قبل انطلاق ماراثون المرحلة الثانية، تطهير وتعقيم اللجان الانتخابية بالإسماعيلية (صور)    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأحد 23 نوفمبر    استطلاع: تراجع رضا الألمان عن أداء حكومتهم إلى أدنى مستوى    وزير الخارجية ونظيره التركي يبحثان تنفيذ مخرجات اجتماع مجموعة التخطيط المشتركة    اليوم.. طقس حار نهارا على أغلب الأنحاء مائل للبرودة ليلا    اليوم، بدء سداد تكلفة حج الجمعيات الأهلية بالبنوك المصرية ومنافذ البريد    وزارة الصحة: لا توجد فيروسات مجهولة أو عالية الخطورة في مصر.. والإنفلونزا الأعلى ب 66%    وزير الكهرباء: وصلنا للمراحل النهائية في مشروع الربط مع السعودية.. والطاقة المتجددة وفرت 2 جيجا    وزارة الداخلية المصرية.. حضور رقمي يفرض نفسه ونجاحات ميدانية تتصدر المشهد    كمال أبو رية: لو عاد بي الزمن لقرأت سيناريو «عزمي وأشجان» بشكل مختلف    أسعار الأسماك والخضراوات والدواجن.. اليوم 23 نوفمبر    الأرصاد تحذر: ضباب كثيف يخفض الرؤية على طرق السواحل وشمال الوجه البحري    واشنطن تقلص تواجدها في مركز التنسيق بغزة وعسكريون أمريكيون يبدأون في المغادرة    تعرف على أسعار الفاكهة اليوم الأحد الموافق 23-11-2025 فى سوهاج    قد تشعل المنطقة بالكامل، إسرائيل تستعد لهجوم واسع النطاق على إيران ولبنان وغزة    التعهد بزيادة الأموال للدول المتضررة من تغير المناخ في قمة البرازيل    تنفيذ 3199 مشروعًا ب192 قرية فى المرحلة الأولى من حياة كريمة بالمنيا    الفن اللي كان، ميادة الحناوي تتألق في حفلها ببيروت برشاقة "العشرينيات" (فيديو)    بصورة من الأقمار الصناعية، خبير يكشف كيف ردت مصر على إثيوبيا بقرار يعلن لأول مرة؟    تعرف على موعد امتحانات منتصف العام الدراسى بالجامعات والمعاهد    بقطعة بديلة، وزير الرياضة يلمح إلى حل أزمة أرض الزمالك (فيديو)    وزير الري: مصر تتخذ جميع التدابير اللازمة لضمان حقوقها المائية في نهر النيل    استشهاد 24 فلسطينيا في غارات إسرائيلية على غزة    طقس اليوم.. توقعات بسقوط أمطار فى هذه المناطق وتحذير عاجل للأرصاد    أبرزهم الزمالك والمصري وآرسنال ضد توتنهام.. مواعيد مباريات اليوم الأحد 23 - 11- 2025 والقنوات الناقلة    فوربس: انخفاض ثروة ترامب 1.1 مليار دولار وتراجعه للمرتبة 595 في قائمة أغنياء العالم    موعد مباراة الأهلى مع الإسماعيلى فى دورى نايل    ثلاث جولات من الرعب.. مشاجرة تنتهي بمقتل "أبوستة" بطلق ناري في شبرا الخيمة    السيسي يعد بإنجازات جديدة (مدينة إعلام).. ومراقبون: قرار يستدعي الحجر على إهدار الذوق العام    برواتب مجزية وتأمينات.. «العمل» تعلن 520 وظيفة متنوعة للشباب    نقيب الموسيقيين يفوض «طارق مرتضى» متحدثاً إعلامياً نيابة ًعنه    تامر عبد المنعم يفاجئ رمضان 2025 بمسلسل جديد يجمعه مع فيفي عبده ويعود للواجهة بثنائية التأليف