ليس هناك أي خطأ عزيزي القارئ في عنوان هذا المقال.. فالعنوان صحيح وهذا هو قصدنا وهذا هو مرامنا.. فإذا كانت المغردة فيروز قد غنت لمصر وقالت لها: مصر عادت شمسك الذهب.. ولكن بعد أن أصبح الحال غير الحال.. واصطدم نهر مصر بحائط الكراهية وسد الفرقة والعراك والمصالح والتلاسن بالألفاظ والتنابز بالألقاب والقذف بالطوب والمولوتوف والرصاص الحي إذا لزم الأمر..أو حتي لم يلزم.. وتعكير صفو وصفاء صفحة النهر العظيم الذي يسقينا زمانا ويروينا دهرا ويدفئ بيوتنا ويملأ بطوننا ببقع من دمائنا..تطفو علي سطحه وتلون وتصبغ ماءه باللون الأحمر القاني.. حتي وصل أمر الفرقة والفتنة بيننا.. إلي ساحات المحاكم.. لينزلق القضاء المصري الحر بقصد أو بدون في متاهات سياسية وملاعيب قانونية.. لم تعرفها مصر ولم تسمع عنها في تاريخها كله.. ودخلت المسألة كلها في دور عند وعناد بين المتخاصمين.. وكاننا فرقاء لا رفاق وطن واحد وكل فريق يجمع أعلامه ورجاله ومؤيديه في الميادين والساحات تعصبا وتحزبا.. وأصبحت المحاكم ساحة نزال سياسية وحزبية وارتدي نفر من القضاة بكل أسف بردة السياسيين.. وساعدهم النظام والحكم بقرارات جاءت عفو الخاطر ربما كانت تحمل في طياتها قدرا من النيات الحسنة.. وفي ساحة القضاء كما تعلمنا ودرسنا لا مكان للنيات حتي لو كانت حسنة المقصد طيبة المراد.. وتحملت مصر كعادتها.. وتحمل شعبها ضغطا عصيبا وغلبا وقرارات عشوائية وحكومات خمس تعاقبت عليه.. هبطت بالأداء الحكومي.. بفضل وزراء دخلوا باب مجلس الوزراء لأول مرة.. وبعضهم خرج من الوزارة كما دخلها صفر اليدين.. أنيقا متأنقا.. فلم يشق ساعة ولم يتعب يوما فقد كان كل همه.. ان يحمل في جيبه كروت طبعها من حسابه الخاص تحمل اسمه يسبقه لقب الوزير الفلاني.. ولو حتي وزير سابق! ونسي الناس.. أو كادوا.. ونسي المسئولون والسياسيون ورجال الأحزاب والمشاركون في موكب العمل الوطني والذين يركبونه كرفاق الزفة السياسية علي صفحة النيل السعيد.. نسوا تماما.. انه قبل عامين بالضبط وفي نفس هذا اليوم الخامس والعشرين من يناير قامت ثورة عظيمة زلزلت الدنيا زلزلة عظيمة.. نسوا الثورة... ونسوا الثوار.. ليخرج الثوار الذين ضحوا وفقدوا رفاقا لهم.. بين شهيد وجريح ومفقود.. من مولد الثورة كما ولدتهم أمهاتهم.. هذه حقيقة غابت عنا ولابد الا ننساها ابدا.. وإن كان يقينا وعدلا وحقيقة.. فالثورة وهي تبدأ عامها الثالث.. مازالت حية ترزق, ومازال الثوار أحياء يرزقون.. ولكنهم كما فاجأونا.. وكما فاجأوا العالم كله قبل عامين باعلان نجاح الثورة.. سوف يفاجئوننا باستمرارها.. وبوجودهم معنا.. أكثر تفاعلا وأكثر اصرارا وأكثر نجاحا.. ............... ............... وتدخل الثورة المصرية التي زلزلت الأرض زلزلة عظيمة وقلبت موازين السياسة والفكر والحكم في العالم الذي نعيش فيه والذي يحيط بنا,, أول أيام عامها الثالث.. لتصبح حديث الدنيا كلها.. باعتبارها منارة كل إنسان حر في العالم.. وكل ثائر وكل صاحب فكر.. وكل رئيس دولة وكل كاتب وكل فنان أصبح يحلم.. ولو بمجرد زيارة لها..وجولة حرة في ميدان التحرير.. الذي أصبح اسمه يرادف تماما اسم ووجود وعظمة تمثال الحرية في جزيرة مانهاتن في نيويورك في أمريكا.. بمعناه الحقيقي وشعلته التي تضيء الدنيا كلها.. بل انني شاهدت بعيني هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية تبتسم من قلبها وفي حالة فرح وانبهار وسعادة بلا حدود وهي تطلب من مصوري الصحف العالمية الذين رافقوها.. أن يلتقطوا لها صورة وهي تأكل البطاطا السخنة في قلب الميدان..