مع نهاية سرده التفصيلي لقصة المفاوضات الصعبة مع دول منابع النيل, يضعنا وزير الخارجية الاسبق احمد أبو الغيط أمام حقائق خطيرة لا مهرب من مواجهتها, بعد ان تحولت دول المنبع السبع الي تكتل واضح يرفض الاعتراف بحقوق مصر التاريخية في مياه النهر. أول هذه الحقائق ان دول المنبع تتجه جميعها الي المزيد من التشدد, والمضي قدما في التوقيع المنفرد علي الاتفاق الاطاري الجديد لاستخدام مياه النيل, بدون دولتي المصب( مصر والسودان), وبدون ان يتضمن الاتفاق اي بند يضمن الامن المائي للدولتين.., ولهذا السبب تواجه مفاوضات مصر مع دول الحوض حائطا مسدودا رغم المحاولات العديدة التي بذلتها لمنع هذا الصدام, وثاني هذه الحقائق ان السبب الرئيسي لتعارض المصالح بين دول المنبع السبع ودولتي المصب, ان الاتفاق الجديد يركز اهدافه علي اعادة توزيع حصص المياه علي دول الحوض, بدلا من التركيزعلي التعاون المشترك بين هذه الدول لتعظيم ايرادات النهر المائية وتقليل فواقده الضخمة التي تضيع هدرا في مناطق المستنقعات, بما يمكن كل دول الحوض من الاستفادة بمياه النهر, خاصة ان ما تتحصل عليه مصر لا يزيد علي55 مليارا من اصل1600 مليار متر مكعب من الامطار تسقط علي دول الحوض. وثالث هذه الحقائق ان كل المحاولات التي بذلتها مصر لتطوير علاقاتها مع دول الحوض وتعزيز المصالح الاقتصادية والتجارية معها, لم تنجح في كسر عناد الموقف الاثيوبي الذي هندسه رئيس الوزراء الراحل مليس زيناوي, والموقف الاوغندي الذي يتبناه الرئيس موسوفيني الذي يعلن صراحة ضرورة ان تستعد مصر لقبول خفض في حصتها المائية, واخر هذه الحقائق ان مواجهة هذا الموقف تتطلب من مصر حزمة من الحلول, تبدأ بالسعي الي اقناع الدول المانحة بعدم تمويل اي مشروعات علي نهر النيل يترتب عليها اضرار استراتيجية بمصالح الاطراف الاخري, وتوثيق الروابط المصرية السودانية لان بعض دول المنبع تسعي لإبعاد السودان شماله وجنوبه عن مصر, خاصة ان السودان يمثل عمقا استراتيجيا مهما في حماية المصالح الحيوية لوادي النيل.., وفي جميع الاحوال لابد ان تتمسك مصر بضرورة استمرار الحوار مع دول الحوض, وتبدي مرونة كافية ازاء حقوق الدول الافريقية في الاستفادة بمياه النهر في توليد الكهرباء, لان اقامة سدود وخزانات لتوليد الكهرباء في مناطق في مسيس الحاجة الي الطاقة لا تؤثر علي الانسياب الطبيعي للنهر, ولا تشكل تهديدا لدولتي المصب, لكن المحظور بصورة مطلقة ان تقبل مصر اي خفض في حصتها المقطوعة والمحددة من مياه النيل مهما تكن النتائج. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد