مخزونات النفط الأمريكية تنخفض بشكل حاد مسجلة أكبر انخفاض لها في عام    تستغله إسرائيل عسكريا.. إيران تقطع خدمات الإنترنت بشكل كامل في جميع أنحاء البلاد    وزير خارجية الكويت: نأمل في خفض التصعيد بالمنطقة وجهودنا الدبلوماسية لم تتوقف    رسميا.. كوكا يغيب عن مباراة الأهلي وبالميراس في مونديال الأندية    النيابة تُجري تفتيشًا لمركز إصلاح وتأهيل القطا العمومي    آخر موعد لتقديم مرحلة رياض الأطفال KG1 في القليوبية (الشروط والأوراق المطلوبة)    أسامة كمال: حديث نتنياهو عن امتلاك إيران لسلاح نووي قديم ومكرر منذ 2011    «بتوع مصلحتهم».. الأبراج الثلاثة الأكثر نرجسية    هل يجوز للزوجة زيارة والدتها المريضة رغم رفض الزوج؟.. أمين الفتوى يجيب    ما الفرق بين القرض والتمويل؟.. أمين الفتوى يجيب    تأجيل محاكمة متهمي نشر أخبار كاذبة    حكاية عامل صوَّر السيدات داخل دورة المياه في كافيه بالدقي    الأهلي يرد على العرض الأمريكي لضم وسام أبو علي.. شوبير يكشف    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في جنوب غزة    يوليو المقبل.. حميد الشاعري و3 فنانين يجتمعون في حفلة بالساحل الشمالي    جامعة الأزهر ضمن أفضل 300 جامعة بالعالم وفقًا لتصنيف US NEWS الأمريكي    نكران الجميل.. عامل يقتل رب عمله ويقطع جثته إلى أشلاء بغرض سرقته    الشيخ خالد الجندي: استحضار الله في كل الأمور عبادة تحقق الرضا    خالد الجندي: «داري على شمعتك تِقيد» متفق مع صحيح العقيدة فالحسد مدمر (فيديو)    الجبهة الوطنية يقرر إرجاء المؤتمر الجماهيري بالقليوبية    بعد شائعات الخلاف مع ميدو.. عبد الواحد السيد يكشف ل"أهل مصر" كواليس طلبه الحصول على إبراء ذمة مالية    وكيل شباب الفيوم يستقبل لجنة هيئة تعليم الكبار لتفعيل مبادرة "المصريون يتعلمون"    «فات الميعاد».. صفع متبادل بين أحمد مجدي وأسماء أبواليزيد ينهي الحلقة الخامسة    مينا مسعود يروج لحلقته مع منى الشاذلي بعد عرض فيلمه «في عز الضهر» (مواعيد وقنوات العرض)    ننشر موازنة اتحاد الغرف السياحية.. 54 مليون جنيه إيرادات و26 مصروفات    الرئيس الصيني: يحيط بإيران 20 قاعدة أمريكية بينما يحيط بنا 300    أستاذ علوم سياسية: إسرائيل تمارس «هندسة إبادة جماعية» بحق الفلسطينيين وسط صمت دولي    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع سترة السكني    خالد الجندي يوضح الفرق بين قول "بإذن الله" و"إن شاء الله"    رئيس الرعاية الصحية والعلاجية يتفقد منشآت فرع الإسماعيلية    بعد الإقلاع عن التدخين- إليك طرق تنظيف الرئتين من النيكوتين    نقيب المحامين يحذر حكومة الانقلاب : «الرسوم القضائية» غير قانونية وتمثل عبئًا غير محتمل على المواطنين    مان سيتي ضد الوداد.. عمر مرموش يقود تشكيل السيتي في كأس العالم للأندية    مشروعات تعليمية جديدة في قويسنا ومنوف لدعم المنظومة التعليمية    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر2025    إيران تمدد تعليق الرحلات الداخلية والدولية حتى فجر غد الخميس    بيراميدز يقترب من خطف صفقة الأهلي والزمالك (تفاصيل)    رامي جمال يكشف عن فريق عمل ألبومه الجديد "محسبتهاش" وهذا موعد