والبطولة    حسين ياسر المحمدي: تكريم محمد صبري أقل ما نقدمه.. ووجود أبنائه في الزمالك أمر طبيعي    وكيل صحة دمياط: إحالة مسئول غرف الملفات والمتغيبين للتحقيق    الصحة: علاج مريضة ب"15 مايو التخصصي" تعاني من متلازمة نادرة تصيب شخصًا واحدًا من بين كل 36 ألفًا    صوتك أمانة.. انزل وشارك فى انتخابات مجلس النواب تحت إشراف قضائى كامل    : ميريام "2"    صفحة الداخلية منصة عالمية.. كيف حققت ثاني أعلى أداء حكومي بعد البيت الأبيض؟    الداخلية تكشف ملابسات اعتداء قائد سيارة نقل ذكي على سيدة بالقليوبية    مانيج إنجن: الذكاء الاصطناعي يعيد تشكيل أمن المعلومات في مصر    جامعة القناة تتألق في بارالمبياد الجامعات المصرية وتحصد 9 ميداليات متنوعة    فليك: فخور بأداء برشلونة أمام أتلتيك بيلباو وسيطرتنا كانت كاملة    روسيا: لم نتلقَّ أى رد من واشنطن حول تصريحات ترامب عن التجارب النووية    د.حماد عبدالله يكتب: مشكلة "كتاب الرأى" !!    دولة التلاوة.. هنا في مصر يُقرأ القرآن الكريم    محافظة الجيزة تكشف تفاصيل إحلال المركبة الجديدة بديل التوك توك.. فيديو    أهم الأخبار العالمية والعربية حتى منتصف الليل.. الإخوان الإرهابية تواجه تهديدا وجوديا فى قارة أوروبا.. ترامب: خطة السلام بشأن أوكرانيا ليست نهائية.. تعليق الملاحة فى مطار آيندهوفن الهولندى بعد رصد مسيّرات    السعودية.. أمير الشرقية يدشن عددا من مشاريع الطرق الحيوية بالمنطقة    حمزة عبد الكريم: سعيد بالمشاركة مع الأهلي في بطولة إفريقيا    أبرز المرشحين على مقعد نقيب المجالس الفرعية بانتخابات المرحلة الأولى للمحامين    المتحدث باسم الصحة: الإنفلونزا A الأكثر انتشارا.. وشدة الأعراض بسبب غياب المناعة منذ كورونا    طريقة مبتكرة وشهية لإعداد البطاطا بالحليب والقرفة لتعزيز صحة الجسم    مفتي الجمهورية: خدمة الحاج عبادة وتنافسا في الخير    بث مباشر الآن.. مباراة ليفربول ونوتنغهام فورست في الجولة 12 من الدوري الإنجليزي 2026    دولة التلاوة.. أصوات من الجنة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 22-11-2025 في محافظة الأقصر    خلاف حاد على الهواء بين ضيوف "خط أحمر" بسبب مشاركة المرأة في مصروف البيت    عضو "الشؤون الإسلامية" يوضح حكم التعامل مع الدجالين والمشعوذين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د.حازم الببلاوى يكتب: التقلبات العنيفة للأسواق المالية.. لماذا؟

تشهد الأسواق المالية العالمية هذه الأيام تقلبات عنيفة خاصة نحو الهبوط والانهيار، وذلك بعد ما عرف ب«الأزمة المالية العالمية» فى 2008، ثم أخيراً «أزمة اليونان» وما ترتب عليها من تدهور فى معظم الأسواق المالية. وليست هذه الظاهرة بشىء نادر فى حياة الأسواق المالية، فتاريخها هو - إلى حد بعيد- تاريخ التقلبات السعرية العنيفة بين ازدهار غير مبرر يعقبه انهيار غير مفهوم.
