بالمصادفة ونحن نعبر الطريق من سيوة في اقصي غرب مصرمتجهين إلي الحدود الليبية أستوقفتنا أطلال مباني وبقايا ماذن وقباب وبيوت محفورة في الصخر فطلبت من مرافقي التوقف عندها لنعرف حقيقتها ورغم أن الرجل من ابناء سيوة إلا انه لم يكن لديه من المعلومات التي تشبع النهم الصحفي سوي أن هذه بقايا لزاوية سنوسية محفورة في الصخربالقرب من قرية بهي الدين التي تبعد عن الحدود الليبية اقل من خمسين كيلو مترا. الزاوية السنوسية المنحوته في الجبل بسيوة ولأن هذه كانت المرة الأولي التي اعرف فيها أن مصر كان بها زوايا سنوسية فقد قررت البحث في الأمر وإستجلاء الحقيقة خاصة وأن منظر البيوت المحفورة في الصخر ملفت للنظر والملفت اكثر أنها تقع في منطقة صحراوية شبه مهجورة لعدم استخدام طريق سيوة جغبوب منذ عشرات السنين. اول زاوية ومن خلال البحث برفقة أحد مشايخ سيوة وهو الشيخ عمر راجح اكتشفنا ان مصر شهدت في القرن الثالث عشر الهجري ميلاد أول زاوية سنوسية فعندما اراد مؤسس الطائفة السنوسية الشريف بن علي السنوسي إستعادة الإسلام الحنيف لمكانته ومع حالة الضعف التي أنتابت أتباعه في أفريقيا أسس أول زاوية في أرض أفريقية في واحة سيوة بغرب مصر وتقدم من تلك الناحية غربا إلي برقة فأسس العديد من الزوايا في( جالو) و(اولجه) وتوغل غربا في طرابلس وتونس لنشر افكاره بين البدو وكانت تسبقه إلي تلك النواحي شهرته الدينية والعلمية فأقبل عليه شيوخ البدو وتسابقوا لإكرامه. وعندما عاد إلي برقة سنة1258 هجرية أسس زاوية كبيرة في الجبل الأخضر بالقرب من درنة وأطلق عليها أسم الزاوية البيضاء ولم يكن له حتي هذا العهد مركز ثابت لأنه كان كثير التجوال ينشر تعاليمه في كل مكان فأقام في الزاوية البيضاء واستقبل الزوار من كل مكان. بعيدا عن السياسة وكان أهم ما عني به مؤسس الطائفة السنوسية الدعوة إلي الحياة الدينية الطاهرة فلم يعمل لأن يكون زعيما سياسيا أو صاحب سلطة وكان في كل أعماله مثالا صالحا للتقوي التي دعا الناس إلي التحلي بها. ولم تكن له أخطار خاصة في الفقه أو آراء شخصية في تفسير قواعد الدين. وكان أكبر همه اتباع رجاله لقواعد الإسلام الحنيف, والشيء الوحيد الذي أضافه إلي العبادات الدينية دعاء وضعه وردده السنوسيون بعد ذلك وهو( حزب) علي نحو الأحزاب المعروفة بين طوائف الطرق الصوفية وليس فيها ما يناقض رؤية أئمة الفقه السابقين أو يزيد عما نزل به القرآن الكريم وإنما هو تعبير موافق لما جاء في محكم التنزيل. وقد جاء في كتابه إلي أهل واجنجه فقرة تبين الفكرة التي أقام عليها دعوته في سبيل رضاء الله وخدمة الدين وهي:( تنبيه الغافل. وتعليم الجاهل. وهدي من ضل سواء السبيل). وقد نهي عن حياة الترف كل من انضم إلي طائفته فمنع حيازة الذهب والجواهر إلا في حلي النساء. وحرم تدخين التبغ وشرب القهوة. ولم يأمر بطقوس أو فروض جديدة وإنما طلب إلي الناس أن يتبعوا قواعد الدين في أبسط مظاهره كما انزل الله علي رسوله الكريم.. فكرة قديمة إن فكرة الزوايا كما يقول الشيخ عمر راجح كانت موجودة في العالم الإسلامي قبل السنوسية بقرون حيث كانت الزاوية