وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    8 ديسمبر 2025.. الذهب يرتفع هامشيًا وسط ترقب قرار الفيدرالي الأمريكي    الإسكان: دفع العمل بمشروعات الطرق بمواقع سكن لكل المصريين في حدائق أكتوبر و15 مايو    رئيس الوزراء يبحث مع منظمة «الفاو» سبل تعزيز الأمن الغذائي    الأردن يدعو المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل بوقف تصعيدها الخطير وإجراءاتها غير الشرعية    القاهرة الإخبارية: قصف مدفعي إسرائيلي متواصل في المناطق الصفراء شرق غزة    الأزمة تتصاعد.. صلاح خارج قائمة ليفربول لمواجهة انتر ميلان    حسام حسن يوجه رسالة لحسن شحاتة: نتمنى له الشفاء العاجل    سقوط أمطار وسط أحوال جوية غير مستقرة في القليوبية    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    النيابة العامة تحقق في حادث قضاة المنيا.. وتصريح الدفن عقب صدور تقرير الطب الشرعي وتحاليل الDNA    بالأسماء.. إصابة 16 شخصًا بحالات اختناق داخل مصنع بالإسماعيلية    رئيس الأوبرا يهنئ الطالبة هند أنور لفوزها فى مهرجان نسيج الفن بالدوحة    وزير الثقافة يشارك في افتتاح فعاليات مهرجان منظمة التعاون الإسلامي الثقافي «أسبوع الإبداع» بأذربيجان    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    ألونسو مُهدد بالرحيل عن الريال بعد قمة السيتي.. ومفاضلة بين زيدان وكلوب    تعليم وأوقاف دمياط تنظمان مبادرة "صحح مفاهيمك" لتعزيز الوعي الديني    جامعة قنا تنظم ندوة توعوية عن ظاهرة التحرش    منذ لحظات .. محمد صلاح يصل مقر تدريبات ليفربول قبل قمة إنتر ميلان بدوري الأبطال.. فيديو    محمود جهاد يقود وسط الزمالك في لقاء كهرباء الإسماعيلية    العسقلاني: الأهلي فاوضني قبل الرباط الصليبي.. وهذه قيمة الشرط الجزائي في عقدي    اسعار الحديد اليوم الاثنين 8 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    رئيس الوزراء: مصر تتوسع في البرامج التي تستهدف تحقيق الأمن الغذائي    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    انتخابات النواب، السفارات المصرية في 18 دولة تفتح أبوابها للتصويت بالدوائر الملغاة    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    فريق طبي بمستشفى فايد بالإسماعيلية ينقذ مصابا بقطع نافذ بالشريان الفخذي خلال 30 دقيقة    رئيسة وزراء بريطانيا تؤكد التزام بلادها بدعم أوكرانيا وتؤيد خطة السلام الأمريكية    «ولنا في الخيال حب» يتصدر المنافسة السينمائية... وعمرو يوسف يحتل المركز الثاني    شيرين دعيبس: كل فلسطيني له قصص عائلية تتعلق بالنكبة وهذا سبب تقديمي ل"اللي باقي منك"    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    الجوهري: العلاقات بين مصر والصين تمثل نموذجاً راسخاً لشراكة استراتيجية شاملة    الصحة تنفي وجود فيروسات جديدة وتؤكد انتظام الوضع الوبائي في مصر    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    بعد ساعات من التوقف.. إعادة تشغيل الخط الساخن 123 لخدمة الإسعاف بالفيوم    جمهور نيللي كريم يترقب دراما رمضانية مشوقة مع "على قد الحب"    أعضاء المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم "الألكسو" يزورون المتحف المصري الكبير    وزير الثقافة يعلن اختيار شمال سيناء عاصمة للثقافة المصرية 2026    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    ملفات إيلون ماسك السوداء… "كتاب جديد" يكشف الوجه الخفي لأخطر رجل في وادي السيليكون    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    علاج 2.245 مواطنًا ضمن قافلة طبية بقرية في الشرقية    حسام أسامة: بيزيرا «بتاع لقطة».. وشيكو بانزا لم يُضِف للزمالك    أسعار اليورانيوم تتفجر.. الطاقة النووية تشعل الأسواق العالمية    بالأسماء، "المحامين" تعلن أسماء المستبعدين من انتخابات الفرعيات في المرحلة الثانية    وزير الشباب والرياضة يكشف تفاصيل تحقيقات واقعة يوسف محمد وتحديد مواقع الإهمال    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    مجلس الدولة يفتح باب التعيين لوظيفة «مندوب مساعد» لخريجي دفعة 2024    الدفاع الروسية: إسقاط 67 طائرة مسيرة أوكرانية خلال الليلة الماضية    وزير الرياضة: إقالة اتحاد السباحة ممكنة بعد القرارات النهائية للنيابة    عيد ميلاد عبلة كامل.. سيدة التمثيل الهادئ التي لا تغيب عن قلوب المصريين    مستشار الرئيس للصحة: نرصد جميع الفيروسات.. وأغلب الحالات إنفلونزا موسمية    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    الأوقاف: المسابقة العالمية للقرآن الكريم تشمل فهم المعاني وتفسير الآيات    «صحح مفاهيمك».. أوقاف الوادي الجديد تنظم ندوة بالمدارس حول احترام كبار السن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين كثورة روحية والثورة كدين إنساني!