طرحه    الحرب الإسرائيلية الإيرانية تنعكس على الفاعليات الثقافية    ضبط 15 ألف عبوة مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك الآدمي بكفر الشيخ    منتخب مصر يفوز على السعودية في افتتاح بطولة العالم لشباب اليد    محافظ الأقصر يتفقد المرحلة السابعة من مشروع «سترة» بعد تسليمه للمستفيدين    الحكومة توافق على إنشاء منطقة جرجوب الاقتصادية    حصريا ولأول مرة.. قناة النيل للأخبار في هيئة الرقابة النووية المصرية    تعرف علي ضوابط إصدار تراخيص إنشاء المواقع الإلكترونية    مدينة الدواء تطلق الموجة الثانية من برنامج Partners في الزقازيق    تقديم خدمات طيبة علاجية مجانية ل 189 مريضا من الأولى بالرعاية بالشرقية    ضبط 79 مخالفة تموينية متنوعة خلال حملات مكثفة على الأسواق بالفيوم    فليك يجتمع مع شتيجن لحسم مصيره مع برشلونة    محافظ القليوبية يعقد لقاء المواطنين الأسبوعي للتواصل معهم وحل مشاكلهم بشبين القناطر    الأمم المتحدة تدين إطلاق النار على مدنيين يبحثون عن الطعام في غزة    بعد الموافقة النهائية من «الإسكان».. تفاصيل عقود الإيجارات القديمة التي تطبق عليها التعديلات    الصحة: إصدار أكثر من 18 مليون قرار علاج على نفقة الدولة خلال 5 سنوات    الأرصاد تكشف عن ارتفاع درجات الحرارة ابتداء من الجمعة    وكيل لاعبين: الزمالك أهدر 300 مليون جنيه من صفقة انتقال "زيزو" ل نيوم السعودي    كاد يكلف صنداونز هدفا.. تطبيق قانون ال8 ثوان لأول مرة بكأس العالم للأندية (صورة)    ترامب يختتم اجتماعه بفريق الأمن القومي الأمريكي وسط تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران    أطفال الغربية تتوافد لقصر ثقافة الطفل بطنطا للمشاركة في الأنشطة الصيفية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأملات
عادل امام في قبضة طيور الظلام‏!‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 10 - 07 - 2012

رأي عادل إمام‏,‏ كفنان حقيقي‏,‏ أن أعمق ما في الإنسان هي روحه‏,‏ وأجمل ما في الحياة تلقائيتها فدافع عن كليهما ضد التجهم والقسوة‏, وإن تسترا بلباس دين أنزل رحمة للعالمين قبل أن يحيله المتعصبون سوطا لجلد الآخرين, إنه ذلك الصراع الأزلي بين إدراكين نقيضين للإيمان: أولهمارائق يري الدين حالة روحانية وجسرا وجوديا يربط عالم الشهادة بعالم الغيب, يدفع بالروح الإنسانية إلي تجاوز نفسها والتعالي علي ضعفها عبر ذلك الشعور العميق بالتواصل مع المقدس وما يكفله من طمأنينة للنفس, وتساميا علي الغرائز, وتناغما مع المباديء الأساسية للوجود, علي نحو يزيد من اليقين الإنساني في الحضور الإلهي في العالم, وفي العناية الإلهية بالمصير الإنساني علي الأرض, وهنا يصير الدين جسرا حاضنا لبني الإنسان, مؤسسا المثل العليا للضمير البشري كالحق والحب والخير والعدالة.
وثانيهما ( زائف) يأخذ من الدين مظهره دون جوهره, يراه استثمارا سياسيا لا رقيا أخلاقيا,إذ يتعرف مدعي التدين علي نفسه كنقيض ضروري للآخر, في سياق نفيه والتنكر له إلي درجة استباحة وجوده, وربما الاستمتاع بالرقص علي أشلائه, وهنا يصير الدين نصلا في يد الشيطان, يثير الأحقاد ويذكي الصراعات, يثير الناس, ويفجر الأوطان.
