ولدت في أسرة عرفت طريقها إلي المشكلات الأسرية قبل خروجي إلي الحياة, وتفتحت عيناي علي الدنيا علي هذه المشكلات, وعندما بدأت أعي ما حولي سمعت من أمي الكثير عن خلافاتها مع عائلة أبي. فلقد عاملوها معاملة سيئة, وكثيرا ما حاولوا انتزاعه منها حيث إنه العائل الوحيد لهم.. ولا أخفيك سرا انني عذرتها علي قطيعتها لهم لما كنت أسمعه من أهوال ارتكبوها في حقها منذ زواجها من أبي لدرجة أنهم لم يتركوهما ينعمان بشهر العسل مثل كل العرسان والعرائس. وهكذا كبرت وترعرعت في هذا الجو المليء بالعواصف والرياح العاتية وشاء القدر أن أكون الذكر الوحيد في أسرتي, فجميع أخوتي بنات, ولذلك احتللت مكانة خاصة في البيت, ودللتني أمي كثيرا, وذللت لي كل المشكلات, وعاملتني معاملة خاصة دون شقيقاتي الإناث, وأغدقت علي من الأموال دون حساب. والحقيقة أنني لم استغل حب أمي وتدليلها لي في أي فعل خاطئ وارتبطت بها كثيرا, وزاد عطاؤها لي, وواصلت تفوقي في الدراسة وأقبلت علي حياتي العملية بشغف والتحقت بإحدي الهيئات المرموقة واستقرت أحوالي المادية إلي حد كبير. ودق قلبي لفتاة رقيقة مهذبة من محيط أصدقائي, وحدث بيننا تفاهم كبير, وحادثت والدتي في رغبتي في الزواج منها, فلاحظت ابتسامة عريضة علي شفتيها, وباركت فكرة ارتباطي, وقدمت لي مبلغا كانت تدخره لي.. وشجعتني علي التقدم إلي والدها لطلب يدها فأسرعت إلي بيتهم والتقيت بهم ورحبوا بي كثيرا وفي الزيارة الثانية حضر معي أبي وأمي وقرأنا الفاتحة ولم يمر شهر واحد حتي عقدنا القران, وأصبحت في سباق مع الزمن لكي أجهز بيت الزوجية وبدأت أغيب عن المنزل فترات طويلة وانصرف اهتمامي إلي خطيبتي تدريجيا.. ولم يعد علي موعد الزفاف سوي أيام,, ولكن حدث فجأة ما لم يكن في الحسبان إذ تبدلت أمي تماما وأصبحت إنسانة أخري لم أعرفها من قبل, وراحت تعدد لي مساوئ أسرة فتاتي مع ان كل ماذكرته مجرد خلافات عادية تحدث عند الزواج ويتداركها الطرفان علي خير دون أن يتوقف عندها أحد, لكنها ركزت عليها ومع كل يوم يقترب موعد الزفاف تزداد أمي ثورة في غضبها علي خطيبتي وتفتعل معها المشكلات, لدرجة أنها المحت لي بأن أطلقها بل واتصلت بأحد المحامين وسألته عن الإجراءات اللازمة لإتمام الطلاق!, ونسيت أن الزواج سنة الحياة.. وأن ما تفعله الآن هو نفس ما شكت منه بعد زواجها ولا أدري كيف أرضي أمي وأهدئي روعها واحافظ علي علاقة مستقرة لها مع زوجتي فيما بعد ؟ ولكاتب هذه الرسالة أقول: علينا أن نسلم بأن الخلاف في الرأي بين أهالي الزوجين حول الأمور البسيطة أمر معتاد نسمعه كثيرا في كل زيجة دون أن يمس جوهر العلاقة بين الطرفين, لكن إذا تطور الخلاف إلي مسائل عميقة فقد يكون من الصعب التغلب عليه.. وهنا يجب التوقف لمراجعة كل شيء بدقة قبل اتخاذ قرار الطلاق! لقد تحدثت في رسالتك عن خلافات بسيطة تتعلق بترتيبات الزواج ولوازمه, ولا أراها سببا لكي تطلب والدتك منك الانفصال عنها بل وتتصل بمحام لكي تبدأ التنفيذ! وأقول لها: تذكري مافعله أهل زوجك معك, وكيف أنك كنت بريئة من كل التهم التي حاولوا الصاقها بك لدرجة أنهم أحالوا حياتك إلي جحيم وتذكري الليالي الحالكة التي عشتها في كنف من لايرحمون, وقارني حالك بحال, ابنك الذي تحاولين إرغامه علي شرب كأس المرارة الذي عانيته, وستجدين في النهاية أنك المخطئة وأنك تغافلت عن كل جميل موجود في فتاة ابنك, وصببت جام غضبك عليها لأمور تافهة لاتستحق الذكر, فافرحي بابنك ياسيدتي, وباركي سعادته بعروسه ومدي لهما يد العون والمساعدة لكي يثبتا أقدامهما في الحياة. أما أنت فعليك ببر أمك والحرص علي زيارتها والسؤال عنها لكي لاتشعر بأن هناك من أخذتك منها, فمن حقها عليك أن تكون قريبا منها وأن تقلص المسافات بينكما, وألا تعتبر لحظة انتقالك إلي منزل الزوجية لحظة فراق, وإنما اعتبرها لحظة تواصل جديدة مع أسرتك, وإياك والثرثرة في المسائل المتعلقة بك وبزوجتك فمعظم النار من مستصغر الشرر! أما عروسك فأنصحها بأن تتجاوز عن هفوات والدتك التي تظهر عادة في بداية الزواج ثم لاتلبث الأحوال أن تتحسن شيئا فشيئا, وتسير سفينة الحياة.