بحضور الوزير شريف فتحي.. تفاصيل إطلاق حملة «إحنا مصر» لتنشيط السياحة    رئيس جامعة الدلتا التكنولوجية يفتتح فعاليات مبادرة "كن مستعدًا"    «البترول» تواصل قراءة عداد الغاز للمنازل لشهر أغسطس 2025    علامة استفهام لماذا تتلكأ الدول الكبرى فى تصنيف الإخوان جماعة إرهابية    آرسنال يعود بانتصار صعب من عقر دار مانشستر يونايتد    عبد اللطيف منيع يعود للقاهرة بعد معسكر مكثف بالصين استعدادًا لبطولة العالم المقبلة    سيدة تستغل "السوشيال ميديا" بالرقص والمخدرات.. والداخلية توقفها    فى ذكرى رحيله.. «درويش» وطن فى شاعر    أمينة الفتوى بدار الإفتاء توضح علامات طهر المرأة وأحكام الإفرازات بعد الحيض    جراحة ناجحة لمريض بتثبيت كسور بالوجه والفك السفلي في العريش    7 أطعمة ومشروبات غنية بفيتامين D    غوارديولا يتحدث عن صفقاته الجديدة    جامعة المنصورة تُشارك في مبادرة "كن مستعدًا" لتأهيل الطلاب والخريجين    قبل بدء الفصل التشريعى الثانى لمجلس الشيوخ، تعرف علي مميزات حصانة النواب    خبير أمن وتكنولوجيا المعلومات: الذكاء الاصطناعي ضرورة لمستقبل الاقتصاد المصرى    تحقيقات واقعة "فتيات الواحات".. الضحية الثانية تروى لحظات الرعب قبل التصادم    «الصحة» تغلق 10 عيادات غير مرخصة ملحقة بفنادق في جنوب سيناء    معلق مباراة ريال مدريد وأوساسونا في الدوري الإسباني    7 أسباب تجعلك تشتهي المخللات فجأة.. خطر على صحتك    دورة إنقاذ ومعرض تراثي.. أبرز أنشطة الشباب والرياضة في الوادي الجديد    الأمن يقترب أكثر من المواطنين.. تدشين قسم شرطة زهراء أكتوبر 2| صور    المفتي السابق يحسم جدل شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    قرار جديد من التموين بشأن عدادات المياه: حظر التركيب إلا بشروط    يسري الفخراني بعد غرق تيمور تيمور: قُرى بمليارات كيف لا تفكر بوسائل إنقاذ أسرع    اعتذار خاص للوالد.. فتوح يطلب الغفران من جماهير الزمالك برسالة مؤثرة    محافظ الجيزة يطمئن على الحالة الصحية لشهاب عبد العزيز بطل واقعة فتاة المنيب    رد فعل شتوتغارت على أداء فولتماد أمام بايرن    جبران يفتتح ندوة توعوية حول قانون العمل الجديد    توجيهات حاسمة من السيسي لوزيري الداخلية والاتصالات    رئيس جامعة الوادي الجديد يتابع سير التقديم بكليات الجامعة الأهلية.. صور    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    فيديو.. خالد الجندي: عدم الالتزام بقواعد المرور حرام شرعا    رئيس الأركان الإسرائيلي: نُقرّ اليوم خطة المرحلة التالية من الحرب    أمر ملكي بإعفاء رئيس مؤسسة الصناعات العسكرية ومساعد وزير الدفاع السعودي    مانشستر يونايتد يدرس التحرك لضم آدم وارتون    صحة الوادى الجديد: انتظام العمل فى المرحلة الثالثة من مبادرة "100 يوم صحة"    ربان مصري يدخل موسوعة جينيس بأطول غطسة تحت المياه لمريض بالشلل الرباعي    أحمد سعد يغني مع شقيقة عمرو «أخويا» في حفله بمهرجان مراسي «ليالي مراسي»    إنفانتينو عن واقعة ليفربول وبورنموث: لا مكان للعنصرية في كرة القدم    ارتفاع حصيلة ضحايا الأمطار الموسمية والفيضانات في باكستان إلى 645 قتيلا    صراع من أجل البقاء.. مأساة الفاشر بين الحصار والمجاعة والموت عطشًا    الأنبا ثيئودوسيوس يترأس القداس الإلهي بكنيسة العذراء مريم بفيصل    حقيقة انتقال