نشر في الأهرام اليومي يوم 27 - 01 - 2013

تتكاثف دعوات التغيير وتتسارع عوامل النهوض فقط في لحظتي: الوحي, عندما ينبثق دين وليد, أو الثورة, عندما ينبثق وعي شهيد, فلا يمكن لواقع جديد أن يولد علي جثة الساد والمألوف إلا بواسطة شخصية استثنائية سواء من حاملي الرؤي المبشرين بما فوق عالمنا( الأنبياء), أو من حاملي السيف والفكر المبشرين بمستقبل أيامنا( الأبطال), فالوحي والسيف وحدهما قادران علي كسر المعتاد والمألوف, والخروج من أسر الكهوف.
ويرجع ذلك إلي قدرتيهما علي توليد نوع من النشوة الوجدانية, التي تصدر عن باطن إنسان أشرقت روحه, إما بالحضور القدسي لقوة علوية متسامية علي الوجود, تحمل اسم( الله), وإما بحضور دنيوي لفكرة سارية في باطن الوعي مثل( الحرية), ففي الثورة, كما في الدين, تبلغ البصيرة الإنسانية ذروتها, من خلال إحساسها بالاكتمال والتوحد مع السر الوجودي المطلق لكلتيهما: الله أو الحرية, حيث يصير الكل في واحد وتتحقق الفعالية القصوي للشخصية الإنسانية بخروجها من دائرة الخبرة العادية بحيزها المحدود, وفعاليتها الجزئية, إلي خبرة جديدة استثنائية تبلغ معها الرؤية ذروة صفائها, والإرادة منتهي كمالها, والتضحية أقصي حدودها, حيث يتساوي الموت مع الحياة, والوجود مع العدم.
يفترض هنا أن تكون الثورة نقية, وهي لا تكون كذلك إلا إذا دارت حول مثل عليا, تكاد تطاول المطلقات الدينية, كالحرية والعدالة والمساواة والإخاء الإنساني, يبدو الموت من أجلها, لدي الثائر, أفضل من الحياة بدونها, كما يموت المؤمن لأجل دينه سعيدا مستبشرا لأن الموت مع الإيمان خلود للإنسان, والحياة من دونه فناء في الزمان; فالحماس الثوري إذن هو مشاعر دينية في الصميم, لكنها أخذت طابعا دنيويا, فبدلا من انتظار المؤمنين الأبرار( الخجول) للحياة الفاضلة في الجنة أو ملكوت السماء, يسعي الثوار الأحرار إلي تجسيد تلك الحياة الفاضلة الآن, وعلي هذه الأرض.
وهكذا تستعير الثورة من الدين روحانية الاستشهاد, بحسب قدرتها علي تمثل ما في الدين من قدرة علي إلهام الضمير الفردي, وتكتيل الإرادة الجماعية لقطاعات واسعة من البشر بتأثير مشاعر كالأخوة والصداقة, والتضامن والتضحية لأجل المصير المشترك, تلك المشاعر التي لا تتولد سوي في اللحظات الاستثنائية: كالثورات, والحروب, وأحيانا مباريات الكرة بين الأوطان, والتي تشبه كثيرا مشاعر التضامن الدينية التي تتجلي في العبادات والمناسك الجماعية, من زاوية كونها رابطا إنسانيا, ولاصقا اجتماعيا عميقا, إنها الأخلاقية الطهرانية التي يلهمها شعور الجميع إنهم أمام قضية كبري تستحق من كل منهم أن يسمو علي طبيعته, وأن يتجاوز نفسه في حالتها العادية فيما لم يكن ذلك ممكنا في زمن الركود والجمود.
يستطيع الأنبياء والمصلحون إذن ترك بصمتهم علي التاريخ إلهاما وتوجيها, فيما الأبطال والثوار يحفرونها إصلاحا وتغييرا, ولذا كانت الثورة أحد أجل الأحداث التي تصوغ المجتمعات, وتصنع التاريخ, غير أن حيوية هذه اللحظة تتوقف علي كيفية بنائها.