وفى الفترة الأخيرة عايشنا عدة أزمات على ما هو معروف. ولا تزال ذاكرتنا القصيرة تستحضر أزمة دول جنوب شرق آسيا فى 1997، وبعدها مباشرة أزمة روسيا فى 1998، وتلاهما أزمة أسواق التكنولوجيا (ناسداك) 2001، وهكذا دواليك. وقد أحصى أحد الباحثين عدد هذه الأزمات بأكثر من 85 أزمة، ويمكن لباحث آخر أن يجد رقماً أكبر أو أقل بحسب تعريفه للأزمة.
ولعلنا نذكر أن تاريخ هذه الأزمات قديم، وأشهر هذه الأزمات هو ما عرف بأزمة زهرة التوليب فى هولندا فى القرن السابع عشر ثم أزمة فقاعة البحر الجنوبى South Sea Bubble، وتظل أخطرها هى أزمة الثلاثينيات فى القرن الماضى، والسؤال: لماذا هذه التقلبات العنيفة فى أسعار الأوراق المالية والتى لا نرى لها مثيلاً فى أسواق السلع العينية؟
ونبدأ بالتذكير بأننا نتعامل فى الأسواق بين نوعين من الأصول، هناك سوق للأصول العينية Real Assets، وسوق أخرى للأصول المالية Financial Assets. أما الأصول العينية فهى السلع التى تشبع الحاجات مباشرة (سلع الاستهلاك) أو بشكل غير مباشر (السلع الرأسمالية)، ونظراً لأن السلع تهدف إلى إشباع الحاجات- بشكل مباشر أو غير مباشر- فإنها تذهب إلى المستفيد النهائى (المستهلك أو المنتج)، وهى تصل إليه من خلال السوق التى تربط بين المنتج والمستفيد النهائى.
ولذلك فإن «السوق» تمثل بالنسبة لهذه السلع مرحلة وسطية تعبرها السلعة لكى تستقر فى النهاية عند المستفيد النهائى سواء كان مستهلكاً أو منتجاً، وتستثنى من ذلك حالات قليلة عندما يقرر المشترى إعادة بيعها باعتبارها «سلعة مستعملة»، وهى حالات نادرة.
أما الأصول المالية فهى ليست سلعاً، تشبع الحاجات مباشرة أو بشكل غير مباشر، وإنما هى «حقوق» أو مطالبات على الأصول العينية (السلع).
فالنقود مثلاً هى أصل مالى، ولكنها -بذاتها- لا تشبع أى حاجة، وإنما هى «حق»، على جميع السلع، بمعنى أن من يحوز النقود يستطيع أن يبادلها -حين يشاء- بأى سلعة معروضة للبيع، والبائع بدوره يقبل هذه النقود لأنه يعرف أنه يستطيع هو الآخر أن يبادل النقود -حين يرغب- بأى سلعة معروضة فى الأسواق. فماذا يعنى ذلك بالنسبة للنقود؟ هذا يعنى أنها صالحة للاستخدام فى الحاضر والمستقبل، فمن يحملها يريد أن يستخدمها- فى وقت لاحق- لتحويلها إلى سلع.
ولذلك فإن قيمة النقود ترجع فى نظره إلى احتفاظها بقيمتها فى المستقبل، بل إن قيمتها فى الحاضر مستمدة من قيمتها المستقبلية. ولذلك يقال إن أحدى أهم وظائف النقود هى أنها «مخزن للقيم» Store of Values.
ويترتب على ذلك أيضا أن النقود تدخل السوق لكى تظل فيها ويعاد استخدامها فى المستقبل، فهى قد تنتقل من يد إلى أخرى، ولكنها لا تخرج أبداً من السوق. وليس الأمر مختلفاً بالنسبة لبقية الأصول المالية الأخرى. فالسهم أو السند لا يشبع - فى ذاته - أى حاجة بشرية، ولكنه يعطى صاحبه الحق فى الحصول -فى المستقبل- على العائد كما يمكن أن يبيعه فى أى وقت فى السوق، ويستعيد بذلك ما دفعه أو أكثر بحسب الأسعار السائدة فى الأسواق.