هاكان للدوري السعودي    مدير عام الطب البيطري سوهاج يناشد المواطنين سرعة تحصين حيواناتهم ضد العترة الجديدة    شئون البيئة بالشرقية: التفتيش على 63 منشآة غذائية وصناعية وتحرير محاضر للمخالفين    الخارجية الروسية تتوقع فوز خالد العناني مرشح مصر في سباق اليونيسكو    في 3 خطوات بس.. للاستمتاع بحلوى تشيز كيك الفراولة على البارد بطريقة بسيطة    موعد آخر موجة حارة في صيف 2025.. الأرصاد تكشف حقيقة بداية الخريف    حزب الجبهة الوطنية: تلقينا أكثر من 170 طلب ترشح لانتخابات مجلس النواب    تعرف علي شروط الالتحاق بالعمل فى المستشفيات الشرطية خلال 24 شهرا    مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي يعلن تفاصيل مسابقة "أبو الحسن سلام" للبحث العلمي    المفتي يوضح حكم النية عند الاغتسال من الجنابة    مصرع شخص وإصابة 24 آخرين إثر انحراف قطار عن مساره في شرق باكستان    إصلاح الإعلام    فتنة إسرائيلية    حظك اليوم وتوقعات الأبراج    خطأ أمريكي هدد سلامة ترامب وبوتين خلال لقائهما.. ماذا حدث؟    عيار 21 الآن بعد الانخفاض الجديد.. سعر الذهب اليوم الأحد 17 أغسطس محليًا وعالميًا (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.حازم الببلاوى يكتب: التقلبات العنيفة للأسواق المالية.. لماذا؟

تشهد الأسواق المالية العالمية هذه الأيام تقلبات عنيفة خاصة نحو الهبوط والانهيار، وذلك بعد ما عرف ب«الأزمة المالية العالمية» فى 2008، ثم أخيراً «أزمة اليونان» وما ترتب عليها من تدهور فى معظم الأسواق المالية. وليست هذه الظاهرة بشىء نادر فى حياة الأسواق المالية، فتاريخها هو - إلى حد بعيد- تاريخ التقلبات السعرية العنيفة بين ازدهار غير مبرر يعقبه انهيار غير مفهوم.
وفى الفترة الأخيرة عايشنا عدة أزمات على ما هو معروف. ولا تزال ذاكرتنا القصيرة تستحضر أزمة دول جنوب شرق آسيا فى 1997، وبعدها مباشرة أزمة روسيا فى 1998، وتلاهما أزمة أسواق التكنولوجيا (ناسداك) 2001، وهكذا دواليك. وقد أحصى أحد الباحثين عدد هذه الأزمات بأكثر من 85 أزمة، ويمكن لباحث آخر أن يجد رقماً أكبر أو أقل بحسب تعريفه للأزمة.
ولعلنا نذكر أن تاريخ هذه الأزمات قديم، وأشهر هذه الأزمات هو ما عرف بأزمة زهرة التوليب فى هولندا فى القرن السابع عشر ثم أزمة فقاعة البحر الجنوبى South Sea Bubble، وتظل أخطرها هى أزمة الثلاثينيات فى القرن الماضى، والسؤال: لماذا هذه التقلبات العنيفة فى أسعار الأوراق المالية والتى لا نرى لها مثيلاً فى أسواق السلع العينية؟
ونبدأ بالتذكير بأننا نتعامل فى الأسواق بين نوعين من الأصول، هناك سوق للأصول العينية Real Assets، وسوق أخرى للأصول المالية Financial Assets. أما الأصول العينية فهى السلع التى تشبع الحاجات مباشرة (سلع الاستهلاك) أو بشكل غير مباشر (السلع الرأسمالية)، ونظراً لأن السلع تهدف إلى إشباع الحاجات- بشكل مباشر أو غير مباشر- فإنها تذهب إلى المستفيد النهائى (المستهلك أو المنتج)، وهى تصل إليه من خلال السوق التى تربط بين المنتج والمستفيد النهائى.
ولذلك فإن «السوق» تمثل بالنسبة لهذه السلع مرحلة وسطية تعبرها السلعة لكى تستقر فى النهاية عند المستفيد النهائى سواء كان مستهلكاً أو منتجاً، وتستثنى من ذلك حالات قليلة عندما يقرر المشترى إعادة بيعها باعتبارها «سلعة مستعملة»، وهى حالات نادرة.
