أوصدت أبواب المشاركة السياسية أمام المرأة والأقباط وجماعات أخري عبر عقود لحكم سلطوي استبدادي, فحرم أكثر من60% من الشعب المصري من التمثيل البرلماني عبر آلية الديمقراطية, المتمثلة في الاقتراع الحر المباشر والعادل. كانت هناك عوامل عدة, سياسية وثقافية ودولية, شاركت بشكل أوآخر في استمرار انتهاك حق المرأة والأقباط في المشاركة السياسية, التي تمثل أساس حقوق المواطنة جميعا, في مناخ تجاهل فيه المجتمع الدولي قبل سقوط النظام السوفيتي أوضاع حقوق الأنسان في المنطقة العربية. وفي محاولة دامت لأكثر من نصف قرن لإيهام المجتمع المصري بأن الحكم عادل وديمقراطي ابتدع رئيس الجمهورية بدءا بحكم جمال عبد الناصر- ولأول مرة في تاريخ مصر السياسي إجراء تعيين بعض من الأقباط والسيدات في مجلس تشريعي. وإذ لم تكن لهؤلاء صلة ما بالشعب الذي لم يفوضهم لتمثيله, أصبح وجودهم المادي الديكوري في السلطة التشريعية كعدمه, أما من الناحية السياسية فقد أضر وجود هؤلاء الأعضاء المعينين بمصالح المرأة والأقباط, كما قضي علي ما تبقي من ثقافة الفترة الليبرالية الديمقراطيةالسابقة علي حركة ضباط23 يوليو.1952 أوضاع الأقباط والمرأة, بوجه خاص, وأوضاع عموم المصريين, عبر أكثر من نصف قرن تشهد علي ما أقول. ومع ذلك, فالوضع اليوم بعد25 يناير2011- مختلف تماما! نعم.. علي الرغم من كل ما نري من ممارسات معادية للديمقراطية بكل ما تعني من حقوق المواطنة وفي قلبها حقوق المرأة والأقليات, بقايا الإستبداد لا تزال موجودة, بل وأضيف إليها جرعة من الرجعية المعادية للعصر والحرية, والتي لم تعرفها مصر في كل تاريخها الحديث. لكن الأهم من كل ذلك أن ملايين الشعب مسلمين وأقباطا, نساء ورجالا, شبابا وشيوخا قد ذاقت طعم الحرية المصبوغة بالدم المصري الطاهر, وبذور الديمقراطية إرتوت. وعاد الوعي الجمعي لينطلق نحو المجال الحضاري الإنساني ليبني مصر الحديثة حيث تتحقق كرامة المصري في الواقع بكل أبعاده, وفي القلب منه المشاركة السياسية الفاعلة. من هنا لابد أن يلتزم مجلس الشوري باتخاذ كل الإجراءات التشريعية لتمكين عناصر المجتمع المهمشة: المرأة والأقباط من المشاركة في العملية الانتخابية من خلال نظام القائمة. فبدون تمثيل هذه الفئات المستبعدة من المشاركة السياسية لا يمكن ان نتحدث اليوم عن الديمقراطية وبناء الدولة المصرية الحديثة. ولذلك, أود أن أذكر أعضاء مجلس الشوري الأفاضل من المعترضين علي تمكين المرأة والأقباط من شغل أماكن علي القوائم الإنتخابية بطريقة تؤهلهم لعضوية مجلس النواب بما ورد في ديباجة دستور مصر الجديد, ومواده55,6, وبوجه خاص المادة81, الناصة علي ان: الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلا ولا انتقاصا. ولا يجوز لأي قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس جوهرها... أضيف إلي ذلك ما ذكره أخيرا السيد الرئيس/ محمد مرسي للعالم كله بأنه ملتزم بالديمقراطية وحماية الأقليات بما فيهم الأقباط من التمييز. وهنا أؤكد أن الوسيلة الوحيدة المتعارف عليها عالميا لمعلاجة التمييز والقضاء عليه هي آلية التمييز الإيجابي. وهي ما يجب قبولها واستخدامها في تعديل المادة الخامسة من الاقتراح بمشروع تعديل قانون إنتخابات مجلس النواب. أما عن دستورية إستخدام هذه الآلية في هذا الشأن وفي غيره من مجالات أخري يمارس فيها التمييز, فليس هناك أدني شك في أن المحكمة الدستورية العليا الموقرة سوف تحكم بصحتها معتمدة في ذلك علي روح العدالة التي تنطوي عليها طبيعة الحقوق والحريات الإنسانية المتضمنة في المواثيق الدولية التي إلتزمت بها مصر, ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية, المادة2 والناصة علي أن: تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميع الأفراد الموجودين في إقليمها والداخلين في ولايتها, دون أي تمييز بسبب العرق, أو اللون, أو الجنس, أو اللغة, أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي. وتتعهد كل دولة طرف في هذا العهدإذا كانت تدابيرها التشريعية أو غير التشريعية القائمة لا تكفل فعلا إعمال الحقوق المعترف بها في هذا العهد بأن تتخذ, طبقا لإجراءاتها الدستورية ولأحكام هذا العهد, ما يكون ضروريا لهذا الإعمال من تدابير تشريعية وغير تشريعية. وقد تعتمد المحكمة الدستورية العليا أيضا علي ما ورد في الدستور المصري الجديد في هذا الشأن, علي الرغم من ندرته. وهو الأمر الذي يجعل الباب مفتوحا علي مصراعيه لإصلاح الدستور المصري بأكمله,والذي تجاهل من صاغوه العديد من الحقوق والحريات الأساسية, ظنا منهم أن ثورة25 يناير2011 قد أصبحت تاريخا, وليست حركة حية مستمرة, ومستمدة من روح شرعة حقوق الإنسان الدولية.