حسنا فعلت وزارة التعليم العالي حين أعلنت منذ فترة عن فتح مكتب ثقافي جديد لمصر في السودان , ليصبح هذا المكتب أول المكاتب الثقافية المصرية في الدول الافريقية, حيث ان لدينا أربعة مراكز ثقافية تعمل بالفعل في كل من ليبيا والمغرب وموريتانيا ونيجيريا, وكانت مصر قد افتتحت هذه المراكز أيام المد الثقافي والتحرري المصري في ستينيات القرن الماضي, لتكون خير سفير لبلادنا, واعتقد أن افتتاح المكتب الجديد في السودان قد أملته ضرورات التغيير الجذري لسياساتنا في دول حوض النيل سواء العرب منهم أو الافارقة, وفي ظني أن مكتب السودان سيتبعه وكنت أتمني أن يسبقه مكتب أو مركز ثقافي مماثل في اثيوبيا كأولوية أولي, تعقبها أوغندا وباقي دول الحوض, ذلك أن أولوياتنا في السودان هي سياسية قبل أن تكون ثقافية باعتبار أن ثقافتنا مشتركة وممتدة بفضل وحدة الدين واللغة, بينما أولوياتنا في أثيوبيا وباقي دول الحوض هي ثقافية في المقام الأول قبل أن تكون سياسية, وأعتقد أن مهمة المكتب الثقافي الجديد في السودان لن تكون سهلة أبدا, كما أعتقد أن الاجواء التي من أجلها تقرر فتح المكتب الجديد في السودان ستضيف أعباء أخري علي عاتق هذا المكتب الوليد, لكن الهدف الأول والذي يجب أن يعمل عليه هو توثيق عري العروبة مع هذا البلد القديم الكبير, ليس هذا فقط بل أهم منه هو العمل علي ايجاد تفاهم مشترك مع أهل السودان الطيبين علي أن مصيرنا مشترك ونيلنا واحد وتكاملنا حتمي, ولابد من الاعتراف بأننا قصرنا في حق دول حوض النيل كثيرا في الماضي, وأن الوقت قد حان لأن يشعر هؤلاء أننا منهم وأنهم منا, ليسوا كعرب(السودان) ولكن كأفارقة, فما يربطنا بالسودان يختلف عما يربطنا وأثيوبيا, فهمومنا مع السودان سياسية بالمقام الاول, بينما همومنا مع اثيوبيا ودول حوض النيل ثقافية, وهم لا يشعرون ونحن لا نساعدهم أن يشعروا أننا أفارقة مثلهم, وقد حان الوقت لتغيير ذلك, لأن أصل المصريين أفريقي, وروابطنا التاريخية مع بلاد الحبشة معروفة للجميع, وان كان من اقتراح محدد لتطوير العمل بالمكتب الثقافي هناك فهو العمل بكل السبل علي جذب الطلاب من السودان والبلدان الشقيقة في حوض النيل لاستكمال دراستهم الجامعية وما بعدها في مصر, فيكونوا بذلك خير سفراء لنا بعد عودتهم لبلادهم, ويكونوا هم حائط الصد الاول أمام من يحاول التقليل من شأن ما أسهمت مصر وتسهم في خدمة الأشقاء رغم ظروفها دون من أو أذي, وهنا يحضرني ما ذكره لي صديقي الموريتاني وكنت أخدم في بلدهم الابي, عن أن الموريتانيين ممتنون لمصر التي ذهب معلموها لهم منذ50 عاما في صحاريهم في وقت هرب منهم باقي الاشقاء العرب, وهي الوشائج التي أسس لها جمال عبد الناصر منذ عقود ببعد نظر رغم بعد المسافات, وهي الوشائج التي ما زالت تربط المنصفين وهم كثر من الاشقاء العرب بمصر رغم تغير الظروف والحاجات, ولنا في خطبة الشيخ العريفي المثل والدليل علي ما أقول, وأقترح هنا تضافر الجهود في الجامعات المصرية لاتاحة الفرصة أمام طلاب دول حوض النيل بمنح دراسية كاملة للدراسة في مصر, فيعودون لبلادهم وقد أصبحوا مصري الثقافة والهوي, وليشكلوا بعد ذلك رصيدنا الذي لا ينضب في بلادهم. د. أحمد الجيوشي أستاذ بجامعة حلوان والملحق الثقافي السابق في موريتانيا