أثار قرار الرئيس الأمريكي باراك اوباما بترشيح السناتور الجمهوري السابق تشاك هيجل لمنصب وزير الدفاع سؤالا هاما في الولاياتالمتحدة حول معني الصداقة الحقيقية لاسرائيل.. وهو السؤال الذي يحرص كل مسئول امريكي علي التهرب منه حرصا علي مستقبله السياسي.. فقد عارضت اسرائيل بشدة ترشيح السناتور هيجل لهذا المنصب المهم في ادارة اوباما وأعرب المسئولون الاسرائيليون ومعهم قيادات اللوبي اليهودي في واشنطن عن قلقهم بسبب ما وصفوه بأنه »مواقف هيجل العدائية« تجاه اسرائيل ومعارضته المعلنة بشن هجوم علي ايران ورفضه المبالغة فيما يسمي بالحرب ضد الارهاب وتأيده لسحب القوات الامريكية من الخارج لتعود إلي بلادها في أسرع وقت ممكن.. ووصلت الامور إلي حد وصف ريوفن ريفلين رئيس الكنيست الاسرائيلي ترشيح هيجل لوزارة الدفاع الامريكية بانه استفزاز لاسرائيل. وكان هيجل قد وجه انتقادات مريرة، في مقابلة صحفية عام 2007، للدور الذي يلعبه اللوبي اليهودي في التأثير علي السياسات الامريكية لحساب اسرائيل. وقال بعض المعلقين الاسرائيليين ان اوباما يحاول بهذا الترشيح، الذي ينتظر تصديق الكونجرس، تصفية حساباته مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بينيامين نتنياهو الذي ساند بقوة مرشح الرئاسة الجمهوري ميت رومني ضد اوباما في انتخابات الرئاسة الاخيرة.. والسؤال الذي يواجهه الامريكيون الآن هو.. هل صداقة اسرائيل تعني الانحياز الاعمي لكل ما تفعله ودعم سياساتها دون مناقشة حتي ولو ادت إلي الاضرار بالامن القومي الامريكي وبالمصالح الاسرائيلية ذاتها من وجهة نظر واشنطن؟ بعض الامريكيين يعتقدون ان الكواث التي تواجهها المصالح الاستراتيجية الامريكية في انحاء عديدة من العالم وخاصة في الشرق الاوسط ترتبط بانحياز امريكا الاعمي لاسرائيل. ويقول هؤلاء ان التفسير الوحيد لمشاعر العداء والكراهية ضد امريكا في العالمين العربي والاسلامي بالتحديد ترجع إلي هذا الانحياز لاسرائيل. ويري هؤلاء ان امريكا تورطت في صراعات عديدة مثل غزو العراق وافغانستان والحرب ضد الارهاب نتيجة التزامها بالدفاع عن كل ما تفعله اسرائيل بدليل استخدامها حق الفيتو في مجلس الامن أكثر من خمسين مرة لحماية اسرائيل من العدالة الدولية وتوظيف كل امكانيات الدولة الامريكية العظمي لخدمة طموحات وأطماع الدولة اليهودية.. ورغم أن هيجل ايد حرب العراق في البداية الا أنه عارضها بعد ذلك نتيجة الخسائر الفادحة في القوات الامريكية. كما انتقد الرئيس الاسبق بوش لعدم ضغطه علي اسرائيل لتنسحب من لبنان عام 2006، وقال ان السماح لاسرائيل بتدمير بلد صديق لامريكا مثل لبنان يشوه صورة الولاياتالمتحدة وينسف فرص السلام في الشرق الاوسط. ولاشك ان السناتور هيجل 66 عاما، وهو مقاتل سابق في فيتنام، لا يمكن اتهامه بمعاداة اسرائيل، كما يزعم اللوبي اليهودي، ولكنه يؤمن بمقولة »صديقك من صدقك« وهو مفهوم لم يعهده الاسرائيليون من القيادات الامريكية.. ويوصف هيجل بأنه »عدو اللوبي اليهودي« في امريكا ويري أن هذا اللوبي لم يعد يمثل يهود امريكا بقدر ما يعبر عن سياسات اليمين الليكودي المتطرف في اسرائيل.. وهو يعتقد أن أمريكا يجب أن تنتهز فترة الولاية الثانية لأوباما من أجل انتهاك سياسة أكثر استقلالية وأشد حرصا علي المصالح الاستراتيجية الامريكية، بالاضافة إلي أن التزام امريكا بدور الوسيط المحايد في عملية السلام يصب في النهاية في صالح اسرائيل.. وفي كل الاحوال، يتعين انتظار موقف الكونجرس من التصديق علي ترشيح هيجل رغم ان مجرد طرح اسمه ربما يعني الكثير بالنسبة لسياسة اوباما في رئاسته الثانية التي يتمني البعض ان تكون أكثر عدلا وحيادا.. وفي انتظار أي بادرة ايجابية في هذا الاتجاه، لا يملك العرب سوي أن يحلموا.. وأفلح إن صدق.