أما الأصول المالية فهى ليست سلعاً، تشبع الحاجات مباشرة أو بشكل غير مباشر، وإنما هى «حقوق» أو مطالبات على الأصول العينية (السلع).
فالنقود مثلاً هى أصل مالى، ولكنها -بذاتها- لا تشبع أى حاجة، وإنما هى «حق»، على جميع السلع، بمعنى أن من يحوز النقود يستطيع أن يبادلها -حين يشاء- بأى سلعة معروضة للبيع، والبائع بدوره يقبل هذه النقود لأنه يعرف أنه يستطيع هو الآخر أن يبادل النقود -حين يرغب- بأى سلعة معروضة فى الأسواق. فماذا يعنى ذلك بالنسبة للنقود؟ هذا يعنى أنها صالحة للاستخدام فى الحاضر والمستقبل، فمن يحملها يريد أن يستخدمها- فى وقت لاحق- لتحويلها إلى سلع.
ولذلك فإن قيمة النقود ترجع فى نظره إلى احتفاظها بقيمتها فى المستقبل، بل إن قيمتها فى الحاضر مستمدة من قيمتها المستقبلية. ولذلك يقال إن أحدى أهم وظائف النقود هى أنها «مخزن للقيم» Store of Values.
ويترتب على ذلك أيضا أن النقود تدخل السوق لكى تظل فيها ويعاد استخدامها فى المستقبل، فهى قد تنتقل من يد إلى أخرى، ولكنها لا تخرج أبداً من السوق. وليس الأمر مختلفاً بالنسبة لبقية الأصول المالية الأخرى. فالسهم أو السند لا يشبع - فى ذاته - أى حاجة بشرية، ولكنه يعطى صاحبه الحق فى الحصول -فى المستقبل- على العائد كما يمكن أن يبيعه فى أى وقت فى السوق، ويستعيد بذلك ما دفعه أو أكثر بحسب الأسعار السائدة فى الأسواق.
فقيمة السهم أو السند ترجع إلى القدرة على بيعه فى المستقبل بسهولة نسبياً، أى أنه أصل سائل قابل للبيع. فالأصل المالى هو شىء معد لإعادة البيع فى أى وقت، وهو بذلك يشارك النقود فى أنه نوع من «مخزن القيم»، ويتم الاحتفاظ به ليس فقط لحفظ القيمة بل بأمل زيادتها.
وبذلك تعتبر التحف والمجوهرات من قبيل الأصول المالية أحياناً، وهكذا فجميع الأصول المالية تدخل السوق ولا تخرج منها. فالسوق بالنسبة إلى الأصول المالية ليست مجرد مرحلة عابرة بل هى حياتها. فأهمية هذه الأصول بالنسبة لحائزها هى أنها قابلة للبيع والشراء فى كل وقت، وإذا فقدت ذلك، لم تعد أصلاً مالياً وفقدت قيمتها فوراً، وبذلك يتضح أن قيمة الأصول المالية تتوقف على نظرة الفرد إلى توقعاته عن مستقبل هذه القيمة.
وهكذا يتضح الفارق الأساسى بين التعامل فى الأصول العينية (السلع والخدمات) وبين التعامل فى الأصول المالية، وهو أن مشترى الأصل العينى (السلعة) يشترى السلعة لاستعماله الخاص، ولا يعود بها من جديد إلى السوق إلا استثناء، أما مشترى الأصل المالى فإنه لا يشتريه لاستعماله وإنما أساساً لتوقعه بأن قيمته سترتفع فى المستقبل،
ولذلك فهو يشتريه بغرض إعادة البيع فى المستقبل إذا تحسنت الأسعار بشكل جيد، أو للتخلص منه إذا بدا أن مستقبله مظلم، فالأصل المالى موجود دائما بالقرب من السوق على استعداد للعودة إليها لانتهاز الفرص أو للهروب من المخاطر. وهكذا فإن مشترى الأصول المالية هو نوع من التاجر أو المضارب، فهو يشترى من أجل إعادة البيع.
هذه الطبيعة الخاصة للأصول المالية تفسر اختلاف سلوك الأسعار فى أسواق الأصول المالية عنها فى أسواق الأصول العينية «السلع». ففى أسواق الأصول العينية «السلع» تتوقف الأسعار على أذواق وحاجات المستفيدين منها من ناحية، وتكاليف إنتاجها من ناحية أخرى.