من يد عم هريدي بائع البطاطا العجوز.. الذي وزع كل مافي عربته من بطاطا بالمجان علي الثوار.. ليلة نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير! واليوم والثورة تدخل أول أيام عامها الثالث.. ماذا حققت؟ وفيم أخفقت؟.. وماذا نريد منها في الغد..؟ وماذا تخفيه الأيام لنا.. إن خيرا نره.. وإن شرا برضه نره؟ وللحق.. فقد احترت هل أبدأ بحديث الاخفاقات والسقوط والأخطاء والخطايا.. وماذا تركت في حياتنا من آثام عظام وأخطاء وخطايا وجروح وخطوط حمراء وسوداء علي وجوهنا وعقولنا وصدمات بلا حدود في حياتنا كلها؟ أم نبدأ بالمكاسب والمكتسبات والقفزات والنجاحات التي لم نكن نحلم بها يوما.. تجئ الثورة وتفتح أمامنا باب الحرية.. لكي تطل منه عليها بعد أن طال انتظارنا لها ثلاثة عقود بحالها عشناها في ظل القهر والفقر والفساد المبين؟ ......................... ......................... فوق رأسي هبط غراب البين من بين سحابات سوداء تنذر بمطر خبيث لا يبقي ولا يذر.. لينوح في سمائي كانه صفارة انذار علامة أن أبدأ بالغيوم والسواد.. والخطايا.. أنا آسف واعتذر.. هكذا طلب غراب البين.. لنفتح اذن كتاب الثورة.. ماذا نقرأ فيه؟ 1 لا خلاف بيننا ولا اختلاف.. ان الثورة لأسباب سوف يكشف عنها الباحثون يوما ما.. قد جلبت لمصر حالة فوضي بلا حدود.. فوضي لم نعرفها يوما.. ولم نعهدها في حياتنا أبدا.. اختلط فيها الحابل بالنابل.. وتحولت الحرية التي رفعت شعارها الثورة إلي حالة انفلات أخلاقي وسلوكي لم نشهده في حياتنا.. بعد أن دخل في روع الناس.. ان الثورة تعني أن تفعل ما تريد.. ما تريده أنت وليس ما يريده ويرغبه الآخرون.. اشتم.. اضرب.. اسرق.. انهب.. احرق.. اقتل إذا شئت.. أو حتي إذا لم تشأ باعتبار أن الدم هو الدواء من كل داء.. لينطلق كثير من البشر انطلاقة المحرومين من كل شيء.. ليحطموا المباني ومقرات الأحزاب ويشعلوا فيها النيران.. كما احرقوا المجمع العلمي الذي بناه نابليون بونابرت في حملته إلي مصر ووضع داخله كل تاريخ مصر.. وكل كنوزها العلمية التاريخية بأقلام وفكر علماء الحملة الفرنسية وهم خيرة علماء الدنيا أيامها.. ليحترق تاريخ مصر في لحظة عبثية شيطانية ولا عزاء لأهل الفكر والفن والعلم والخلق الرفيع في العالم كله! 2 تحولت كلمة الحرية بعد الثورة إلي كلمة مرادفة للفوضي والانفلات وأخذ الحق بالذراع لا بالمنطق والحوار.. وأصبحنا نتكلم بالسكاكين ولغة الدم..ليضيع منا الطريق, ولم يعد أحد يعمل.. أو حتي يريد أن يعمل.. وأصبح شعارنا: ارفع لافتات الاحتجاج في كل مصلحة وكل ديوان.. وكل مصنع.. وكل حقل.. اترك العمل.. فقد حان أوان الاحتجاج! 3 وتوقف دولاب العمل في بر مصر كله.. وأصبح كل من يريد عملا.. يتظاهر أولا.. وكل من يريد علاوة يرفع لافتة احتجاج.. وكل من لم يصبه الدور في الترقية والدرجة والسلم الوظيفي يجمع رفاقه وهيلا هوب علي مجلس الوزراء.. أو مجلس الشعب ليصيبوا مصر كلها بالشلل.. بعد أن توقف دولاب العمل.. ولماذا تعمل إذن مادام الاحتجاج يوصلنا.. ومادام الهتاف بأعلي صوت ورفع اللافتات ووقف الحال يمنحنا الدرجات المنسية والعلاوات الهنية؟ 