عندما ينتهك الوطن ولا يبقي منه الا صدي للكلمات علي الشاشات, وفي قصاصات الصحف.... عندما يغيب الولاء ويحضر غيره من المسميات.. . عندما ينهار الانسان ظلما وقهرا وكمدا من اي وضع كان... عندما تفتح الابواب أمام المحرمات وتغلق امام الشرفاء والعقلاء وتسفه التضحيات... وعندما يحل الجدل والاطماع وتفسيرات الفقهاء, وتترك الامور علي مجرياتها بلا عقل او تفكير ليحل التخلف والتشرذم والصراع فانها الوصفة السريعة لضياع الاوطان... وربما لم يشهد العالم علي اتساعه جغرافيا و عمقه تاريخيا تجسيدا لضياع الاوطان الا في منطقتنا التي تعرف الان بالمنطقة العربية... فضياع الاوطان جزء من تكويننا وربما من جيناتنا, وقد كانت اولي مراحله في الاندلس العربي ثم الانكماش العربي لصالح هويات ومشروعات اخري سواء في اوروبا العربية او في آسيا العربية الاسلامية في فارس وغيرها من بلاد ماوراء النهر, وصولا الي مأساة فلسطين, ثم كارثة العراق, انتهاء وليس نهاية بتقسيم السودان وما ينتظر سوريا من مصير مجهول وغيرها من دول المنطقة, ورغم ان التراث العربي الحي بالقصص التاريخية, والاشعار, وميتا باسماء مدن طمست هويتها وغيرت اسماؤها حافل بما هو اكثر من ان يحصي, الا ان الامر يبدو انه لم يكن ليذكر او ينبه أبواق الفكر ودعاة العقل من الساسة والفقهاء والمفكرين الجدد الذين ظهروا ولا هم لهم الا الحصول علي نصر في وطن يتهاوي وامة تحتضر بايدي من يدعون الانتماء اليها او الي عقيدتها السمحة... لقد عايشت تجربة ازعم انها من اقسي ما يمكن ان يعايشه اي انسان لديه انتماء وطني واو ديني او انساني او مهني, وهي العمل لفترة تتجاوز الثلاث سنوات كمراسل صحفي في العراق حفلت بكثير يعرف القارئ بعضه... والتي ترجمت في الكثير من المقالات والكتب هي طلقات تحذيرية لتجنب الوقوع في سيناريو مشابه في مصر او غيرها, والامر الذي لا شك فيه ان حالة الاستقطاب والصراع السياسي واحياء النزاعات واختلاق الخلافات وشق صف البيت المصري الواحد تحت عباءة من الجهل والتخلف لتمزيق الجسد المصري, ثم حشد الحشود والجموع في معارك كلامية ثم معارك شبه حربية ليسقط الشهداء وبأيدي من؟! بأيدي مصرية وعلي ماذا ولحساب من ؟... ان الامر اكثر من خطير فالشأن الداخلي تحول الي صراع, والثورة تحولت إلي شيئ آخر والشك والخوف والتخوين بل واباحة القتل اصبحت أمرا نخاف ان يتعوده المصريون, هذا في الوقت الذي تعمل فيه وعبثت وتعبث أيادي وأموال خارجية, وبأيدي وبأدوات مصرية سواء بعلم أو بغير علم لتحقيق خطط ومخططات تتجاوز الصراع والخلاف السياسي الدائر الان الذي تحول بفضل( عقلاء السياسة) وحكماء المرحلة الي صراع بين المصريين, وقد يري البعض ان الامر عابر لاننا لسنا العراق او سوريا ولكن من ينظر إلي الامور من الداخل والخارج لابد ان يتأكد من اننا يتم الدفع بنا الي سيناريو مشابه وربما اسوأ خاصة وان هناك الكثير من المؤثرات والمؤشرات التي تؤكد ذلك وهي كثيرة ويمكن لاي متابع ان يقرأها بين السطور او من خلال المتابعات لاحداث يومية قد يراها البعض انها عادية... ان مصر الان ازعم انها باتت مهددة في وجودها الاقليمي بعد ان اهتز امنها وسلامها الاجتماعي وسادت قوانين تقنين الفوضي, هذا التهديد المتعدد المصادر,المتنوع الانتماءات, لا تبرره النيات والمقاصد الحسنة لان الامر في النهاية يؤدي الي نتيجة واحدة, لقد قرأنا وسمعنا عن الكثير من الخلافات والاختلافات داخل الامم والشعوب القديمة ووصل الينا ان تمزقها كان نتيجة لها, والامم الناجية الحية بعقلاءها هي الناجية من المصير المحتوم, اما ان يغيب العقلاء, و يتعاقل السفهاء والغلاة في بلد مثل مصر بتاريخها وتكوينها الفكري والثقافي والتاريخي ويمرحون فسادا, كل من منطلقاته واعتمادا علي انصاره من هذا الفصيل, او هؤلاء الاتباع في غياب وانهيار منظومة القانون اي قانون فهي بلا شك الوصفة السريعة التي أثبتت فاعليتها في ضياع الاوطان.