هي المكان الذي يجتمع فيه أتباع الطريقة القائمين عليها يتلون أورادهم وصلواتهم تقربا من الله عز وجل ليلا ونهارا منقطعين عن الناس والحياة, ولم يتطور تنظيمها ويتسع معناها واختصاصاتها وتظهر بشكلها الجديد إلا في عهد الإمام الشريف المؤسس الشريف علي السنوسي الذي قال في إحدي رسائله عن الزوايا( إنها بيت من بيوت الله ومسجدا من مساجده إذا حلت بمكان حلت فيه البركة والرحمة وعمرت بها البلاد وحصل النفع لأهلها لأنها ما أسست إلا لقراءة القرآن ونشر شريعة ولد عدنان), فالزاوية تجمع بين الرقي بالنفس وبين دراسة العلوم الشرعية ونشرها في مختلف المناطق وتعتبر مركزا للحياة الروحية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنواة الأولي للدعوة السنوسية.. أختيار اماكن الزوايا وبناء الزاوية غالبا يتم بناء علي طلب القبائل وتشبه في خدماتها الأديرة من حيث السكن والطعام والحدائق المحيطة وصناعة السلاح ودور الصلاة والتعلم, وغالبا ما تكون الزاوية بعيدة عن العمران وتتميز بمراكزها السياسية والتجارية والإستراتيجية فقد أقيم اغلبها علي طريق القوافل وتكون مرتفعة نوعا ما وتقوم علي أطلال البناء الإغريقي أو اليوناني أو بالقرب منها للاستفادة من أحجارها وأعمدتها في الدفاع عن الزوايا, وقد فضل السنوسيون أن يختاروا للزوايا الأماكن الصحراوية حتي يتحاشوا الاصطدام مع العثمانيين كما هو موجود في سيوة بصحراء مصر الغربية حيث جري نحت الزوايا والبيوت في الصخر, كما إنها غالبا تبني علي ربوة عالية مشرفة علي ما حولها ويراعي فيها المناخ الصحي والأراضي الخصبة والآبار وقربها من العيون وتحيطها بساتين الفواكه بالإضافة لمكانة الموقع الاقتصادي والسياسي, وقد كانت متفاوتة الأحجام فبعضها يصل إلي12 الفا و500 فدان وبعضها لا يتعدي أل2500 فدان وذلك بحسب عدد السكان. بقايا مدرسة سنوسية وتتكون الزاوية من نظام هرمي يتربع عليه( المقدم) وكان هناك( الدراويش) الذين يتولون التعليم كلا حسب طريقته فلما كثروا ظهر التنافس بين هذه الفئتين مما أدي بالمؤسس لإنشاء الجمعية السنوسية التي تقوم علي أساس ديني اجتماعي بين من خلالها مهام كل فئة تحديدا, يأتي بعدهم مجلس الخواص وهم لا ينتمون للأسرة السنوسية ولكنهم مجموعة صغيرة علي درجة عالية من العلم يعملون علي تعيين شيوخ الزوايا, ثم يأتي الإخوان وهم فئة يختارهم السنوسي من ذوي النفوس الصافية ويتولي تربيتهم وتعليمهم تحت معرفة شيخ الزاوية وكانوا من مختلف الجنسيات وينقسمون إلي أربع أقسام العلماء والمدرسين ومشايخ الزوايا والاحتياطيين وكل من اتبع الطريقة السنوسية وتمسك بوردها يعتبر من الإخوان وقد كان لهم دور بارز في إنجاح رسالة الزوايا السنوسية وإيصال دعوتها وتخليص الإسلام من الخرافات التي دخلت عليه من بعض الطرق الصوفية أو الدراويش كما إنهم كانوا يشكلون الجيش المكلف بالدفاع عن الأراضي الإسلامية, وأخيرا الوكيل وهو الذي يكلف بالشئون المالية للزاوية. من زعمائها عمر المختار ومما سبق ومن خلال نظام الزوايا وحدودها وتوزيع مخصصاتها ندرك أن الحركة السنوسية كانت منظمة غير