حالة من التخبط والقلق تسيطر علي الوضع في أرض الفيروز التي أصبحت مرتعا للفوضي والعمليات الإرهابية, حيث تتوجه أنظار العالم إلي تلك البقعة الساحرة للنيل منها.. في هذا التحقيق نرصد آراء الخبراء الأمنيين ورؤيتهم فيما يحدث علي أرض سيناء. كشف اللواء خالد مطاوع, الخبير الأمني, جوانب مختلفة في عملية محاولة تفجير كنيسة بمنطقة رفح, قائلا: لا بد أن نأخذ في الاعتبار أن الأسلحة والكميات التي وجدت من مادة تي إن تي شديدة الاإنفجار تعتبر كميات كبيرة جدا لاستخدامها في عملية تستهدف مثل هذه الكنيسة خاصة وأن جزءا بسيطا من هذه المادة يمكن استخدامه لتفجير مبني أكبر من الكنيسة الأرثوذكسية بمنطقة المطلة برفح. وأضاف الخبير الأمني في تصريح لالأهرام أن التكهن باستهداف الكنيسة قد يكون بسبب أعياد ميلاد المسيح التي توافقت مع اكتشاف الدورية العسكرية لهذه السيارة, كما لا يمكن إغفال حادث الكنيسة الأرثوذكسية المصرية في مصراته الليبية والربط بين الحادثين علي اعتبار أن العناصر الفاعلة في ليبيا تحمل نفس الأفكار والمعتقدات الجهادية التكفيرية التي تعتنقها العناصر المتسللة بمنطقة شمال سيناء ارتباطا بذات الأفكار للعناصر التكفيرية داخل غزة, والتي تستخدم الأنفاق الحدودية في الدخول والخروج إلي منطقة سيناء والاتصال ببعض العناصر الأخري متخذين من الارتباطات العائلية والعمرية مجالا خصبا للعمل داخل سيناء. وقال إنه لا يمكن الجزم بأنها كانت موجهة للكنائس لأن المسافة بين مكان ضبط السيارة والكنيسة بعيدة, ويمكن أن نعتبرها ضبطية لمواد متفجرة وأسلحة نارية. وأشار مطاوع إلي أنه إذا كانت هناك عملية تستهدف دور العبادة القبطية بسيناء فمن المرجح أن ذلك يأتي في إطار استهداف بعض العناصر لمؤسسات الدولة ومنشآتها الحيوية داخل أرضي سيناء مثل أنابيب الغاز ومحطات الكهرباء ومبني المحافظة ومديرية الأمن. وفي إطار سعي العناصر التكفيرية للترويج لعدم سيطرة الدولة علي هذا الأقليم ومن ثم محاولة إعلانه كإمارة إسلامية تحمل الفكر الجهادي التكفيري مع الأخذ في الاعتبار طبيعة هذه المنطقة وقربها من الحدود الإسرائيلية فضلا عن كميات الأسلحة والذخائر التي تنجح عمليات تهريبها من الحدود الليبية المصرية مرورا بمصر إلي أن تصل إلي هذه المنطقة مما شكل سوقا للسلاح والذخائر بمنطقة غزة. وأوضح أنه بدراسة نوعية مثل هذه العمليات نجد أن أي عملية داخل سيناء تستهدف إرباك الدولة علي الرغم من أن أي عملية داخل سيناء خاصة شمالها ليس لها أي تأثير واضح علي الطائفية أو الوضع الأمني داخل مصر. وحذر مطاوع من امتداد مثل هذه العمليات إلي المناطق ذات الكثافة المسيحية, والتي سيكون لها تأثير سلبي علي وضع المسيحيين وشعورهم بالاستقرار في ظل نظام التيار الإسلامي. قال اللواء رفعت عبد الحميد الخبير الجنائي الإستراتيجي إن العمليات الإرهابية مستمرة في سيناء ولن تهدأ حيث لاتوجد التشريعات العقابية, فلا يوجد نص قانوني واحد يجرم تلك الإنماط والجرائم الإرهابية, ولا توجد نصوص عقابية ضد العناصر الإجرامية الإرهابية, وتحدد مسئولية الدولة وتحدد التعويضات المدنية الناتجة عن تلك الجرائم وأهالي المضارين من تلك الجرائم الإرهابية. ويتساءل هل ما يحدث في سيناء اليوم هو أعمال بلطجة جنائية أم إرهاب بالمعني الواسع ؟ وهو أمر مؤسف, كما أن المادة375 من قانون العقوبات نصت علي تعريف الجرائم العقابية بأنها ترويع وتخويف وبلطجة. وأضاف الخبير الأمني أن ما يحدث في سيناء نوع من الإرهاب الدولي والمحلي من خلال إرهابيين يطلق عليهم ذئاب بشرية. وقال اللواء رفعت إن المنظمات الإرهابية تستخدم سيناء كمسرح جريمة مفتوح لإحراج السلطات خاصة أن منطقة سيناء حدودية يسهل القدوم منها بالأسلحة المدمرة كما تسمح بخروج الجناة بعد ارتكاب الجرائم. وأوضح أن ما يحدث علي أرض سيناء هو إفرازات طبيعية للتقاعس منذ عام1973 حتي اليوم, عن تنمية سيناء واستثمارها, وتهميش مشايخها وعوائلها فالحل الأمني أو البشري لا يحل أو يعالج ظاهرة إجرامية. ونفي الخبير الأمني أي تقاعس لدي الأجهزة الأمنية أو القوات المسلحة حيث إنهم ليسوا من الجهات أو المؤسسات المسئولة عن