حي السويس تقف مجنزرة ثانية.. المدينة صارت هادئة جدا وقت أذان الظهر.. وجوم وصمت في سيارات تعبر الشوارع ببطء, وكذلك راكبو الدراجات. كان صلاح محمد الصاوي, الشاب الذي تخرج في دراساته الفنية المتوسطة قبل عشرين عاما ومازال يبحث عن عمل, ينتظرنا أمام مسجد النبي موسي بالقرب من قسم شرطة الأربعين ونقطة المطافي التي أحرقها بعض المتظاهرين. وقال الحاج خليل الخال وأحمد الأنصاري إن الثوار أعلنوا عن نيتهم التظاهر والجميع يعلم أن عددا من البلطجية يندس بينهم لأعمال تخريب, وكان يجب إصدار قرار بإنزال الجيش لحماية الشارع العام ومنشآت الدولة قبل يوم الجمعة, خاصة في السويس التي يعلم وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم بحكم أنه ابن هذه المدينة وخدم فيها هو وشقيقه العميد مجدي إبراهيم, أن النية مبيتة لإحداث عنف ويعرفان مصدر ومواطن البلطجية من مناطق الهيشة وكفر العرب والكماين وعرب المعمل, وكان يجب أن يتخد الوزير التدابير اللازمة, وأن يطلب من الجيش حماية منشآت وزارته. ويقول محمد ماهر إنه لم يكن يجب أن نصل إلي هذه المرحلة من العنف والاحتقان, ويتساءل عباس البهلوان, مستخلص جمركي, عن حقيقة دوافع الشباب الذين قاموا بإلقاء زجاجات المولوتوف علي القسم, وأحرقوا المطافئ وحطموا السيارات. وعندما كنا نلتقط صورا لها, وقال أحد المارة: من أحرقها يستحق القتل ولا دية له.. هؤلاء مأجورون يحرقون أموالنا وممتلكاتنا ويرهبوننا ويقتلون جنودنا الذين ما إن بدأ الهجوم عليهم نزعوا ملابسهم الميري وألقوها علي الأرض وهربوا.. والناس هي التي حمت معدات المطافئ من السرقة. أما أطرف ما سرقه المندسون بين المتظاهرين, كما قال الحاج خليل, فهو51 كيلو جمبري من مطعم مجاور كسروه كما كسروا معرضا.. وأحرقوا ثماني سيارات أمامي, منها سيارة أحد السكان وابنه, وإحراق العمارة نفسها بكسر ماسورة الغاز, والتي كان يمكن أن تؤدي إلي كارثة أكبر لولا إغلاق الغاز. أحمد الأنصاري من سكان العمارة يقول: برغم مرور ثلاثة أيام, فإن الغاز مازال مقطوعا عن العمارة. وقال صلاح الصاوي, وهو يجوب معنا في مختلف أحياء السويس: إن قرار فرض حالة الطوارئ في مدن القناة كان ضروريا لحفظ قناة السويس, ويقول: تنتشر بين الناس شائعات حول وجود مشروع في خطة خمسية لتطوير وتوسعة قناة السويس بأموال قطرية ومشروعات ستوفر مليون فرصة عمل وسكن في مدينة سكنية شرق القناة.. والناس هنا غاضبة لما ينشره البعض حول أن هذا بيع للقناة أو تأجيرها, لأن قناة السويس هي المرفق الوحيد الذي نمتلكه, فإذا أصبح ذلك فإننا لا نريد أن تدخل قطر ولا نريد أموالها. وأضاف محمد علي رمضان: ونرفض أيضا فرض حالة الطوارئ وحظر التجوال, بدليل نزول مظاهرات في فترة حظر التجوال. وفي أثناء جولتنا ورد إلينا خبر حول غلق الطريق إلي بورتوفيق, حيث المدخل الجنوبي لقناة السويس وتوجهنا إليها للتأكد من الخبر, فوجدنا أنه غير صحيح وشاهدنا هناك البعض من الشباب والرجال كانوا يمارسون هواية صيد السمك في القناة, خلفهم عدد من الأسر تفترش الحديقة المواجهة لمبني التحصيل وعدد من الأطفال يلعبون في الملاهي المجاورة.