انكشف الستار بعد الموافقة علي الدستور عن المشهد الاقتصادي الصعب الذي تواجهه مصر والذي لم يلتفت إليه أحد فقد سرقت السياسة كل القضايا الأخري وربما يعزي عدم الاهتمام بالشأن الاقتصادي إلي الاستقرار النسبي الوهمي والمكبوت الذي ساد مستوي الأسعار حيث ضحي البنك المركزي بنحو ثلثي احتياطي النقد الأجنبي من اجل الحفاظ علي سعر الصرف والحيلولة دون إرتفاعه وتدهور قيمة الجنيه المصري والمحافظة علي الأسعار في بلد يستوردمعظم غذائه وهو ما يعني إخفاء وكبت التضخم ولكن إلي حين مما يعني تأجيل المشكلة علي نحو قد يعقدها أكثر وهو الأمر الذي حدث عندما استيقظت مصر ذات صباح في الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضي علي صوت زلزال يهز الدولار والعملات الأجنبية وتنخفض معه قيمة الجنيه ويواجه البنك المركزي الأمر بالأسلوب التقليدي الذي لا يجدي حيث قدم نظاما جديدا لتعامل البنوك في الدولار كما قام بالضخ مرة اخري ولكن بشكل محدود أقل من الطلب بالسوق وقامت البنوك باستيراد الدولار من الخارج نحن هنا لسنا بصدد الحديث عما إذا كانت الأزمة حقيقية أو أمرا مدبرا ضد مصر ففي النهاية عقلنا هو الذي ينبغي أن يتدبر الأمر وفي هذه اللحظة لن نقول كان ينبغي كذا وكذا ولكن علينا أن ننظر إلي الواقع ونتطلع إلي المستقبل ونحدد ماذا نريد له خاصة ان الحكومة لديها ما تقوله وهو ما ظهر منها خلال ثلاث ندوات مختلفة جرت خلال الأسبوع الماضي في إطار ما سمي المبادرة الوطنية للتوافق والانطلاق الاقتصادي ولكن يبقي المتحدثون كما هم ثلاثة وزراء قدم كل واحد منهم خطته لمواجهة الأزمة وفي هذا الشأن هناك عدد من الملاحظات الجوهرية: أولا: أن الأزمة الحالية لا تمثل أمرا غريبا أو جديدا علي مصر فمثلنا مثل كل دولة تتعرض لأزمة اقتصاديه وقد مرت حياتنا الاقتصادية بالعديد من الأزمات بل ونقص شديد في السلع حتي كانت هناك أيام لم نجد فيه ملح الطعام رغم انه من عطاء الله لهذه البلد ولكن المهم ان تكد العقول لابتكار الحلول وأن تتوافر الإرادة السياسية والحكومة القادرة علي تنفيذ الحلول. ثانيا: أن الأزمة مهما استحكمت فهي تحمل بذور الحل داخلها وهذا مما تعلمناه من أساتذتنا رحمهم الله فهذا هو الراحل العظيم أستاذنا الدكتور زكي شافعي يقول لنا تلاميذه أن حل الحلقات الجهنمية المملوءة بالأزمات هو كسر الحلقة عند أضعف نقاطها ومن ثم ينبغي البحث عنها وفي حالتنا هذه حالة مصر فإننا نتصور ان الشرط الأساسي لمواجهة الأزمة هو عودة الأمان والاستقرار والذي يعد شرطا اساسيا لتوفير البيئة والمناخ المناسب لبداية إصلاح حقيقي وبدون توافر هذا الشرط لن تكون خطوات الإصلاح مجدية بل سوف تتفاقم المخاطر والارتباكات وإنزلاق الاقتصاد إلي مراحل يصعب إنتشاله منها. ثالثا: إذا استطعنا بالفعل استعادة الأمن والاستقرار فإن الدلالة علي ذلك من عدمه هي عودة السياحة ومرة أخري اذا عاد الأمن والآمان إلي ربوع البلاد مع ديمومته, فإن كسرالحلقة الخانقة للأزمة هو مساندة الدولة ودعمها لتشغيل الطاقات العاطلة وهو سيؤدي إلي زيادة الاستثمارات وفرص العمل والإنتاج والتصدير ويساهم في كسر حدة التضخم ويحد من الواردات وهذا هو الحل العاجل لإستعادة العافية الإقتصادية سريعا فضلا عن انه رسالة للمستثمر الخارجي بأن عجلة الاستثمار والإنتاج بدأت في الدوران خاصة أنه وفقا لتقرير لوزير الصناعة أن90% من مشاكل المصانع المتعثرة هي مشاكل مالية وهو ما يعني إمكانية دخولها في الإنتاج سريعا فيما لو ساعدتها البنوك بالائتمان والدولة بتيسير سداد مستحقاتها وتحسين سوق العمل لتحقيق التوازن بين مصالح العمال ومصالح أصحاب الأعمال رابعا: أن ما جري ويجري علي الساحة الاقتصادية الان مع كل الاحترام والثقة في النوايا لايمكن أن يمثل خطة للإنقاذ الاقتصادي كحد أدني او رؤية متكاملة للمستقبل الاقتصادي لمصر وهنا نقول أن الحكومة الحالية لم تقدم جديدا عما احتوته خطة وافكار الحكومة السابقة رغم أن الظروف قد اختلفت الأمر الذي يقتضي تعديل تلك الأفكار بما يتماشي مع الأوضاع الجديدة هذا من ناحية ومن ناحية أخري فإن ما قالته الحكومة علي لسان وأوراق وزرائها لا يرقي إلي حلم مصر في المستقبل وهو أقرب إلي تيسير الأعمال منه إلي خطة ورؤية مجتمع ثار من اجل التنمية والعدالة الاجتماعية وربما يكون وراء ذلك خطة اخري لا يعلمها إلا الله والصندوق. المزيد من مقالات عصام رفعت