وبطبيعة الأحوال فإن كلا من الأذواق أو التكاليف تظل ثابتة بل إنها تتغير باستمرار، ولكنه دائماً تغير بطىء وتدريجى وعادة غير مفاجئ، هناك حقاً، بعض الأحوال الاستثنائية التى يمكن أن تحدث تغيراً مفاجئاً، ولكنها حالات قليلة ومحصورة فإذا قامت كارثة طبيعية أو حرب أو وباء، فإن الإنتاج من منطقة ما أو المواصلات منها أو إليها قد تتعطل، فترتفع الأسعار فجأة نتيجة لارتفاع التكاليف بسبب هذه الظروف الطارئة كذلك قد يحدث أن تتغير الأذواق بشكل مفاجئ لسلعة أو خدمة ولفترة قصيرة، كما لو أحب المشاهدون حضور مباراة نهائى كأس العالم فى يوم محدد، فهنا ترتفع أسعار بعض الخدمات مثل الفنادق أو المطاعم وربما تذاكر السفر. ولكن باستثناء حالات هذا التغيير المفاجئ، فالأصل أن تغير التكاليف، والأذواق لا يحدث إلا بشكل بطىء وتدريجى.
وبالتالى فإن تغيرات الأسعار تكون تدريجية وأحيانا يرجع ارتفاع الأسعار لأسباب غير متعلقة بالأذواق أو التكاليف، وإنما لسياسات نقدية ومالية بزيادة عجز الموازنة أو اختلال موازين المدفوعات مثلاً. وهنا أيضا فإن ارتفاع الأسعار لا يحدث بشكل طفرة مفاجئة بل يحتاج إلى وقت ويتم بشكل متدرج. ولذلك فإن أسعار السلع العينية تتغير أيضاً، من وقت لآخر، ولكن ببطء وبشكل تدريجى.
وهكذا لا تعرف أسواق السلع العينية المفاجآت فى الأسعار بقفزات غير متوقعة أو بهبوط مفاجئ، إلا استثناء . ولكن هذا النمط من التقلبات العنيفة هو طبيعة الأسواق المالية. والسؤال، لماذا؟ وكيف؟
رأينا أن المشترى «أو البائع» فى سوق الأصول المالية، يتدخل فى هذه السوق وفقاً لرؤيته إلى المستقبل، وهو يعتمد فى ذلك على تقديره للأمور كما على غرائزه الموروثة، وقد قيل إن الذى يحرك سلوك المتعامل فى هذه السوق هو غريزتى الخوف «fear» من ناحية والطمع أو الجشع «greed» من ناحية أخرى، وهما من أعمق وأقدم غرائز الإنسان. وكثيراً ما يكون تصرفه وفقاً لهذه الغرائز البدائية مبالغاً فيه ومفاجئاً وأحياناً غير منطقى. فهى غرائز أقرب إلى غريزة حب البقاء.
فأما غريزة «الخوف» فهى التى حمت الإنسان من المخاطر التى تعرض لها فى حياته البدائية من تهديد الحيوانات المفترسة أو تقلبات الطبيعة، وذلك بالهروب بسرعة من مواطن الخطر. وهكذا، فإذا بدأت بوادر انخفاض الأسعار فى الأسواق المالية فى الظهور، فإن غريزة الخوف ما تلبث أن تستيقظ لدى معظم المستثمرين لتدق ناقوس الخطر للهروب قبل تفاقم الأزمة.
فانخفاض الأسعار يعنى تعريض ثروته للخطر، ولذلك فإنه يحاول أن يتخلص مما لديه من أصول مالية بأسرع وقت فتبدأ حركة البيع. والكل يصبح بائعاً لا مشترياً، فتنخفض الأسعار من جديد. وهنا يتحول الخوف إلى ذعر، ويصبح سلوك المتعاملين فى الأسواق المالية متجهاً إلى البيع الجماعى للأوراق المالية للتخلص منها مما يحقق نبوءة المتخوفين بانخفاض الأسعار، وبذلك تتزعزع المعنويات لدى البعض الأكثر صلابة، ويدخل السوق كل يوم بائعون جدد ممن كانوا مترددين. وبذلك ندخل فى سلسلة من الانخفاضات المتتالية، وكل حلقة تقوى وتدعم الاتجاه النزولى لدى المتشككين فى خطورة الموقف.
