هناك نظرية غير متداولة كثيرا في فرع الدورات الاقتصادية من علم الاقتصاد والتي تعني بتفسير التقلبات الاقتصادية( أي تحول الاقتصاد من حالة رواج إلي كساد والعكس). تعرف بالنظرية السيكولوجية للتقلبات الاقتصادية هذه النظرية يمكن تطبيقها وبوضوح لتفسير ما يجري الآن علي ساحة الاقتصاد المصري. النظرية ببساطة شديدة تفيد بأنه إذا توقع أو تنبأ غالبية المواطنين بأن الاقتصاد سيسير في اتجاه معين ثم قاموا بالعمل علي اتخاذ الاحتياطات والتدابير التي قد تمكنهم من تفادي العواقب أو تعظيم المنافع التي يمكن أن تنجم عن سير الاقتصاد في هذا الاتجاه فإن هذا التوقع وتلك النبوءة تحقق نفسها لا محالة وإن الاقتصاد سيسير بالفعل في الاتجاه المتوقع حدوثه. فعلي سبيل المثال ماذا يحدث لو توقع غالبية المواطنين ارتفاع أسعار بعض السلع؟ الاجابة ببساطة أن منتجين هذه السلع سيحجمون عن بيعها في الوقت الحالي أملا في أن يبيعوها في المستقبل القريب بسعر أعلي. هذا معناه أن عرض السلعة سيقل في الأسواق مما يؤدي إلي ارتفاع سعرها. وعلي الجانب الآخر سيقوم مستهلكو السلعة بطلب المزيد منها أو حتي تخزينها حتي يتفادوا الزيادات السعرية المتوقعة فيها ومن ثم يزداد الطلب عليها وبشكل مبالغ فيه مما يؤدي إلي دعم ارتفاع سعر السلعة. وبالطبع فإن العكس صحيح, فإذا توقع المنتجون انخفاض سعر السلعة مستقبلا فسيقومون بعرض المزيد منها في الوقت الحالي( زيادة العرض), كما سيحجم المستهلكون عن طلبها حاليا املا في شرائها بسعر أقل مستقبلا( نقصان الطلب) وهذان العاملان بالضرورة سيؤديان إلي انخفاض السعر. ومن ثم نجد أن المشكلة الجسيمة في مصر الآن هي انزلاقنا نحو النظرية السيكولوجية وتحول المشكلة الاقتصادية إلي مشكلة التوقعات فلا شك أن مشكلة أو أزمة الدولار والارتفاع غير المبرر في سعره هي مشكلة توقعات. كذلك مشكلة ارتفاع أسعار بعض السلع هي مشكلة توقعات وحتي مشكلة توقف الاستثمار الأجنبي ونزوح الاستثمار المحلي في أغلبها مشكلة توقعات. لكن لماذا لم تكن هذه الحالة الاقتصادية ملحوظة من قبل في مصر وبهذا الشكل السافر؟ الإجابة لأن الشرط الأساسي لتحقيق النظرية السيكولوجية أن يكون غالبية المواطنين لديهم نفس التوقعات. أما إذا كان بعض المواطنين أو المتعاملين يتوقعون ارتفاع الأسعار والبعض الآخر يتوقع انخفاضها. ومن ثم يتصرف كل منهم علي هذا الأساس فإن هذه التوقعات تلاشي بعضها البعض ولا يكون تأثيرها عنيفا وساحقا كما هو الحال الآن. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: ما السبب في هذا المأزق أو المنزلق.. وكيف يمكن الخروج منه وعلي وجه السرعة. والإجابة الصريحة والمؤلمة أن الغالبية يجب أن تتحمل مسئوليتها عن هذا الانزلاق, فتناحر القوي السياسية وتغليب المصلحة الشخصية أو الفئوية علي المصلحة القومية كان سببا رئيسيا في تردي الأوضاع الاقتصادية وبصورة حقيقية في فترة ما بعد الثورة. أما عدم الخبرة الاقتصادية الظاهر والبادي في الحكومة الحالية ومن يقوم علي إدارتها بالإضافة إلي تعدد مصادر اتخاذ القرارات أو الإعلان عنها كذا التخبط الشديد في الاعلان عنها أو تنفيذها يتحمل الجزء الأكبر من الدفع بالاقتصاد في هذا الاتجاه لأنه أدي إلي حالة عدم ثقة في قدرة الحكومة علي ادارة الأمور الاقتصادية. ومن ثم تم خلق حالة نفسية أو سيكولوجية متشائمة عند الغالبية من الشعب المصري. ومن ثم يجب الاتفاق بين أطراف اللعبة السياسية علي تجنيب الخلافات الحزبية ولو في الأجل القصير حتي يشعر المواطن أن الجميع يعمل من أجل مصلحة هذا الوطن وحتي تعود الثقة في المستقبل. المزيد من مقالات د. حسن يوسف علي