فقيمة السهم أو السند ترجع إلى القدرة على بيعه فى المستقبل بسهولة نسبياً، أى أنه أصل سائل قابل للبيع. فالأصل المالى هو شىء معد لإعادة البيع فى أى وقت، وهو بذلك يشارك النقود فى أنه نوع من «مخزن القيم»، ويتم الاحتفاظ به ليس فقط لحفظ القيمة بل بأمل زيادتها.
وبذلك تعتبر التحف والمجوهرات من قبيل الأصول المالية أحياناً، وهكذا فجميع الأصول المالية تدخل السوق ولا تخرج منها. فالسوق بالنسبة إلى الأصول المالية ليست مجرد مرحلة عابرة بل هى حياتها. فأهمية هذه الأصول بالنسبة لحائزها هى أنها قابلة للبيع والشراء فى كل وقت، وإذا فقدت ذلك، لم تعد أصلاً مالياً وفقدت قيمتها فوراً، وبذلك يتضح أن قيمة الأصول المالية تتوقف على نظرة الفرد إلى توقعاته عن مستقبل هذه القيمة.
وهكذا يتضح الفارق الأساسى بين التعامل فى الأصول العينية (السلع والخدمات) وبين التعامل فى الأصول المالية، وهو أن مشترى الأصل العينى (السلعة) يشترى السلعة لاستعماله الخاص، ولا يعود بها من جديد إلى السوق إلا استثناء، أما مشترى الأصل المالى فإنه لا يشتريه لاستعماله وإنما أساساً لتوقعه بأن قيمته سترتفع فى المستقبل،
ولذلك فهو يشتريه بغرض إعادة البيع فى المستقبل إذا تحسنت الأسعار بشكل جيد، أو للتخلص منه إذا بدا أن مستقبله مظلم، فالأصل المالى موجود دائما بالقرب من السوق على استعداد للعودة إليها لانتهاز الفرص أو للهروب من المخاطر. وهكذا فإن مشترى الأصول المالية هو نوع من التاجر أو المضارب، فهو يشترى من أجل إعادة البيع.
هذه الطبيعة الخاصة للأصول المالية تفسر اختلاف سلوك الأسعار فى أسواق الأصول المالية عنها فى أسواق الأصول العينية «السلع». ففى أسواق الأصول العينية «السلع» تتوقف الأسعار على أذواق وحاجات المستفيدين منها من ناحية، وتكاليف إنتاجها من ناحية أخرى.
وبطبيعة الأحوال فإن كلا من الأذواق أو التكاليف تظل ثابتة بل إنها تتغير باستمرار، ولكنه دائماً تغير بطىء وتدريجى وعادة غير مفاجئ، هناك حقاً، بعض الأحوال الاستثنائية التى يمكن أن تحدث تغيراً مفاجئاً، ولكنها حالات قليلة ومحصورة فإذا قامت كارثة طبيعية أو حرب أو وباء، فإن الإنتاج من منطقة ما أو المواصلات منها أو إليها قد تتعطل، فترتفع الأسعار فجأة نتيجة لارتفاع التكاليف بسبب هذه الظروف الطارئة كذلك قد يحدث أن تتغير الأذواق بشكل مفاجئ لسلعة أو خدمة ولفترة قصيرة، كما لو أحب المشاهدون حضور مباراة نهائى كأس العالم فى يوم محدد، فهنا ترتفع أسعار بعض الخدمات مثل الفنادق أو المطاعم وربما تذاكر السفر. ولكن باستثناء حالات هذا التغيير المفاجئ، فالأصل أن تغير التكاليف، والأذواق لا يحدث إلا بشكل بطىء وتدريجى.
وبالتالى فإن تغيرات الأسعار تكون تدريجية وأحيانا يرجع ارتفاع الأسعار لأسباب غير متعلقة بالأذواق أو التكاليف، وإنما لسياسات نقدية ومالية بزيادة عجز الموازنة أو اختلال موازين المدفوعات مثلاً. وهنا أيضا فإن ارتفاع الأسعار لا يحدث بشكل طفرة مفاجئة بل يحتاج إلى وقت ويتم بشكل متدرج. ولذلك فإن أسعار السلع العينية تتغير أيضاً، من وقت لآخر، ولكن ببطء وبشكل تدريجى.