في الدين (الجسر) يصير الإيمان وسيلة مثلي لإنماء العوالم الداخلية للإنسان, وفي قلبها الحب كملكة ينفتح من خلالها علي الآخرين, يتعرف عليهم ويتعاطف معهم.والفن كملكة يتمكن بها من التعرف علي نفسه والوجود من حوله, بتذوق المعاني الأعمق في سيرنا البشري الطويل, فالفنون علي تعدد أشكالها, تعكس قدرة مبدعها علي رصد وتكثيف المعاني التي توصلنا إليها في ثقافاتنا المختلفة بتأثير تجاربنا الخاصة أو المشتركة, تلك التي تنبع من قلب تجربتنا علي الأرض, أو تلهمنا إياها معتقداتنا السماوية المقدسة, ففي كلا المصدرين ثمة مثل تجمعنا, وفضائل تلهمنا, ومعان نهائية نجمع عليها, يصوغها الفن في لوحات تشكيلية ومقطوعات موسيقية, وكتل نحتية لا تخلب أبصارنا وتشجي آذاننا فقط, بل تضعنا دوما وبشكل كثيف أمام حقيقتنا الإنسانية في سياق جمالي غير وعظي, يطلق أعمق تخيلاتنا. وهكذا يتشارك الدين والفن في صوغ إنسان قادر علي الانفكاك من وعاء الجسد بكل غرائزه, والتسامي إلي فضاء الروح بكل ممكناته, حيث يتعانق الجميل والجليل, تجاوزا للتناقض الظاهري بينهما.

أما في الدين (النصل), فيصير التناقض حتميا مع باقي عوالم الإنسان الداخلية, أو الجوانية, التي هي منبع أمله وألمه, فرحه وحزنه, قلقه وتوقه. ففي هذا النمط الزائف من التدين لا معني للحب إلا إذا كان موجها نحو الله وحده, وعبر أشكال من التزمت تفضي إلي كراهية الآخرين, والقسوة عليهم, رغم أنه لا حب حقيقي لله إلا بحب خلق الله, لأنه جل شأنه غني عنا, يسمو علي وعينا وإرادتنا, ولا معني لحبنا له حقا إلا إذا مس هذا الحب مخلوقاته. ولا معني كذلك للفن, الذي يصير لدي المتدين الزائف علامة علي الإنحلال, وقرينة علي الدنيوية, وربما وصمة تشي بالوثنية, إذ يعبر عن عوالم وينتج معاني غير موجودة في الكتاب المقدس الذي لا يفهم المتدين الزائف سوي نصه, فيما يعجز عن بلوغ روحه, ولا يدرك معني رسالة الاستخلاف الإلهي للإنسان المضمنة في ثناياه, وهي رسالة تدعو الإنسان إلي خلق معانيه الصغري التي تلهمه وتوجه حركته وتغذي أشواقه, مادامت لا تصطدم بالغاية الأساسية للوجود, تلك التي يوحي بها الله إلينا ويبثها في ضمائرنا, ويجازينا فقط إذا ما انحرفنا عنها, ولكنه يؤجرنا مرتين فيما لو سعينا سعيا ناجحا في اكتشافها ومعايشتها بأرواحنا, ومدها إلي داخل عوالمنا عبر أساليب ومن خلال أدوات تستجلي واقعنا, يأتي الفن في قلبها, ليجسدها ويضيف إليها. كما يؤجرنا, جل شأنه, مرة واحدة علي الأقل فيما لو قطعنا هذا الطريق فأخطأنا القصد, لأن السعي ضرورة حتمية تقتضيها رسالتنا علي الأرض, بينما النجاح قدر جميل نرجوه يكافيء سعينا, ويلبي توقنا إلي السماء.