4 وأغلقوا ميدان التحرير وسلسلوه بالسلاسل وأكوام الطوب والزلط.. لتتوقف حركة الحياة في بر مصر كله.. لا أحد يعمل.. لا أحد يريد أن يعمل.. وتقلصت موارد الدولة.. ودخلت السياحة التي كان يزورنا كل سنة فوق ال41 مليون سائح.. أصبحنا نتنشق علي سائح علي باب الله.. والتعبير لخبير سياحي طلق السياحة بالثلاثة ويسرح الآن بعربة بطاطا في محطة مصر! 5 حل الخراب بميزانية الدولة وتقلص احتياطي النقد الأجنبي في البنك المركزي من63 مليار دولار.. إلي أقل من خمسة عشر مليار دولار.. والبركة في الاضطرابات وتوقف حركة الحياة كلها.. ودخلنا في موالا قطع خطوط السكك الحديد, وقطع الطرق الزراعية احتجاجا وغليانا بسبب وبدون.. وتعطلت مصالح الناس وارتفعت أسعار السلع.. وتوقفت محطات بيع الوقود عن بيع السولار.. والبنزين.. بعد أن سرقها السارقون وافرغوا شاحناتها في رمال الصحاري والترع والمصارف كيدا فينا وعنادا وخرابا! 6 واشتغل القضاة وانشغلوا بالمعارك السياسية العبثية.. والقضايا المرفوعة في المحاكم بلا فائدة وبلا طائل.. وأصبح النائب العام نفسه قضية مطروحة للمناقشة تصوروا.. يبقي أو لا يبقي.. وانشغلت أندية القضاه بالسياسة.. حتي أن بعضهم اعتدي علي رئيس نادي قضاة مصر المستشار أحمد الزند عندا وعنادا.. وأصبحنا لا نعرف من منا علي صواب.. ومن منا علي خطأ؟ 7 لندخل في دوامة الحواداث المفجعة التي تدمي القلب.. بعد أن شاخت وهرمت السكة الحديد وعمرها فوق المائة وخمسين سنة.. وتعددت حوادث الموت في القطارات وعلي المزلقانات.. حتي أن بعضهم رفع قضية علي الحكومة ورئيس الجمهورية لايقاف حركة السكة الحديد كلها.. حتي اصلاح حالها..! ودفع47 شابا من ألتراس النادي الأهلي حياتهم في ساعة غدر في بورسعيد..ليصدر القضاء الحر حكما بإحالة12 من المتهمين إلي فضيلة المفتي! موش بس كده كما قال لي موظف غلبان تهاوت العمارات فوق رؤوس ساكنيها, حتي أصبحنا نسمع كل صباح عبارة: موش العمارة اللي لسة مبنية من خمس سنين وقعت فوق رؤوس سكانها وهم نايمين!. 8 ودخلنا في معركة الدستور.. انقسمنا إلي فريقين متصارعين.. فريق يحكم وفريق يقاوم.. وسط مولد من العبث السياسي.. صحف ومحطات تليفزيونية فضائية.. تتبادل الشتائم واللعنات وتثير الفتن وتشكك في الشريعة.. ونحن مقبلون علي انتخابات مجلس النواب الذي سيخرج من تحت قبته أول رئيس وزراء قوي يحكم مصر.. كما كان مصطفي النحاس يحكمها في زمانه. 9 وحكومة بلا أنياب وبلا مخالب.. لا حول لها ولا قوة.. ولا مال ولا خطة محددة.. تحاول أن تنقذ ما يمكن انقاذه.. وسط موجة من التذمر والاحتجاجات.. ووقف الحال.. وقطع طرق.. وقطع خطوط السكة الحديد ومظاهرات ومليونيات بلا هدف.. بعد أن ضاع من الثوار الطريق.. 01 ويجري ذلك كله..وسط حال من الفوضي الأمنية.. مع عجز الأمن نفسه ورجاله عن ايقافها.. انتشرت حوادث السرقات والسطو المسلح والقتل.. وأصبح لدينا والحمد لله جيش من البلطجية اقترب عددهم ماشاء الله.. من رقم ال001 ألف بلطجي ومسجل خطر.. يعيثون في الأرض فسادا وإجراما ورعبا.. وبين أيديهم أسلحة متطورة, بنادق آلية وقنابل ومدافع هاون وزجاجات مولوتوف.. بل ومدافع مضادة للدبابات والمصفحات والطائرات كمان! ................ ............... هذا هو أيها السادة الحصاد المر للثورة بعد عامين.. ولكن يبقي حديث المكاسب.. ولكن ذلك حديث آخر{