وهكذا لا تعرف أسواق السلع العينية المفاجآت فى الأسعار بقفزات غير متوقعة أو بهبوط مفاجئ، إلا استثناء . ولكن هذا النمط من التقلبات العنيفة هو طبيعة الأسواق المالية. والسؤال، لماذا؟ وكيف؟
رأينا أن المشترى «أو البائع» فى سوق الأصول المالية، يتدخل فى هذه السوق وفقاً لرؤيته إلى المستقبل، وهو يعتمد فى ذلك على تقديره للأمور كما على غرائزه الموروثة، وقد قيل إن الذى يحرك سلوك المتعامل فى هذه السوق هو غريزتى الخوف «fear» من ناحية والطمع أو الجشع «greed» من ناحية أخرى، وهما من أعمق وأقدم غرائز الإنسان. وكثيراً ما يكون تصرفه وفقاً لهذه الغرائز البدائية مبالغاً فيه ومفاجئاً وأحياناً غير منطقى. فهى غرائز أقرب إلى غريزة حب البقاء.
فأما غريزة «الخوف» فهى التى حمت الإنسان من المخاطر التى تعرض لها فى حياته البدائية من تهديد الحيوانات المفترسة أو تقلبات الطبيعة، وذلك بالهروب بسرعة من مواطن الخطر. وهكذا، فإذا بدأت بوادر انخفاض الأسعار فى الأسواق المالية فى الظهور، فإن غريزة الخوف ما تلبث أن تستيقظ لدى معظم المستثمرين لتدق ناقوس الخطر للهروب قبل تفاقم الأزمة.
فانخفاض الأسعار يعنى تعريض ثروته للخطر، ولذلك فإنه يحاول أن يتخلص مما لديه من أصول مالية بأسرع وقت فتبدأ حركة البيع. والكل يصبح بائعاً لا مشترياً، فتنخفض الأسعار من جديد. وهنا يتحول الخوف إلى ذعر، ويصبح سلوك المتعاملين فى الأسواق المالية متجهاً إلى البيع الجماعى للأوراق المالية للتخلص منها مما يحقق نبوءة المتخوفين بانخفاض الأسعار، وبذلك تتزعزع المعنويات لدى البعض الأكثر صلابة، ويدخل السوق كل يوم بائعون جدد ممن كانوا مترددين. وبذلك ندخل فى سلسلة من الانخفاضات المتتالية، وكل حلقة تقوى وتدعم الاتجاه النزولى لدى المتشككين فى خطورة الموقف.
وعلى العكس إذا غلبت احتمالات التفاؤل وارتفاع الأسعار، فإن غريزة «الخوف» تتراجع وتتقدم غريزة «الطمع» أو حتى «الجشع» لماذا الوقوف ساكناً والأسعار مهيأة للارتفاع، وبالتالى هناك فرص الكسب؟ هنا تنتعش الرغبة فى الكسب، فهذا هو وقت الشراء.
ويتحول الجميع أو الغالبية إلى مشترين حيث يندفع الجميع، أو الغالبية منهم، إلى الشراء حتى لا تفوتهم الفرصة. وهو ما يؤدى إلى ارتفاع الأسعار بالفعل، وبذلك يتأكد حدس المتفائلين، وكلما ارتفعت الأسعار يبدأ المتخوفون فى إعادة النظر والدخول فى السوق، فلعل الوقت المناسب للشراء قد جاء فعلاً. وهكذا تبدأ حمى الشراء وترتفع الأسعار.
ورغم أن غريزة «الجشع» تؤدى إلى عكس ما تفعله غريزة «الخوف»، فيلاحظ أن الخوف أشد أثراً على النفس الإنسانية، فهو إنقاذ للحياة، بعكس الكسب فهو بحث عن مصلحة وليس دفاعاً عن الحياة، وبالتالى يمكن التروى إزاءها.
