رائحة الحزن تفوح من مدينة الإسكندرية بأكملها.. صراخ هنا وعويل هناك, ونسوة اتشحن بالسواد, ورجال فقدوا فلذات الأكباد, وعرائس لقوا مصرعهم بيد الغدر واللامبالاة وأطفال اغتيلت براءتهم ودفعوا حياتهم للطمع وجمع المال.. الكارثة تلو الأخري بمدينة الإسكندرية والفجيعة تلحقها أخري.. ويخرج علينا المسئولون بتصريحات تغلي الدماء وتطير العقول ويذهب كل تصريح وكل وعد إلي حال سبيله بمجرد أن تهدأ العاصفة.. كوارث العقارات كثيرة وتنتظر المزيد خلال الشهور المقبلة بعد أن غابت الضمائر وخربت الذمم وضرب المقاولون وأصحاب العقارات بأرواح الأبرياء عرض الحائط واستمروا في تعلية العقارات الآيلة للسقوط, وبناء عمارات مخالفة لشروط البناء والنتيجة ضحايا بالجملة, ونحن في انتظار المزيد مازالت آذان المسئولين في صمت عن الحق والعدل. خلف حادث عمارة الموت بمنطقة الجمرك بالإسكندرية العديد من القصص والمآسي الإنسانية حالة من الحزن اعتصرت أبناء الإسكندرية لوقوع53 شخصا ضحايا انهيار عقار المنتزه والمكون من 10 طوابق, بل لأن هناك عقارات أخري تدخل في نطاق الخطة وصل عددها إلي19 ألف عقار مخالف في أحياء عروس البحر المتوسط المختلفة, ولأن المسلسل له حلقات تدور من منطقة إلي أخري كان آخرها انهيار عقار بمنطقة الجمرك راح ضحيته 12آخرون إلي أن دخل ذلك الحي في حيز ما يسمي المناطق المنكوبة لسقوط أكثر من عقار به من قبل عمارة الموت بالمنتزة والتي راح ضحيتها 28 متوفي و10مصابين, ومستقبل أطفال وأرامل أصبح دون ملامح بعد أن باع ملاك العقار ضميرهم وقاموا ببيع الشقة الواحدة بثلاثين ألف جنيه علي الرغم من أن سعرها الفعلي بالمنطقة المجاورة ما يزيد علي المائة ألف جنيه بعد أن اكتشف وجود عيوب في شبكة الصرف الصحي الخاصة بالعمارة.. أيضا حدوث شروخ في الأعمدة لعدة طوابق, وعندما تقدمه له السكان بطلب مشاركتهم في عملية الترميم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه رفض وتركهم يواجهون مصيرهم الذي انتهي بكارثة حصدت أرواح28 منهم مصرع عروسين بعد أسبوع من الزفاف حالات إنسانية تدمي لها القلوب قبل العيون ومنها عروسان قاما بتجميع تحويشة العمر وأعطاها لصاحب العقار المنكوب حتي يدخل بعروسته الأسبوع الماضي ولم يكن العريس اسمه كريم يعلم أنه اشتري مقبرة الزوجية بدلا من أن تشاركه الحياة شاركته الممات. وفاة روجينات وأحمد ونجاة مؤمن الطفل مؤمن بدلا من أن يذهب لأداء امتحان الصف الأول الإعدادي مثل أقرانه أصيب بكسور وأمه الثكلي تجلس بجواره بعد أن فقدت ابنتها روجينا وشقيقها أحمد, حيث كانوا في زيارة جدهم وخالهم بالطابق الثامن بالعقار المنكوب ولم ينزلوا منه إلا جثثا مشوهة قتلهم غدر الجشع والطمع في جمع المال في جيوب مقاول وشركاه في الجريمة. أشرف لا يعلم وفاة ابنته الوحيدة حالة أخري تحمل مأساتها يقوم أطباء مستشفي تأمين طوسون بكتمانها عن صاحبها أشرف ربيع( بائع), كما تقول زوجته, حيث إنه جاء من منطقة الدخيلة لشراء شقة رخيصة قريبة من عمله بأبوقير, وتوفيت ابنته تحت الأنقاض وهو لا يعلم هذا الخبر وينتظر زيارتها له في المستشفي.. ويروي أشرف ربيع لحظات الموت والرعب والدمار التي عاشها مع أفراد أسرته وسكان العقار المنكوب, ففي فجر الأربعاء الماضي ارتفعت أصوات المآذن.. الله أكبر.. الله أكبر, وما إن توجه المصلون إلي المساجد المجاورة لكل منهم تلبية لنداء الحق.. اخترق السكون صوت مدو اهتزت له القلوب.. البعض ظن أنها من صواعق الأمطار وآخرون لم يفكروا في الزلزال.. إلا أن هناك حقيقة واحدة وهي في شارع الريحان بمنطقة المعمورة البلد بحي المنتزة الراقي شرق الإسكندرية, حيث هرع العشرات من السكان خارج العقارات لتأتي المفاجأة عندما فاجئ الجميع بانهيار عقار مجاور لهم وتحول إلي كومة من التراب المختلطة بالجثث والأحياء يستغيثون.. وآنين آخرين علي قيد الحياة ينتظرون بصيص أمل النجاة من الموت بعد أن توقفت أصواتهم وسد أفواههم الرمال التي أحاطتهم من كل جانب انتظارا لرجال الحماية المدنية, فهم الأمل والفرصة الأخيرة للحياة, وكلابهم البوليسية المدربة علي البحث عن الأشخاص تحت الأنقاض. ويبدأ رجال الحماية المدنية يتعاملون مع الموقف, إلا أن المعدات الثقيلة غير كافية, وفي تحرك أبناء البلد يخطف اللواء مدحت قريطم مدير الإدارة للمرور بنفسه إلي منطقة مجاورة ويقابل بعض المقاولين ويدور بينهم حوار أبناء البلد: يارجالة أنا عارف انكم من أحسن الناس.. وأن معدنكم الأصيل يظهر في الشدة.. ياريت كام لودر يساعد في رفع أنقاض عقار انهار قريبا منكم. تم ضبط المتهمين والمتهم الثالث متوفي باخوم, وفي الصباح تم تقديم المتهمين للنيابة التي قررت حبسهما بتهم القتل والإصابة الخطأ.. ويبقي الحال علي ما هو عليه انتظارا لأخطاء وتجاوزات أخري وكوارث لعمارات باع أصحابها ضمائرهم وفقد مسئولون مسئوليتهم وشرعيتهم أمام الله والناس.