فإما أنها وحي فرد, ولو كان ملهما, نيابة عن أمة, فالكل هنا ليس سوي هذا الفرد, واللحظة إلي زوال لأن الفرد كذلك, علي منوال ثورة يوليو1952 م, التي عرفت مصر في ظلها لحظات عديدة مبدعة كانت فيها واحدا ولكن واحدها كان دائما فردا ملهما, ولم يكن أبدا مجتمعا مريدا, ولذا بقيت إبداعاتها متناثرة, وإنجازاتها متكسرة, لقد كان جمال عبد الناصر, مهما اختلف الناس معه, واحد من أولئك الذين اقتحموا التاريخ, ليعيدوا صياغة الواقع, فكان الفرد الذي جسد أمة ونفخ في روح شعب.. ولكنه رحل, وبرحيله تهاوي الجسد وانطفأت الروح.
وإما أنها إبداع أمة, فالكل هنا هو تلك الأمة, واللحظة عندها إلي دوام لأن الأمة أيضا كذلك, علي منوال ثورة25 يناير, التي أنتجها شعب نسب إليه كثيرون ثقافة الخنوع, استنادا إلي أدبيات نظرية شائعة حول نمط الإنتاج الآسيوي أو المجتمع الهيدروليكي والدولة النهرية وجميعها تعني فرض الطبيعة الجغرافية لنوع من الحكومات متطرف في مركزيته, ونوع من المجتمعات متطرف في خضوعه, ما يجعل الروح الأبوية جوهرا للعقد بين السلطة والمجتمع, استمرأ المصريون معه الخنوع, إلي درجة وضعتهم في خصام مع التاريخ, لأنهم تخاصموا مع الحرية.. روح التاريخ.
لقد فات علي هؤلاء التمييز بين كون المصريين مسالمين وتلك حقيقة مؤكدة, وبين كونهم راكدين, وذاك كذب صريح, فالثورة لدي المصريين فعل ممكن ولكن غير متعجل, ففي التريث حكمة تاريخ خطت مصر أولي سطوره, وفي التسرع طيش هوي نأت دوما عن نزواته, ولكنها ظلت قادرة علي العودة.. علي أن تثور وترتج عندما تتضح الرؤيا وينفد الصبر, عندما تنقشع ظلال الطيش, وتتبلور خيوط الحقيقة.. لا أمل فيما هو قائم.
ولدت ثورة يناير بريئة كوجه طفل رضيع, واستمرت بيضاء كثوب عروس وديع, وإن لطخته بقع دماء في عتمة ليل أضاءه صخب الأمل, لقد بلغت من طهرانيتها, أن لم يكن قائدا لها, ولا إيديولوجيا تحكمها, فكانت بحق ثورة الروح علي نفسها, والكرامة علي نقيضها.. تكمن قيادتها في مثلها الرفيعة عن العدالة والحرية, والكرامة الإنسانية, تلك التي أعطتها حكمة النيل العظيم, وعناد الأهرامات الخالدة.
أدي غياب القيادة إلي نجاح الثورة في إسقاط نظام قديم لم يجد أمامه ساعتها شخصا يساومه فيحرف إرادته, أو يهدده فيقتل حماسه, بل شعبا كاملا, استفاق من غفوته فصار عصيا علي الإغراء وعلي الخوف, طالب بحريته فنالها, غير أن ذلك الغياب قد عاد ليفعل فعله بالسلب, فالأمم لا تحيا علي الهتاف, ولا تقتات بالشعارات, والمستقبل لا ينهض علي مجرد تحطيم القيود وإسقاط النظم, بل علي بناء الدول وصنع الأمل.
ولغياب البطل وعجز القيادة, تأخر قطار المستقبل عن الانطلاق, فثمة معارج كثر أغمت علي الطريق, وقراصين كثر استعدوا للقنص, وزعامات زائفة تصدرت المشهد, ومسالك فوضي تبدت كمتاهات ليل, حتي جاء العيد الثاني لتلك الثورة البريئة وهي مغدورة, رهينة اختطفها الغرباء من عائلتها الأصلية, وغاياتها الحقيقية, غير أنها حتما ستعود, وتصل غاياتها, بفعل طهارة الروح التي حركتها, ونبل الغاية التي أطلقتها, وبرعاية إله حق يأبي أن يتحدث أحد باسمه مدعيا قداسة زائفة, أو يزايد أحد علي عباده ملتحفا بكهانة بائدة.
المزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.