ولذلك نلاحظ أن الأسواق المالية تأخذ وقتاً فى مرحلة التفاؤل وصعود الأسعار وقد تمتد إلى سنوات، حيث ينضم فى كل يوم قطاع جديد من المستثمرين المترددين لدخول السوق بعد أن شاهدوا المكاسب المحققة للآخرين. أما حين تبدأ موجة التشاؤم، فإن غريزة «الخوف» لا تسمح بالتهاون، لذلك نجد أن انهيار الأسواق المالية لا يحتاج إلى أكثر من أيام أو أسابيع حيث يغلب عليها شعور الذعر وليس فقط الخوف.
كذلك ساعد على تسارع عمليات البيع فى ظل موجات التشاؤم والبيع، هو أن هناك العديد من حاملى الأصول المالية المدينين، ومع زيادة وطأة انخفاض الأسعار وتبخر قيمة الأصول المالية يضغط الدائنون «البنوك والسماسرة» على مدينيهم للبيع حماية لمصالح الدائنين، وقد انتشرت هذه الظاهرة مع زيادة حجم الشراء بالدين والمعروف «بالشراء بالهامش».
ولا يقتصر الأمر على هذه الغرائز- غير المنطقية أحياناً- على الأسواق المالية، بل هناك الثقل الكمى لطلبات البيع والشراء، وتغير التوازن بين الطلب والعرض.
فنظراً لأن المتعاملين فى الأسواق المالية هم فى الحقيقة كلهم بائعون أو مشترون محتملون، لذلك فعند غلبة شعور «الخوف» من المستقبل، يتحول أغلبية المتعاملين إلى بائعين راغبين فى الهروب، وعندما يغلب شعور «الجشع» والتفاؤل فى المستقبل، تصبح أغلبية المتعاملين من المشترين الراغبين فى المشاركة فى هذه الوليمة، وبذلك يزيد العرض على الطلب فى فترات التشاؤم، ويزيد الطلب على العرض فى فترات التفاؤل،
وهكذا تتقلب الأسعار بين ارتفاع غير مبرر وانهيار غير مفهوم بسبب هذا السلوك الغريزى، ومن هنا قيل بأن الذى يحرك الأسواق المالية هو «غرائز القطيعHerd Instinct» ، فإذا بدأت وليمة الشراء، أصبح كل المتعاملين فى السوق أو معظمهم مشترين فضلاً عن الفضوليين الذين يحضرون دون دعوة، وعندما تنصب مآتم «الخوف» وتبدأ هوجة البيع، فالكل أو الغالبية يصبحون بائعين فى حين يختفى المشترون.
ولكن مشاكل تقلبات أسعار الأسواق المالية لم تتوقف على غلبة غرائز الخوف والجشع والتى كثيراً ما تكون غير منطقية أو مبالغاً فيها، وإنما تزداد حدة نتيجة تزايد دور «المؤسسات المالية»، والتى طرحت قضية الأصيل/الوكيل/Princip Agent al وحيث يتصرف «الوكيل» باسم «الأصيل»، وإن كان يعمل فى الحقيقة لمصلحته الذاتية، حتى وإن ضحى بمصلحة الأصيل، كيف؟
كان المتعاملون- قديماً- فى الأسواق المالية هم أفراد من أبناء الطبقات الثرية وغالباً من العاملين فى مجال التجارة والصناعة، وهؤلاء ذوو خبرة وعادة أكثر دراية بتقلبات الأسواق، وإن لم يكن ذلك صحيحاً دائماً، فبعضهم لا يخلو من حماقة، ولكن تظل الحقيقة هى أن الغالبية منهم أكثر خبرة، وقد عرف الاقتصاد المعاصر تطوراً جديداً، حيث زادت دخول الطبقات المتوسطة بشكل كبير وزادت مدخراتهم، كما ظهرت أهمية نظم التأمين والمعاشات،
