طفلة صغيرة كانت في الأسبوع السادس من عمرها, عندما رحلت مع أسرتها عام4591 من ألمانياالغربية إلي ألمانياالشرقية, وكان سبب الرحيل أن والدها رجل الدين تقرر نقله للعمل في ألمانياالشرقية. وهكذا شاءت الأقدار أن تنمو الفتاة انجيلا في شرق ألمانيا الذي أنشطر عن غرب ألمانيا عقب الهزيمة السابقة للنازي الألماني هتلر في نهاية الحرب العالمية الثانية, وكان من نتائج الحرب المدمرة سقوط الشطر الشرقي من ألمانيا في قبضة النظام الشمولي والشيوعي. وعاشت إنجيلا في الظلال الداكنة والكئيبة للشيوعية. لكنها أفلتت من تأثيرها, وناصبتها العداء فقد كانت تؤمن بالحرية ولا تروق لها الايديولوجية وما أن بدأت أرهاصات الثورة الديمقراطية ضد النظام الشمولي في ألمانياالشرقية عام9891, حتي انضمت انجيلا إلي المعارضة وعندما انهار سور برلين مساء9 نوفمبر من ذلك العام استبشرت خيرا لانتصار الحرية علي الديكتاتورية. وأضحت عضوا في الحزب المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشار هيلموت كول. واختارها كول لشغل مناصب وزارية في الفترة من0991 حتي8991 عندما تولت منصب سكرتير عام الحزب المسيحي الديمقراطي عقب هزيمة الحزب في الانتخابات العامة, وإطاحة الحزب الأشتراكي الديمقراطي بحكم المستشار كول بعد61 عاما في السلطة. وكانت المهمة الملقاة علي عاتق انجيلا ميركل فتاة الشرق صعبة وعسيرة فقد كان عليها أن تعيد بناء الحزب, خاصة بعد أن كادت تعصف به فضيحة تلقي هيلموت كول مساعدات مالية سرية لتمويل أنشطة الحزب. وتمكنت انجيلا من تعزيز قدرات الحزب وهو ما بدا في فوزها في الانتخابات العامة, وغدت فتاة الشرق أول مستشارة في ألمانيا وأول زعيمة لحزب كبير فيها. وتألقت انجيلا وأصبحت من أقوي القيادات السياسية في أوروبا وهي تدير باقتدار أزمة اليورو العملة الأوروبية الموحدة. ولذلك فإن جماهير البلدان الأوروبية المتعثرة اقتصاديا, مثل اليونان والبرتغال وأسبانيا تكن لانجيلا العداء وتغالي, فتتهمها بالنازية. أما دول شمال أوروبا, فتحظي فيها بالشعبية والتقدير بما في ذلك فرنسا التي كشف استطلاع أخير للرأي تفوق شعبيتها علي شعبية سياسيين فرنسيين. لقد جرؤت انجيلا وتحدت أزمة اليورو. وهي تخاطر بمستقبلها السايسي علي إمكان تجاوز الأزمة. وكانت طوال السنوات الثلاث الماضية تحذر من مخاطر انهيار اليورو علي مستقبل أوروبا. وهي لا تناور ولا تجامل في معركتها الضارية لانقاذ اليورو, ولعل أبرز ما يدل علي ذلك إنه عندما سألها الصحفيون عام2011 عما إذا كانت تثق في بيرلسكوني, وكان انذاك رئيس وزراء إيطاليا, امتنعت تماما عن الإجابة ولجأت إلي الصمت المطبق واكتفت بالنظر إلي أعلي, ثم ارتسمت علي وجهها ابتسامة ساخرة. ولم تمض سوي ستة أيام حتي استقال بيرلسكوني, تحت وطأة فشله الذريع في إدارة الأزمة الاقتصادية العاتية في إيطاليا. وفي هذه الأيام تتقدم انجيلا بحسم وعزم لإعادة انتخابها في سبتمبر المقبل, وكانت قد فازت أخيرا بزعامة الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم بأغلبية لا مثيل لها من قبل.. وقد حصلت علي89 في المائة من الأصوات. ان انجيلا ميركل الفتاة القادمة من شرق ألمانيا إلي شطرها الغربي تصنع أسطورة جديدة. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي