في الوقت الذي تهتم فيه التقارير الصحفية عادة بالحديث عن الجوانب السياسية للأزمة الإيرانية بسبب برنامجها النووي, وعن الإجراءات المتبعة لمواجهة هذا الملف خاصة العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها بهدف الضغط لإيقاف هذا البرنامج وهو التحرك الذي تقوده الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل حاسم, فإن هناك جانبا آخر من الصورة نادرا ما يلقي عليه الضوء, وان حدث فيتم ذلك بشكل عام ودون الخوض في تفاصيل. المقصود بذلك الحديث عن معاناة المواطن الايراني من جراء هذه العقوبات والحظر المفروض علي تصدير النفط للخارج. هذه المعاناة كانت مؤخرا محور اهتمام بعض التقارير في الصحافة الغربية التي سلطت الضوء علي أحد أهم المشاكل التي تواجه المواطنين الايرانيين مؤخرا وهي النقص الحاد في الدواء حيث لم يقتصر الأمر علي عدم توافر العديد من الادوية, بل تعداه لعدم القدرة علي استيراد المواد الخام اللازمة لصنعه محليا بسبب عدم توفر العملة الأجنبية اللازمة لشرائها. هذا الوضع المتأزم دفع العديد من الايرانيين المقيمين في الخارج وخاصة الولاياتالمتحدة للتحايل لإرسال الدواء لذويهم في إيران, بدءا من البحث عن طبيب يوافق علي كتابة تذكرة طبية لمرضي لم يفحصهم حتي يستطيعوا الحصول علي الدواء, وانتهاء بالبحث عن شخص يوافق علي إيصاله لهؤلاء أو بمعني أصح ينجح في تهريبه لهؤلاء المرضي, وبحسب ما ذكرته فاطمة هاشمي رافسنجاني ابنة الرئيس الايراني السابق هاشمي رافسنجاني ورئيسة مؤسسة ايران الخيرية للأمراض التي خاطبت الامين العام للأمم المتحدة بان كي مون لمطالبته بالتدخل لحل هذه الأزمة فهناك نحو6 ملايين مريض ايراني, يعانون نقصا حادا في عدد كبير من أدوية القلب والسكر وأمراض الدم وعلاجات السرطان. وهو الوضع الذي دفع وسائل الإعلام الإيرانية للتركيز علي الحالات الإنسانية خاصة من الأطفال الذين يواجهون خطر الموت بسبب نقص الدواء, مثل أحد الأطفال بمحافظة خورستان الذي توفي بسبب نقص الدواء اللازم لمعالجة إصابته بسرطان الدم, أو ما تتناقله بعض التقارير الغربية حول الطوابير الممتدة أمام الصيدليات بحثا عن الدواء, كحالة إحدي السيدات التي أكدت أنها تغادر منزلها منذ ساعات الصباح الأولي لتضمن مكانا متقدما في طابور الانتظار أملا في الحصول علي دواء لأخيها المصاب بالسرطان دون جدوي. وفي الوقت الذي يؤكد فيه أصحاب الصيدليات والشركات المستوردة أنهم لا يستطيعون فعل شيء لمواجهة الأزمة فإنهم يحملون العقوبات الاقتصادية الجانب الأكبر من اللوم, فالبنوك الغربية لم تعد تقبل أموالا قادمة من إيران خشية مواجهة عقوبات, وبالرغم من أن التجارة في الأدوية مستثناة من العقوبات الدولية المفروضة, إلا أن الثابت أن البنوك الغربية تتحاشي التعامل في هذا الملف وتؤثر السلامة, خاصة بعد أن وضعت الولاياتالمتحدة والاتحاد الاوروبي قيودا علي التعامل مع البنك المركزي الايراني وهو الجهة الرسمية الوحيدة المخولة بتحويل الأموال للخارج. القرار الأخير الذي اتخذ بعزل البنوك الايرانية عن النظام البنكي العالمي عزل إيران ماليا عن الخارج, ما جعل تدفق الأموال للخارج والداخل شبه مستحيل. فإذا أضيف لذلك تراجع وارداتها من العملة الأجنبية بسبب توسيع نطاق العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي, والتدهور الحاد في قيمة الريال الايراني مقابل الدولار فسيتضح علي الفور حدة الازمة خاصة في ظل تقارير بعض الصحف البريطانية مؤخرا حول أن مخزون الدواء في ايران يكفي لمائة يوم فقط, وهو ما دفع احد الأطباء الايرانيين للقول أن ما يحدث مؤامرة تستهدف المواطن الايراني في صحته مسببة له الموت الصامت. ولكن هل العقوبات هي المسئول الوحيد عن تفاقم أزمة الدواء الايراني أم أن للأزمة أسبابا أخري؟ والإجابة تأتي علي لسان المحللين الذين يرون أن العقوبات وان كانت قد لعبت دورا أساسيا, إلا أن الحكومة تتحمل بدورها جانبا لا يقل أهمية, فإلي جانب وعود المسئولين التي لم تتحقق حول اعتزامهم زيادة الناتج المحلي من الدواء بسبب صعوبة ذلك بعد تعديل سياسة الدعم التي رفعت من أسعار الوقود والكهرباء ونقص المواد الخام التي ارتفعت أسعارها بصورة كبيرة هذا في حالة توافرها, فان هناك من يري أن سوء الإدارة والفساد ساهما في تفاقم المشكلة. بل أن العديد من الساسة الإيرانيين سجلوا اعتراضهم علي تخصيص الحكومة الأموال اللازمة لشراء سلع أقل أهمية من الدواء وعلي زيادة الجمارك المفروضة علي الدواء المستورد, وهي الانتقادات التي قوبلت برد فعل حكومي رافض بل وعنيف, تسبب في إقالة وزيرة الصحة الإيرانية الشهر الماضي وهي أول سيدة في حكومة ايرانية منذ قيام الجمهورية الإسلامية, بعد أن تحدثت علانية للتلفزيون الايراني عن أن النقد الأجنبي يصرف علي سلع كمالية وليس علي الدواء, وأن وزارتها لم تحصل سوي علي نصف المبلغ المخصص لها من ميزانية الدولة لشراء الدواء والمستلزمات الطبية الأخري. الدول الغربية, وكعادتها دائما حاولت التنصل من مسئوليتها فسارعت وزارة الخزانة الأمريكية التي تتولي ملف العقوبات المفروضة علي طهران الي تأكيد أن صادرات الدواء والغذاء لا تدخل ضمن الحظر المفروض علي ايران, واذا كانت هناك مشكلة خاصة بالدواء فهي تعود لخيارات تتخذها الحكومة الايرانية وليس الأمريكية, وبغض النظر عن تبادل اطلاق الاتهامات فان الأمر الذي لا شك فيه أن العقوبات التي تستهدف عادة نظاما سياسيا أو حكومة لا يدفع ثمنها سوي المواطنين العاديين الذين تمس هذه العقوبات صميم احتياجاتهم الحياتية اليومية.