بالرغم من تجدد صور الإساءات للنبي صلي الله عليه وسلم بين الحين والحين, تارة في صورة رسوم كاريكاتورية, وأخري في صورة فيلم بذيء, وثالثة في التشكيك في الكتاب والرسالة التي جاء بها. وغير ذلك.. فإن المفكر الإسلامي الدكتور محمد داود الأستاذ بجامعة قناة السويس, المشرف علي موقع ابيان الإسلام للرد علي الافتراءات والشبهات, قال إن المسلمين أنفسهم هم أول من أساءوا إلي نبيهم, وذلك حينما هجروا أخلاقه وخالفوا سنته, وعاد داود ليؤكد أن الرسول صلي الله عليه وسلم ليس بحاجة إلي نصرته والدفاع عنه, مشيرا إلي أن محاولات الإساءة للإسلام ورموزه ليست جديدة, ولكنها تنشط أوقات ضعف الأمة, غير أنها لن تفلح جميعا,..وأكد داود في حواره للأهرام أن التعريف برسول الإسلام وجمال رسالته وشمولها هو أهم ما ينبغي أن يركز عليه المسلمون دائما, لاسيما في ظل الهجمات المعاصرة علي الإسلام, ولفت إلي أن النبي محمدا صلي الله عليه وسلم هو صاحب أكبر إنجاز حضاري عرفته الإنسانية. وإلي نص الحوار: ونحن نحتفل بذكري ميلاد النبي صلي الله عليه وسلم ونتحدث عن فضائله علي الأمة.. من أين نبدأ؟ الحديث عن فضل النبي صلي الله عليه وسلم علي الإنسانية والحضارات كلها, أكبر من أن يحصي, وقد سجل القرآن الكريم حقيقة غالية لرسول الله صلي الله عليه وسلم حين يذكرنا بأن محمدا صلي الله عليه وسلم من أكبر نعم الله تعالي علينا, فقال تعالي: لقد من الله علي المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين. وكان من ثمرة ذلك التحول العظيم للإنسان من كل أوصاف الضلال إلي أوصاف الإيمان والخير والهداية. فالنبي صلي الله عليه وسلم هو صاحب أكبر إنجاز حضاري متجدد علي مر الزمان, وهذا الإنجاز يتمثل في بناء الإنسان بناء إيمانيا يتم من خلاله أعظم عملية إنقاذ للإنسانية من كل مظاهر الضلال والفساد التي تسيطر عليه, وتخليصه من الأوصاف الذميمة واكتسابه أوصاف الخير والفلاح ليتأهل لصنع الحضارة. وبناء الإنسان علي يد رسول الله صلي الله عليه وسلم لم يغفل جانبا من جوانبه, بل اشتمل علي رعاية عقل الإنسان وفكره, وقلبه ومشاعره, وجسده وحاجاته.فقام بتحريرالعقل من التقليد الأعمي والتبعية علي غير هدي أو بينة, كما كان النبي سببا في انتشال الشخصية العربية خاصة, والمجتمع الإنساني عامة, من روح القبلية والعصبية التي كانت سائدة في مجتمع الجاهلية, مثل وأد البنات, وبيع الجواري للمتعة الرخيصة وإدمان المسكرات وغيرها. فقد كانت الأخلاق قبل البعثة المحمدية منحدرة في إسفاف عجيب ضرب به المثل في فساد الضمائر والذمم وجاء رسول الله مداويا وبلسما هاديا لتتحول علي يديه وبهديه المبارك كل مظاهر الفساد إلي الفضائل والمكارم.وتحولت الأخلاق علي يد رسول الله صلي الله عليه وسلم من منطق العادة إلي منطق العبادة. وكيف تري الإساءة المتكررة للنبي صلي الله عليه وسلم, وهو يحمل كل هذا الخير للبشرية؟ الإساءات والافتراءات ضد رسول الله صلي الله عليه وسلم قديمة حديثة, فقد بدأت منذ أول لحظة بدأ يعلن فيها عن الرسالة وعن الإسلام, وعن البعثة النبوية..من هذه اللحظة بدأ الصراع بين الخير والشر, بين الحق والباطل, فأثاروا ضده الافتراءات وقالوا إنما يعلمه بشر, وقالوا إن القرآن ليس وحيا من عند الله علي حد زعمهم, واتهموا النبي صلي الله عليه وسلم بأنه ساحر وشاعر وأنه مجنون..كما شككوا في الإله الذي يعبده رسول الله محمد صلي الله عليه وسلم, وقد سجل القرآن ذلك حينما قال سبحانه الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء, وقالوا إن الملائكة بنات الله...