الدين إذن ليس مقدسا إلا إذا كان جوهره رائقا لا زائفا, والفن ليس دوما مدنسا إلا إذا كان مضمونه تافها لا رساليا, بينما يتعانق الدين الرائق, والفن النبيل معا في صوغ إنسانية الإنسان, ويتكاملان دوما في تغذية نزوعه إلي التسامي والترقي والتحرر. ولا يعدو المشروع الفني لعادل إمام, والذي نسج منواله طوال نصف قرن, أن يكون دفاعا عن التدين السمح حيث يكون الدين جسرا, ولا يمثل الحكم الصادر ضده سوي هجمة شرسة يقودها التدين المتعصب, الذي يحيل الدين نصلا.
جوهر اتهام الفنان الكبير هو ازدراء الأديان في أعماله الكبري, غير أن ما يحاسب عليه حقا ليس ازدراء الأديان, بل تعرية الإرهاب وفضح منطق التطرف الكامن خلفه.. ليس ازدراء الإسلام بل ازدراء المتأسلمين الذين وضعوه في كهف تعصبهم وجهلهم, ليس ازدراء الأخلاق الإسلامية بل تفكيك أقنعة المتاجرين بأخلاقية شكلية متعجرفة وقاسية تتصور أن المسلم الحق لابد أن يتعامل مع الآخرين كما كان المسلمون الأوائل يتعاملون مع عمرو بن هشام (أبي جهل) أو عبد العزي بن عبد المطلب (أبي لهب) من كفار مكة وليس مع شركاء في الدين والوطن والإنسانية.
انتقد إمام الجميع,مانحا السينما المصرية بعض أفضل أعمالها, مرسخا دورا تنويريا مفترضا لها, مع فنانين كبار كثر يصعب حصرهم توالوا عبر نحو القرن, ليجعلوا من الفن المصري نموذجا مميزا ضمن النماذج الأساسية في العالم, ربما كان, مع النموذج الهندي, الأبرز خارج العالم الغربي الذي تقع هوليود في مركز القلب منه, ولعل هذا هو سر الوصف الأثير للقاهرة ب(هوليود الشرق).
في عمله الشهير (طيور الظلام) اعتبر النظام (الفاسد) شريكا للإرهاب في الصراع علي جسد مصر, وفي (الإرهاب والكباب) اتهم العقلية السلطوية المنغلقة بدور رئيسي في تغذية الإرهاب من خلال تطيرها وارتباكها. وفي عمله الأثير (المنسي) قدم نقدا عميقا لتواطؤ النخبة, وسلبية الجماهير, معبرا عن الأمل الضروري في يقظتهم, أما فيلمه (النوم في العسل) فبلغ الذروة في فضح العلاقة بين الإستبداد والقهر, تلك الثنائية الشريرة التي تقود في الأخير إلي العجز النفسي والجسدي.

والمفارقة هنا أن النظام السابق الذي كثيرا ما انتقده الزعيم لم يفكر قط في محاكمته, وقد كان قادرا علي ذلك, فيما يواجه الرجل تحدي المحاكمة, وخطر السجن بعد ثورة تكتل المصريون خلفها طلبا للحرية, فإذا بمن ركبوا موجتها يحاصرون أحد أكثر المبدعين الذين أسسوا لوعيها, وكشفوا عن آليات اشتعال الفساد والإستبداد التي أدت إليها, ما يمثل نزوعا عبثيا لا يمكن تفسيره إلا بأن النظام السابق, علي رغم فساده واستبداده, كان ينتمي إلي عالمنا, وإن كان انتماء مزيفا. أما تلك القوة المظلمة التي تطالب اليوم بسجن فنان مصر الكبير, وتعطيل مسيرة فنها العريق, فلا تنتمي إلي عالمنا حقا, ولا تنوي الإنتماء إليه ولو زيفا, ولذا فإن معركتها خاسرة, ليس فقط أمام الروح العميقة للثورة, بل لأنها تضاد طبيعة الأشياء وتعاكس حركة التاريخ.

المزيد من مقالات صلاح سالم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.