وعلى العكس إذا غلبت احتمالات التفاؤل وارتفاع الأسعار، فإن غريزة «الخوف» تتراجع وتتقدم غريزة «الطمع» أو حتى «الجشع» لماذا الوقوف ساكناً والأسعار مهيأة للارتفاع، وبالتالى هناك فرص الكسب؟ هنا تنتعش الرغبة فى الكسب، فهذا هو وقت الشراء.
ويتحول الجميع أو الغالبية إلى مشترين حيث يندفع الجميع، أو الغالبية منهم، إلى الشراء حتى لا تفوتهم الفرصة. وهو ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار بالفعل، وبذلك يتأكد حدس المتفائلين، وكلما ارتفعت الأسعار يبدأ المتخوفون فى إعادة النظر والدخول فى السوق، فلعل الوقت المناسب للشراء قد جاء فعلاً. وهكذا تبدأ حمى الشراء وترتفع الأسعار.
ورغم أن غريزة «الجشع» تؤدى إلى عكس ما تفعله غريزة «الخوف»، فيلاحظ أن الخوف أشد أثراً على النفس الإنسانية، فهو إنقاذ للحياة، بعكس الكسب فهو بحث عن مصلحة وليس دفاعاً عن الحياة، وبالتالى يمكن التروى إزاءها.
ولذلك نلاحظ أن الأسواق المالية تأخذ وقتاً فى مرحلة التفاؤل وصعود الأسعار وقد تمتد إلى سنوات، حيث ينضم فى كل يوم قطاع جديد من المستثمرين المترددين لدخول السوق بعد أن شاهدوا المكاسب المحققة للآخرين. أما حين تبدأ موجة التشاؤم، فإن غريزة «الخوف» لا تسمح بالتهاون، لذلك نجد أن انهيار الأسواق المالية لا يحتاج إلى أكثر من أيام أو أسابيع حيث يغلب عليها شعور الذعر وليس فقط الخوف.
كذلك ساعد على تسارع عمليات البيع فى ظل موجات التشاؤم والبيع، هو أن هناك العديد من حاملى الأصول المالية المدينين، ومع زيادة وطأة انخفاض الأسعار وتبخر قيمة الأصول المالية يضغط الدائنون «البنوك والسماسرة» على مدينيهم للبيع حماية لمصالح الدائنين، وقد انتشرت هذه الظاهرة مع زيادة حجم الشراء بالدين والمعروف «بالشراء بالهامش».
ولا يقتصر الأمر على هذه الغرائز- غير المنطقية أحياناً- على الأسواق المالية، بل هناك الثقل الكمى لطلبات البيع والشراء، وتغير التوازن بين الطلب والعرض.
فنظراً لأن المتعاملين فى الأسواق المالية هم فى الحقيقة كلهم بائعون أو مشترون محتملون، لذلك فعند غلبة شعور «الخوف» من المستقبل، يتحول أغلبية المتعاملين إلى بائعين راغبين فى الهروب، وعندما يغلب شعور «الجشع» والتفاؤل فى المستقبل، تصبح أغلبية المتعاملين من المشترين الراغبين فى المشاركة فى هذه الوليمة، وبذلك يزيد العرض على الطلب فى فترات التشاؤم، ويزيد الطلب على العرض فى فترات التفاؤل،
وهكذا تتقلب الأسعار بين ارتفاع غير مبرر وانهيار غير مفهوم بسبب هذا السلوك الغريزى، ومن هنا قيل بأن الذى يحرك الأسواق المالية هو «غرائز القطيعHerd Instinct» ، فإذا بدأت وليمة الشراء، أصبح كل المتعاملين فى السوق أو معظمهم مشترين فضلاً عن الفضوليين الذين يحضرون دون دعوة، وعندما تنصب مآتم «الخوف» وتبدأ هوجة البيع، فالكل أو الغالبية يصبحون بائعين فى حين يختفى المشترون.
