هكذا علق أحد نشطاء البيئة الصينيين علي السحابة السوداء الكثيفة التي غطت سماء العاصمة بكين الأسبوع الماضي والتي أجبرت سكان العاصمة, المقدر عددهم بعشرين مليون نسمة, علي ارتداء الأقنعة الواقية بعد أن فاقت نسبة تلوث الهواء المستويات الخطرة التي حددتها منظمة الصحة العالمية بنحو35 مرة, فبعد سنوات مما وصف ب'هوس الصناعة' الذي أصاب الصين ومكنها من احتلال المرتبة الثانية كأكبر اقتصاد في العالم بعد الولاياتالمتحدة, يدفع الصينيون اليوم فاتورة ذلك التقدم الصناعي الذي لم يقم علي أساليب تراعي حماية البيئة حتي أصبح الإنتاج الغزير, والموت جراء التلوث وجهين لعملة واحدة في الصين. وشهدت بكين أوائل الأسبوع الماضي أعلي نسبة تلوث في تاريخها, حيث رفعت السلطات الصينية درجة التحذير إلي أعلي مستوي وطالبت السكان بالبقاء في منازلهم في حين استقبلت المستشفيات أعدادا مضاعفة من الحالات التي تعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي وتفاقم الغضب الشعبي من طريقة تعامل الحكومة مع المشكلة فانفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بالانتقادات, وخرجت وسائل الإعلام الرسمية عن صمتها وتحفظها المعتاد, وطالبت السلطات بضرورة اتخاذ خطوات عاجلة لحل مشكلة التلوث في البلاد, ويرجع الخبراء أسباب ارتفاع تلوث الهواء في الصين إلي عدة أسباب أهمها اعتمادها الزائد علي الفحم كأهم مصدر للطاقة, حيث يتزايد الطلب الصيني علي الفحم سنويا بنسبة5% ومن المتوقع أن تستهلك الصين4.3 مليار طن من الفحم بحلول عام2015 أي ما يعادل تقريبا نصف استهلاك الفحم في العالم, ومن بين الأسباب أيضا تزايد عوادم السيارات فقد وصلت أعداد السيارات في الصين عام2011 إلي180 مليون سيارة. ويموت مئات آلاف من الصينيين سنويا جراء الأمراض التي يتسبب فيها التلوث الهوائي وعلي رأسها الأمراض السرطانية, أما اقتصاديا, فقد تأثرت السياحة الأسبوع الماضي بسبب السحابة السوداء كما توقف الإنتاج في عشرات المصانع وأغلقت المئات من مواقع البناء, مما تسبب في خسائر مادية كبيرة. والأمر لايتوقف علي تلوث الهواء فحسب بل إن الصين تعاني أيضا من تلوث خطير في الماء والغذاء, وشهدت السنوات الماضية عدة فضائح مدوية لتلوث الأغذية منها لبن الرضع الملوث بالملامين والزيت المعاد تصنيعه من زيوت البالوعات والسماد المصنع من نفايات القمامة وغيرها. وكشفت دراسة لمجلة' الصحة الغذائية' الصينية أن أكثر من94 مليون شخص في الصين يمرضون سنويا من الأغذية الفاسدة, في حين تتسبب تلك الأمراض في مقتل8500 شخص سنويا, وجدير بالذكر أن أبرز الاحتجاجات الشعبية في الصين, ضد التلوث التي تزداد قوة و تنظيما يوما بعد يوم, مما يؤكد أن التلوث أصبح يفوق احتمال الشعب الصيني الذي تعود منذ سنوات علي الصمت تجاه قمع السلطات خشية التعرض لعواقب وأهوال مجرد ذكر كلمة احتجاج, ولهذا فإن بعض المحللين يتوقعون أنه في حالة استمرار تخاذل السلطات الصينية أمام قضية التلوث وما ينجم عنها من تدهور مستمر في الصحة العامة فإن الاحتجاجات الشعبية قد يتسع مداها وتفتح مجالا أكبر للمواطنين لكي يتعلموا كيف يعبرون عن رفضهم للأداء الحكومي لفتح طريق أمام بعض الديمقراطية في البلاد تماما كما حدث في تايوان عندما أشعلت احتجاجات التلوث الحس السياسي لدي المواطنين والذي دفع بعد ذلك الرئيس تشيانج تشينج كو إلي إلغاء الأحكام العرفية عام1987 لتبدأ بعدها عملية طويلة في التحول نحو الديمقراطية.