ميادة العفيفي: منذ أن رشح الرئيس الأمريكي, عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية ايلينوي, من الحزب الجمهوري, تشاك هيجل, لمنصب وزير الدفاع, اشتعلت النار في واشنطن ولم تهدأ وأدرك الخبراء أن الرئيس الديمقراطي, قد قرر أخيرا وبشكل لا لبس فيه, أن خيار الحرب, التي يعشقها عادة الجمهوريين وصقور المحافظين الجدد, لم تعد علي جدول الأعمال العسكرية من قبل إدارته في ولايته الثانية, وان السنوات الأربع القادمة ليس من المرجح أن تحمل بين طياتها تلويح بهجمات أمريكية علي إيران, أو تدخل عسكري في أي من مناطق النزاع خاصة في الشرق الأوسط المحتقن, وان ترشيح اوباما لوزير الدفاع الجديد هو اختيار ذكي لعسكري جمهوري ابيض بطل حرب يزدان زيه العسكري بالأوسمة, لكنه يرفض الحرب, إنها معادلة نادرا ما تتوافر في رجل واحد داخل أروقة السياسة الأمريكية, يبدو جليا انه الرجل المناسب الذي سيمنح اوباما غطاء سياسي لخفض الميزانية العسكرية. يدرك المراقبون أن واشنطن عاصمة تعشق المعارك, وتعرف كيف تديرها جيدا, ومع ترشيح اوباما لهيجل, كانت الحرب قد اشتعلت بالفعل, فسرعان ما تبرأ منه الجمهوريون, واتهمه اللوبي اليهودي في الولاياتالمتحدة بأنه معاد للسامية ومعاد لدولة إسرائيل, حتي الديمقراطيين أعلنوا أنهم غير معجبين كثيرا بتصريحاته حول ضرورة إجراء حوار مع حماس وحزب الله. سبب الهجوم علي هيجل فيما يخص معاداته لإسرائيل جاء بسبب تصريحاته اللاذعة من قبل علي منظمة الايباك لجنة العلاقات العامة الإسرائيلية- الأمريكية بصفة خاصة, التي وصفها بأنها أصبحت واحدة من أكثر منظمات اللوبي اليهودي ترهيبا وتأثيرا علي صناع القرار في كابيتول هيل وأنها أصبحت تستخدم وسائل سرية كثيرة في إرهاب المعارضين والمشرعين الأمريكيين, استخدام هيجل لتعريف اليهودي بدلا من الإسرائيلي, كانت كفيلة باستهلال جوقة من الاتهامات بكونه معاديا للسامية, معاديا لإسرائيل. المؤيدون للسياسات اليمين الإسرائيلي, يرفضون بشكل واضح تصريحات هيجل أيضا, حول رفض التوسع الاستيطاني علي الأراضي الفلسطينية, والسياسات قصيرة النظر ومزعزعة الاستقرار والبلطجة السياسية التي تتبناها حكومة الليكود بقيادة نيتانياهو. أما بالنسبة للمحافظين الجدد, الذين سيطروا علي السياسة الخارجية خلال عهد جورج دبليو بوش, فان هيجل يمثل تهديدا لاستمرار نفوذهم في وزارة الدفاع, وهو الرجل الذي انتقد مواقف سياسة بوش الخارجية تجاه العراق وأفغانستان, وانتقد بشكل حاد السياسات الأحادية لبوش أثناء الحرب علي العراق, وقد انتقد أيضا العديد من التوجهات الأخلاقية لزملائه من الجمهوريين, ومن الواضح أنهم يردون له الجميل الآن, بحملة ضارية ضد ترشيحه لمنصب وزير الدفاع, مرددين بان سياسة الحمائم اللينة تلك التي ينتهجها من شأنها أن تعرض امن أمريكا للخطر, فقد عرف المحارب القديم الذي يحمل زيه العسكري العديد من الأوسمة ويحمل جسده ندوب الحرب في فيتنام, بأنه يري في الحروب الملاذ الأخير, وانه يؤيد سياسات تخفيضات الميزانية الدفاعية, وإعادة هيكلة استراتيجيات الدفاع الأمريكية, واستكمال سحب القوات الأمريكية من أفغانستان, ويردد انه يري أن إيران علي وشك الدخول في حوار منطقي بشأن برنامجها النووي, وان ضربة عسكرية ضد إيران ليست خيارا مطروحا علي الطاولة.. أو قابلا للتطبيق, باختصار يؤمن هيجل بالاستخدام الحكيم للقوة العسكرية, وهو ما يرفضه صقور الجمهوريين بشدة. كتب عدد من المحللين السياسيين في الصحف الأمريكية, أن اختيار هيجل يعني ببساطة أن اوباما خلال ولايته الثانية, سوف يستمر في ممارسة سياسات براغماتية عليا, وان ارث العراق ما زال مهيمنا علي سياسته الخارجية, مما يدفعه لان يبتعد عن كل ما قد يحمل رائحة عمليات عسكرية واسعة النطاق علي ارض الواقع, إلا إذا كانت في حدود تحالف يتمتع بقبول دولي, يعلق علي هذا التوجه ديفيد سانجر في صحيفة نيويورك تايمز: إن الحذر, والعمليات السرية, مع بصمة عسكرية أمريكية متواضعة في جميع أنحاء العالم, هو ما يناسب اللحظة الجيوسياسية التي يمر بها المجتمع الدولي الآن لذا فان اوباما يختار لإدارة ولايته الثانية, الشخصيات التي من شأنها أن تسير أعمال الأمن القومي, لا أن تقوم بمبادرات حقيقية, ففي نهاية المطاف يكاد أن يجمع المراقبون أن سياسة اوباما المفضلة هي: السرعة والسرية والاختصار, لذا فان الولاياتالمتحدة ستشهد عودة قوية إلي سرقة الأسرار العسكرية وتحليل المعلومات الاستخباراتية, غارات بدون طيار ضد الإرهابيين المشتبه بهم, مع تحفظ كبير في حدود التدخل في شؤون الآخرين, في دولة تعشق سياسة التدخل, وفي وقت يتوقع فيه الخبراء أن تشهد منطقة الشرق الأوسط الحرب العالمية الثالثة قريبا.