احتجت وقتا اطول كي استوعب بعض ما جاء في هذا الكتاب الجميل شديد العمق(الإنسان الحرام), الذي اصدره د. منصف المرزوقي رئيس جمهورية تونس, ليقدم فيه قراءة نقدية للاعلان العالمي لحقوق الانسان في ضوء مشكلات عالمنا المعاصر, تذخر بتجارب انسانية شائقة ورؤي عميقه وتحليل دقيق, تحصل عليه الكاتب من طول عمله كناشط سياسي في مجال حقوق الانسان, يملك معرفة عميقة بأحوال النفس البشرية, وقدرة مدهشة علي سرد افكاره, والغوص البعيد في اعماق النص الي ان يصل الي جوهر مبناه ومعناه. والكتاب علي صغر قطعه عظيم الفائده,يفكك نصوص الاعلان العالمي لحقوق الانسان وينزع عنها القداسة, ويظهر صيغتها التوافقية حول الحقوق السياسية والاقتصادية للانسان التي تقوم علي التراضي والحلول الوسط وتجمع كل البشر, الديمقراطيين والاشتراكيين والمستبدون والمستعمرون والمستضعفون, وابناء الجزر والقبائل والسهل والجبل والريف والحضر, تلزم ضمائر الجميع الاعتراف بضرورة الوفاء بالحاجات الدنيا لانسان هذا العصر التي تشمل الغذاء والملبس والسكن والصحة والتعليم وحقه في الكرامة والمشاركة في تقرير مصيره.., تلك الحقوق التي بدونها يصبح الانسان ناقصا ومشوها وشقيا, تحركه دوافع التمرد والغضب وتحفزه الي ضرورة تغيير واقعة حتي إن اضطرالي اللجوء الي العنف! وفي ثنايا هذا الكتاب الجميل نسبح مع الكاتب في عمق معاني الكرامة الانسانية ولماذا هي اصل كل الحقوق ومصدرها, وفي هذه الثلاثية التي تجمع بين الحق والواجب والقانون, وتشكل مظاهر مختلفة للصراع الازلي حول النادر والصعب المنال, وفي طبيعة العلاقة المعقدة بين الانسان الضحية والانسان الجلاد, كما نطوف بشخوص تاريخية عديدة نصبت للبشرية ممالك للخوف والرعب ومحاكم التفتيش, ونفتح عيوننا علي سلطة الدولة الحديثة التي تسربت بكثير من الهدوء والصمت الي الشركات والاحتكارات الكبري عابرة القارات التي تتحكم في اقتصاديات العالم, وتلوث البيئة وتنسف المناخ وتشارك في جرائم ابادة جماعية للجنس البشري الذي يتحول في معاملها ومصانعها الي فئران تجارب, دون ان يمثل اقطابها امام المحاكم الجنائية الدولية شأن السياسيين, لكن المرزوقي ينتهي الي ان هذا النص المتعلق بحقوق الانسان, الذي طبخ في قاعات تعبق برائحة العرق والسجائر والقهوة وعطر النساء, وخرج من مساومات طويلة ومملة لممثلي عدد من الاممالمتحدة في اربعينيات القرن الماضي ولا يتجاوز حجمة اربع صفحات ويحتوي علي1356 كلمة تشكل ثلاثين مادة تنتظم في166 سطرا, هو قارب النجاة للبشرية جمعاء, يستوجب من كل مواطن عالمي ان يحرس بنوده ويلزم نفسه بها ويلزم غيره, ويسعي الي تنفيذها اليوم قبل الغد, ليس بهدف ان تتحقق المدينة الفاضلة الحلم المستحيل, ولكن كي نعيش في عالم افضل نسبيا واكثر امنا واستقرار. المزيد من أعمدة مكرم محمد أحمد