إلي آخر هذه الافتراءات التي سجلها القرآن الكريم والسنة المطهرة. والمتابع لتاريخ الإساءة للإسلام ورموزه علي مر العصور والأجيال, يجد أن الفترات التي تنشط فيها الافتراءات والاتهامات بقوة هي فترات الضعف للمسلمين والقوة للخصوم والأعداء..مثل فترة الحروب الصليبية حيث قام المستشرقون من الغرب بتأليف كتاب دحض القرآن الكريم, وترجموا ألفاظ القرآن الكريم( وليس معانيه), وتتعاقب القرون والأزمان حتي نصل للهجمة المعاصرة علي الإسلام ورسوله الكريم وعلي السنة المطهرة, فتبدأ أمريكا بعد أحداث11 سبتمبر بتكليف من المستشرقين الأمريكان بتأليف قرآن جديد, أسموه الفرقان الحق, ليكون علي حد زعمهم بديلا عن القرآن الكريم الذي يتعبد به المسلمون, بالإضافة إلي ما أعقب ذلك من إساءات. وهل تفلح تلك المحاولات في النيل من الإسلام؟ بالطبع لا, ففي كل محاولات للإساءة تموت هذه الجهود ويبقي الإسلام شامخا, وكلما ازداد الهجوم علي القرآن الكريم ونبي الإسلام ازداد الإقبال علي الإسلام. هل للمسلمين دور في الإساءة إلي نبيهم ودينهم؟ بكل أسف نحن نشارك عدونا في الإساءة إلي سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم, شاركنا في ذلك حين تخلينا عن سنة نبينا, وعن أخلاقه, نعم أسأنا حين مثلنا صورة مشوهة للإسلام, ولم نقدم شيئا إيجابيا ننصر به أنفسنا بالإسلام.. لماذا لم نستخدم الفن والتكنولوجيا لخدمة هذا الهدف وتوضيح الصورة الحقيقية للإسلام ورسوله الكريم, فاليهود نجحوا من خلال أفلام السينما في إقناع العالم بفكرة الصهيونية..فماذا قدمنا نحن, اللهم إلا السخرية والتشويه أحيانا؟! وهل القرآن والسنة في حاجة إلي نصرة المسلمين؟ القرآن والسنة ليسا في حاجة إلي ذلك, فحفظ القرآن ليس علي العرب ولا علي المسلمين ولا علي البشرية قاطبة, وإنما حفظه علي الله رب العالمين الذي أنزله وقال في حقه إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون.. الأمر نفسه بالنسبة للنبي صلي الله عليه وسلم, فالقرآن يؤكد لنا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم في عظمته لا تنال منه افتراءات المبطلين والخصوم..لأن الله عز وجل تعهد بذلك حين قال: والله يعصمك من الناس, أي يعصمك حيا ويعصمك ميتا إلي يوم القيامة, فعصمة الله للنبي باقية إلي يوم القيامة. وإذا كان رسول الله في عصمة ربه, فإن الذي في خطر حقيقي ويحتاج إلي نصرة حقيقية هم المسلمون أنفسهم, نعم نحن الذين في خطر حينما لا ندرك دورنا ومهمتنا فنكون ضد أنفسنا وتصبح سلبياتنا أخطر علينا من خصومنا وأعدائنا. فلن تنال تلك الاتهامات والمكائد من القرآن والسنة, والخاسر الوحيد الشعوب العربية والإسلامية باستفزازنا وجرنا إلي الخطأ في ردود الأفعال الغاضبة. وكيف يواجه المسلمون الإساءة لنبيهم؟ بأن نحرص علي تطبيق الإسلام تطبيقا حقيقيا وتفعيل السنة في حياتنا, والتعريف بنور الإيمان في الإسلام, وبجمال ذلك النبي برحمته وخلقه, وأنه صلي الله عليه وسلم جاء ليتمم مكارم الأخلاق, وكذلك التعريف بشريعته المنقذة للعالم من التخبط الذي تسير فيه, تارة بين الشيوعية التي سقطت, وتارة بين الرأسمالية التي تترنح, فشريعة محمد ينبغي أن نقدمها في الاقتصاد, في الاجتماع, في علم النفس..إلخ, نقدمها علي أنها هي المنقذ للبشرية جمعاء. ونبين أيضا أن الإساءة للنبي محمد هي إساءة في حق الإنسانية كلها, وفي حق كل الأنبياء والمرسلين, لأن كل الأنبياء أخوة, ومن يسيء في حق أحدهم فقد أساء في حق الجميع.