كثيرة هي الأزمات والمحن التي مرت بها مصرعلي مدي تاريخها الحديث والمعاصر. وأكثر منها الضغوط والتحديات التي واجهتها حياة المصريين, ووجودهم, ولحمتهم الوطنية وهي الضغوط نفسها التي انعكست علي بقية الأمة مهما يكن امتدادها الحضاري والجغرافي وإن اختلفت الأزمنة, إلا أن الأمر لم يصل فيما سبق إلي ما بلغته الأمور اليوم باستهداف لحمة المجتمع المصري باعتبارها الحافظة للأمة وحائط الصد الأخير... إن ما نراه ونعايشه الآن في المجتمع المصري من تقويض,وتقسيم, تحت شعارات ومسميات متعددة يصب باتجاه الانقسام إلي فريقين في البداية, ثم التفتت إلي فرق متجادلة, ثم مشتبكة في صراع فكري حاد, ثم عنيف مع غياب وتغييب اي قواسم مشتركة... والأمر المؤكد ان ما يحدث الآن ليس وليد فراغ بل نتاج تنمية التخلف والفقر داخليا,والعمل الخارجي المنظم والممتد الذي وجد ضالته في انفراط العقد القيمي للمجتمع الذي انفلت تحت مسميات منمقة محصلتها باتت واضحة.... ان الأمر ليس تكريسا لنظرية المؤامرة بقدر ما هو تأكيد لحقيقة واقعة وهي أن ما كنا نعتبره قبل سنوات أو عقود أوهاما في أذهان الأعداء وعلي الورق فقط, ولن تتحقق, باتت الآن واقعا نعايشه ونعاني منه, وكل يوم ينجز الكثير وتتجسد الخطط بأيدي الكثيرين منا, وأحيل القارئ إلي مئات الدراسات والتقارير بل والمخطوطات التاريخية التي استهدفت الأمة قديما, ثم مثلها الموجود الآن والذي يطرح التصورات والسيناريوهات لتقسيم فلسطين, والعراق, ومصر, والسعودية, وليبيا وغيرها من الدول التي أصبحت أداة لتنفيذ مخططات التقسيم والتفسيخ في نظيراتها, وهي مستهدفة بالأمر ذاته!, وبالرغم من أن الأمور معلنة وموثقة, فإن شهوة السلطة والصراع السياسي لدي القادة السابقين وللأسف الجدد فإن الأمور سارت وتسير بما يريد الأعداء وضد مصلحة الدين والأمة, وإن تحدث الجميع باسميهما, وحتي نكون علي بينة من الأمر فإن الشعوب والسياسات لا تدار بالنيات الحسنة لأن الأمر بلغ مرحلة أنه لامجال للتجربة,وهو ما لا يعفي أيا من القائمين علي الأمر... اي أمر في أي مكان.... لأن ما يحدث الآن هو تجريف لجميع المؤسسات التي تمثل الدولة والمجتمع الحديث وإشاعة لثقافة الهدم...أي هدم باعتباره هدفا. وعند الحديث عن البناء فالأمر محل اختلاف بين جميع الأطراف, ليدخلوا في صراع اعتادوا عليه... خلافا علي البناء الذي لن يتم ليستمر الهدم والقسمة, والاقتسام, والصراع, هذا يترافق بالتأكيد مع شح الموارد وغياب التنمية وتكريس الفقر واغتيال أي صوت للعقل وتكميم الأفواه وهي مرحلة أخري, وسط حالة من الانتقال من صراع إلي آخر تختلف أدواته, وعلي رأسها الدين والاستناد الي هذا الرأي وتلك الفتوي من علماء الأمة الجدد, وعلي القارئ أن يتخيل الأمر, ولماذا يتخيل بل فقط يتابع, الفتاوي التي تتغير بتغير المواقف والمصالح, فبعد أن كانت الاجتهادات والمذاهب لتيسير الدين وتسيير حياة الناس, أصبحت الآن معولا لهدم الدين بأيدي الجهلة المتصدين للعمل العام والمتصيدين للمصالح أسماء وعناوين متعددة, إن الأرضية الآن كما يري فلاسفة الفتن وخبراء التقسيم والتفتيت,باتت مهيأة تماما, وناضجة للدخول في مرحلة أخري وهي أن كل الحلفاء في بلاد مايسمي بالربيع العربي سيدخلون في صراعات والجميع سيطرح نفسه باعتباره الأكثر تضحية والمستحق للولاية ويطلبها للاصلاح من وجهة نظره, وهي مرحلة ما يمكن تسميته بفقه الفتن, وهوالفقه الأسود القادم من خارج جسد الأمة ونمي بطرق كثيرة وقديمة بقيادةداخلية وخارجية من فقهاء يرتدون ثياب الدين حينا, وثيابا أخري أحيانا, ينفذون بعلم أو دون علم مخططات, عنوانها الإصلاح وجوهرها الإفساد, ولسنا نقول إن الجميع ينحدر في الاتجاه نفسه بل هناك الكثيرون الذين يعملون للتوافق والتصالح باعتباره الخطوة الاولي نحو الاصلاح وحقن الدماء بناء للمجتمع القوي الصامد امام الفتن الداخلية, المتصدي للمخططات الخارجية...