ولكن مشاكل تقلبات أسعار الأسواق المالية لم تتوقف على غلبة غرائز الخوف والجشع والتى كثيراً ما تكون غير منطقية أو مبالغاً فيها، وإنما تزداد حدة نتيجة تزايد دور «المؤسسات المالية»، والتى طرحت قضية الأصيل/الوكيل/Princip Agent al وحيث يتصرف «الوكيل» باسم «الأصيل»، وإن كان يعمل فى الحقيقة لمصلحته الذاتية، حتى وإن ضحى بمصلحة الأصيل، كيف؟
كان المتعاملون- قديماً- فى الأسواق المالية هم أفراد من أبناء الطبقات الثرية وغالباً من العاملين فى مجال التجارة والصناعة، وهؤلاء ذوو خبرة وعادة أكثر دراية بتقلبات الأسواق، وإن لم يكن ذلك صحيحاً دائماً، فبعضهم لا يخلو من حماقة، ولكن تظل الحقيقة هى أن الغالبية منهم أكثر خبرة، وقد عرف الاقتصاد المعاصر تطوراً جديداً، حيث زادت دخول الطبقات المتوسطة بشكل كبير وزادت مدخراتهم، كما ظهرت أهمية نظم التأمين والمعاشات،
وقد أدى كل هذا إلى تراكم أحجام هائلة من الأموال الباحثة عن فرص للتوظيف مما ساعد على ظهور مؤسسات مالية لجمع هذه المدخرات من صغار المدخرين أو من صناديق التأمين والمعاشات، وحيث تقوم بإدارتها لحساب هؤلاء المدخرين، وبذلك دخل إلى الأسواق المالية وفد جديد من «المؤسسات المالية الوسيطة»، والتى يديرها عدد من المديرين باعتبارهم وكلاء عن أصحاب المدخرات من صغار المدخرين أو المشتركين فى نظم التأمين والمعاشات، وهؤلاء يتعاملون فى مبالغ ضخمة تحرك الأسواق إلى أعلى أو أسفل، وقد أصبحت هذه المؤسسات المالية الوسيطة أحد أهم اللاعبين الرئيسيين فى الأسواق المالية والتى تعمل لحساب عملائها،
وهكذا ظهرت مشكلة الأصيل/ الوكيل فرغم أن الطبيعى أن يعمل «الوكيل» لمصلحة «الأصيل» وحده، وبحيث لا يقوم تعارض فى المصالح بينهما، فقد وجدنا فى كثير من الأحوال أن هذه المؤسسات الوسيطة قد بدأت فى خلق أدوات مالية جديدة مركبة ومعقدة (المشتقات المالية) لكى تبيعها للمستثمرين، وتحقق هذه المؤسسات الوسيطة مكاسبها الأساسية من العمولات التى تتقاضاها عند تصميم وطرح هذه الأدوات المالية الجديدة، ويقبل المستثمرون على شراء هذه الأدوات المالية، بتشجيع من مؤسساتهم المالية فى ظل مناخ التفاؤل وارتفاع العوائد فيها، ثم يتحول الأمر فجأة وتظهر مخاطر هذه الأدوات عندما يغلب جو التشاؤم فيندفع الجميع، فى هرولة، للتخلص منها.
وأخيراً، وبصرف النظر عن مدى التوافق والتعارض بين مصالح الأصيل/ الوكيل، فإنه من الملاحظ أن معظم هذه المؤسسات المالية والتى تدير أكبر محافظ الاستثمار تستخدم جميعاً، وبشكل عام، نفس أدوات التحليل والبرامج، وتوظف نفس النوع من الكفاءات بحيث أصبح سلوكهم مبرمجاً بشكل أشبه بسلوك القطيع هو الآخر، وهكذا ساعد وجود هذه المؤسسات على تضخيم آثار التقلبات ارتفاعاً وهبوطاً، فعندما تقرر إحدى هذه المؤسسات بيع الأوراق المالية فالكل يبيع فى الوقت نفسه، ويحدث ذلك أيضاً عندما تقرر إحداها الشراء، فالكل أيضاً مشتر، وازداد الأمر صعوبة مع انتقال العدوى- فى ظل العولمة- من سوق إلى أخرى، فيكفى أن تبدأ موجة فى إحدى الأسواق لكى تنتقل إلى الأسواق الأخرى.
ولكل ذلك، لم يكن غريباً أن تعرف الأسواق المالية هذه التقلبات العنيفة والتى لا تعرفها أسواق الأصول العينية، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى مشروعات للإصلاحات المالية والنقدية لضبط الأسواق المالية، والتى بدأت بوادرها فى مختلف الدول المتقدمة، وكما أن القطيع موجود- بشكل عام- فى سلوك المتعاملين فى الأسواق المالية، فإنه أيضًا موجود فيما يتعلق بالإصلاحات المالية للحكومات، وقد بدأت بعض الإصلاحات فى مجموعة العشرين خاصة فى الولايات المتحدة، وسوف تنتقل إلى بقية القطيع، فانتظروا إصلاحات مالية عندنا أيضاً.. والله أعلم.
www.hazembeblawi.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.