كانت عبارة محدودي الدخل تكاد تكون كلمة السر في خطابات الرئيس المخلوع حسني مبارك وفي تكليفاته للحكومات المتعاقبة, فلم يخل خطاب في مناسبة من المناسبات من التأكيد علي حرص الدولة علي رعاية محدودي الدخل وتوفير احتياجاتهم, وظلت هذه العبارة طوال هذا العصر الغابر حبرا علي ورق, ولم يزداد الفقراء ومحدودو الدخل طوال30 عاما إلا فقرا وحرمانا, وتحملوا تبعات كل خطيئة من خطايا النظام, ودفعوا هم ثمن رفاهية وجشع رجال المال والأعمال وذوي السلطة والسلطان. ولذلك أرجو ألا تعود الذكريات المرة المصاحبة لتلك العبارة عندي وعند محدودي الدخل, الذين كرهوا الوعود, ولم تعد ترضيهم التصريحات والكلمات التي يخرج بها علينا من يقولها سواء أكان رئيسا للجمهورية أم رئيسا للوزراء, أقول ذلك بمناسبة التأكيد علي تلك العبارة في خطاب تكليف د.مرسي رئيس الجمهورية للوزارة الجديدة برئاسة د.هشام قنديل فلم تعد تلك العبارة ترضي الجوعي والمحرومين والفقراء في مصر وما أكثرهم, ولم تعد الكلمات قادرة علي سد رمق الجوعي, وشد الأحزمة علي بطونهم, ولم تعد تكفي حاجات المحرومين. لقد ثار هؤلاء المعذبون لأن الجوع أضني بطونهم وأوجع الفقر قلوبهم وكسرت الحاجة ظهورهم, فخرجوا يصرخون في وجه من سرق أقواتهم, وتاجر بآلامهم في كل خطبة من خطاباته, وجعل منهم محللا لقراراته التي كانت تأتي دائما عكس ما كان يصرح به, كانت تحابي الأغنياء علي حساب الفقراء,حيث كانت الهبات والإقطاعيات توهب لعلية القوم, وتكوي الضرائب ونيران الأسعار جباه وجيوب الفقراء ومحدودي الدخل, تخصص القصور والفيلات والأراضي للوزراء ورجال الأعمال, وتفرض الضرائب علي الموظفين والعمال وزوي الدخول المحدودة. وفي الوقت الذي لم تكن المرتبات تقضي حاجات الناس, وكان الموظفون يتقاضون الملاليم, كان هناك ولايزال في الوزرات والشركات والهيئات والمؤسسات من يتقاضون الملايين, وبينما كان المرضي لايجدون مكانا ينامون فيه أو سريرا بمستشفي أو دواء للعلاج, كانت الملايين تنفق علي علاج الفنانين والفنانات والوزراء وأعضاء المجالس النيابية. كل هذه الذكريات المرة ألحت علي خاطري وأنا أقرأ تكليفات أول رئيس مصري مدني منتخب للوزارة التي جاءت بعد أن وافق الشعب علي أول دستور لمصر بعد ثورة25 يناير, التي خرجوا خلالها يطالبون بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية, ولهذا أتمني ألا تكون تكليفات الرئيس للدكتور قنديل مجرد كلمات تريح أصحاب الحقوق, أومجرد مسكنات لآلامهم التي طالت وجروحهم التي تقيحت, ولمعاناتهم التي لم تعد تحتمل, لابد أن تتحول هذه العبارة إلي أفعال وواقع علي أرض حياتهم المريرة, لابد أن تترجم إلي قرارات وقوانين فورية يصدرها مجلس الشوري. مطلوب فورا وحتي تؤكد الحكومة أنها حكومة الشعب, وأن تكليفات الرئيس ليست مجرد حبر علي ورق, وأنها حقيقية وليست مخدرا, أن يصدر مجلس الشوري قانونا بتحديد الحد الأدني للأجور بما لايقل عن1200 جنيه لجميع العاملين في الدولة وإعادة هيكلة الأجور, ولابد أن ينص علي أن يمثل الأجر الأساسي80% من الأجر, باعتبار أن هذا هو الحد الأدني الذي يضمن عيشا كريما للمصري, الذي جارت عليه كل الحكومات, رغم أنه ملح الأرض ودودها, ولولاه ما نجحت الثورة, وإليه ندين كلنا بما نتمتع به, وبما نأكله من خبز أبيض تنتجه أياديه, وبما نرتديه من نسيج تغزله أصابعه. ومطلوب أيضا أن يصدر مجلس الشوري قانونا بزيادة المعاشات, فمن العارأن نرمي الآباء والأجداد بعد أن أفنوا أعمارهم كما ترمي خيول الحكومة, ونتركهم فريسة للمرض والشيخوخة لايجدون ما يقيمون به أودهم, رغم أن الدولة تحصل منهم أعلي نسبة تأمينات في العالم ومطلوب من وزارة المالية أن تعلن بصراحة ووضوح إلغاء ما كانت ستفرضه من ضرائب. ومطلوب من الحكومة أن تضبط الأسعار, كما أنها مطالبة بفرض الأمن حتي يشعر الناس بالأمن والأمان, والعدالة الاجتماعية والضريبية, هذا لو أنها حقا حكومة الشعب. المزيد من مقالات د. اسماعيل ابراهيم