عشوائية لها قيادة مركزية ومركز دعوي قائم بذاته كما أن الإطار التنظيمي الذي طرحه الإمام السنوسي يمثل القمة في تكتيك العمل في تلك المرحلة فاق به كل الحركات التي ظهرت في عصره. أما أهم وظائف الزاوية فكانت تتمثل في أنها مركز سلطة القبيلة ومركز لتحفيظ القرآن والقراءة والكتابة والحساب واللغة العربية ومن يبرز فيها من الأطفال يلحق بالزاوية الأم التي كانت بمثابة المعهد العالي الذي يكون فيه التعليم أكثر نظامية وعمق وشمولية كما يتعلمون فيها بعض الحرف وأمور القتال فكانت مستقبلا مركز جهاد ليبي ضد الغزو الايطالي. هذا هو النظام السنوسي بزواياه وطريقته الصوفية التي تطبق أفكاره الإسلامية بنجاح فكونت المجتمع السنوسي المتماسك الذي يهتم بشئون أفراده الدنيوية والأخروية, كما يظهر من خلال التطبيق العملي للطريقة الصوفية السنوسية تقيدها بالسنة المحمدية وبعدها عن انحرافات الطرق الأخري, فلا رقص ولا موسيقي وإنما ذكر هادئ خل من الحركات التشنجية وتوجه الجهد البشري للخير لذا يمكن لنا القول إن هدف هذه الزوايا كان نشر القرآن والشريعة الإسلامية السمحة. . ويعتبر مؤسس الحركة السنوسية الشريف علي السنوسي أول زعيم للحركة السنوسية وولد سنة1787 م, وتولي زعامة الحركة سنة1843م إلي ان توفي سنة1859 م. حيث و في التاريخ الحديث يعد شيخ المجاهدين عمر المختار ابرز زعماء السنوسية تولي زعامة الحركة السنوسية بصفة مؤقتة بعد السيد محمد الرضا بن محمد المهدي سنة1928م إلي سنة1929 م, وتوفي شيخ الشهداء رحمة الله عليه عندما تم أسره وشنق امام الناس بمدينة سلوق سنة1931 م بعد أن قاد المجاهدين الليبن ومنهم الكثير من اتباع السنوسية لمقاومة الإحتلال الإيطالي لبلادهم وقض مضاجعه وعجل برحيله.. وتعد واحة( جغبوب) في الصحراء الليبية بين مصر وطرابلس مركز الدعوة السنوسية, ففي هذه القرية التي كانت خاضعة لمصر حتي ثلاثينيات القرن العشرين كان يتعلم كل عام مئات من الدعاة, ثم يرسلون إلي كافة أجزاء أفريقيا الشمالية, دعاة للإسلام. وقد بلغت زوايا السنوسية الفرعية121 زاوية تتلقي من زاويتهم الرئيسية التعليمات والأوامر أمر الدعوة السنوسية التي أصبحت تضم المسلمين من جميع الأجناس. وانتشرت الدعوة السنوسية في أفريقيا الشمالية كلها, وقد امتدت زواياها من مصر إلي مراكش. ووصلت جنوبا إلي الصحراء في السودان والصومال وغربا إلي الجزائر وكذلك انتشرت الدعوة السنوسية في خارج أفريقية حيث وصلت إلي أرخبيل الملايو في الشرق الأقصي. وقد استطاعت السنوسية أن تنشر الإسلام في القبائل الوثنية الإفريقية وتؤسس المدارس التعليمة والزوايا. ولم يقتصر التعليم علي الذكور بل امتد التعليم إلي النساء والأطفال من الجنسين, واستعانت الدعوة بالنساء لنشر الإسلام بين نساء القبائل الوثنية. وقد تأثرت هذه الحركة الدعوة بالإمام أحمد بن حنبل وشيخ الإسلام ابن تيمية وأبي حامد الغزالي والشيخ محمد بن عبد الوهاب وحركته السلفية في مجال العقيدة. كما تأثرت هذه الحركة بالتصوف الخالي من الشركيات والخرافات كالتوسل بالأموات والصالحين ولها منهج متكامل للارتقاء بالمسلم.