وضع المعالجات الإجرامية الجنائية, لأن المعالجات الجنائية تقع علي عاتق كل مؤسسات الدولة وعلي رأسها التعليم, وضرورة معالجة البطالة واحترام الشرعية والقانون. وأشار إلي سيناء محرومة من جميع مرافق الدولة فلا يوجد طرق ممهدة أو إنارة تساعد أجهزة الأمن للوصول إلي المناطق الجبلية الوعرة, كما أن الإرهابين يسكنون الظلام باعتباره المناخ المناسب لهم. وكشف عبد الحميد عن أن الجرائم الإرهابية تسمي بالجرائم ذات القالب الحر بمعني أنها غير معلوم سلفا نشاطهم الإجرامي, ونوعية الأسلحة التي سيستخدمونها مستقبلا, والنتائج التي يتسببون فيها, فالإرهابي لا يفرق بين شاب أو شيخ أو عجوز أو طفل أو سيدة فالعبرة عندة بحصد أكبر عدد من الضحايا. واستنكر اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق العمليات الإرهابية التي تستهدف الإبرياء في منطقة سيناء, وقال إن ما تردد حول السيارة التي تم ضبطها بالقرب من المنطقة الحدودية بها متفجرات لاستهداف كنيسة رفح غير دقيق, وكلام في غاية الخطورة لأنه يدفع إلي رد فعل كارثي من جانب المسيحيين. وطالب جهات الضبط بالعمل بشفافية شديدة لكشف المتهمين الحقيقيين أصحاب السيارة, من خلال التحريات المكثفة الدقيقة لأجهزة البحث الجنائي, لكن للأسف يتم التكتم بشدة من جميع الجهات علي العناصر التخريبية في سيناء, ولابد أن تكشف وزارة الداخلية عن غموض العمليات الأرهابية التي تحدث من جانب مجهولين, ولا تدع الشائعات تنطلق من كل صوب لتثير بلبلة لدي الرأي العام والمواطن البسيط. وأكد اللواء علام أن الوضع في سيناء شائك للغاية وخطير جدا ويحتاج إلي معالجات بطرق معينة لتجاوز الأزمة بأقصر الطرق لمواجهة الفكر التكفيري الجهادي المنظم. وكشف عن عدم قناعته بالعمليات العسكرية التي تنفذ علي أرض سيناء قائلا: إن مواجهة المنظمات الإرهابية تحتاج إلي منظومة متكاملة من العمل وتأتي علي رأسها تصحيح مفاهيم الأشخاص علي أرض سيناء الذين يتخذونها مرتعا لنشر أفكارهم الهدامة, ويسعون من خلال ذلك إلي تكفير الأشخاص مع تبرير أعمالهم بأنها جهاد في سيبل الله, لذلك فإن مقاومة الإرهاب والعمليات التخريبية في أرض الفيروز نحتاج إلي الحوار الهادف لتصحيح المفاهيم باعتباره خط الدفاع الأول لمواجهة الإرهابيين, باستخدام دعاة علي مستوي عالي من الخبرة لعقد لقاءات مباشرة معهم مثل ما حدث مع تنظيم الجماعات الإسلامية في الثمانينيات وسمي بعد ذلك بالمراجعات الإسلامية. ووجه اللواء علام رسالة إلي وزير الأوقاف باعتباره مسئولا عن أفكار هؤلاء الشباب, وأطالبه بإعداد قوافل دينية تجوب أنحاء الجمهورية لمنع تدفق مثل هذه السموم الفكرية الهدامة في جسد الوطن. المحور الثاني: معالجة القضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وبالدرجة الأولي الاقتصادية وتحديدا في وسط وشمال سيناء لغياب أي كيانات خدمية أو مشروعات تنموية للمقيمين هناك, مما أدي إلي وجود حالة من الاستقطاب لبعض العناصر من خلال عائلات مشتركة ومهمتهم تجنيد أشخاص للقيام بعمليات داخل سيناء, في ظل وجود عدد كبير من المنتمين للحركة السلفية إلي جانب التنظيمات الجهادية الإرهابية منتشرة جدا حيث وجدت مرتعا خصبا في هذا المكان. وكشف اللواء فؤاد علام عن أن هناك أخطاء في تعامل الأجهزة الأمنية مع القبائل من مداهمات عشوائية أضرت كثيرا بالمجتمع السيناوي, في ظل عادات وتقاليد لا بد من مراعاتها في خدمة هؤلاء المواطنين. وأكد أن80% من أهالي العريش يستخدمون شريحة الموبايل الإسرائيلية لأنها أرخص وتستقبل اتصالاتهم بجودة عالية, وهذه كارثة كبري تهدد أرض الفيروز. وطرح الخبير الأمني رؤية لمواجهة هذه الأزمة وهي أن يقوم رجال القوات المسلحة والشرطة ببناء50 بئرا في الصحراء ويتم تمليك الأسر السيناوية للأرض المجاورة لها ويتم تعمير المنطقة وإسناد المهمة إلي أبناء سيناء, وبناء مول تجاري ضخم لخدمة أهالي سيناء يتم عرض جميع منتجاتهم الزراعية, وجميع أنواع ملابسهم المنقوشة ذات الأشكال المختلفة, وإنشاء مجتمع سياحي كبيرا في وسط سيناء. وأكد أن الوقت لن يستغرق شهور قليلة للنهوض بهذه البقعة الساحرة, وتنميتها بأيد أبنائها.