وقد أدى كل هذا إلى تراكم أحجام هائلة من الأموال الباحثة عن فرص للتوظيف مما ساعد على ظهور مؤسسات مالية لجمع هذه المدخرات من صغار المدخرين أو من صناديق التأمين والمعاشات، وحيث تقوم بإدارتها لحساب هؤلاء المدخرين، وبذلك دخل إلى الأسواق المالية وفد جديد من «المؤسسات المالية الوسيطة»، والتى يديرها عدد من المديرين باعتبارهم وكلاء عن أصحاب المدخرات من صغار المدخرين أو المشتركين فى نظم التأمين والمعاشات، وهؤلاء يتعاملون فى مبالغ ضخمة تحرك الأسواق إلى أعلى أو أسفل، وقد أصبحت هذه المؤسسات المالية الوسيطة أحد أهم اللاعبين الرئيسيين فى الأسواق المالية والتى تعمل لحساب عملائها،
وهكذا ظهرت مشكلة الأصيل/ الوكيل فرغم أن الطبيعى أن يعمل «الوكيل» لمصلحة «الأصيل» وحده، وبحيث لا يقوم تعارض فى المصالح بينهما، فقد وجدنا فى كثير من الأحوال أن هذه المؤسسات الوسيطة قد بدأت فى خلق أدوات مالية جديدة مركبة ومعقدة (المشتقات المالية) لكى تبيعها للمستثمرين، وتحقق هذه المؤسسات الوسيطة مكاسبها الأساسية من العمولات التى تتقاضاها عند تصميم وطرح هذه الأدوات المالية الجديدة، ويقبل المستثمرون على شراء هذه الأدوات المالية، بتشجيع من مؤسساتهم المالية فى ظل مناخ التفاؤل وارتفاع العوائد فيها، ثم يتحول الأمر فجأة وتظهر مخاطر هذه الأدوات عندما يغلب جو التشاؤم فيندفع الجميع، فى هرولة، للتخلص منها.
وأخيراً، وبصرف النظر عن مدى التوافق والتعارض بين مصالح الأصيل/ الوكيل، فإنه من الملاحظ أن معظم هذه المؤسسات المالية والتى تدير أكبر محافظ الاستثمار تستخدم جميعاً، وبشكل عام، نفس أدوات التحليل والبرامج، وتوظف نفس النوع من الكفاءات بحيث أصبح سلوكهم مبرمجاً بشكل أشبه بسلوك القطيع هو الآخر، وهكذا ساعد وجود هذه المؤسسات على تضخيم آثار التقلبات ارتفاعاً وهبوطاً، فعندما تقرر إحدى هذه المؤسسات بيع الأوراق المالية فالكل يبيع فى الوقت نفسه، ويحدث ذلك أيضاً عندما تقرر إحداها الشراء، فالكل أيضاً مشتر، وازداد الأمر صعوبة مع انتقال العدوى- فى ظل العولمة- من سوق إلى أخرى، فيكفى أن تبدأ موجة فى إحدى الأسواق لكى تنتقل إلى الأسواق الأخرى.
ولكل ذلك، لم يكن غريباً أن تعرف الأسواق المالية هذه التقلبات العنيفة والتى لا تعرفها أسواق الأصول العينية، ومن هنا ظهرت الحاجة إلى مشروعات للإصلاحات المالية والنقدية لضبط الأسواق المالية، والتى بدأت بوادرها فى مختلف الدول المتقدمة، وكما أن القطيع موجود- بشكل عام- فى سلوك المتعاملين فى الأسواق المالية، فإنه أيضًا موجود فيما يتعلق بالإصلاحات المالية للحكومات، وقد بدأت بعض الإصلاحات فى مجموعة العشرين خاصة فى الولايات المتحدة، وسوف تنتقل إلى بقية القطيع، فانتظروا إصلاحات مالية عندنا أيضاً.. والله أعلم.
www.hazembeblawi.com


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.