يبدو أن عفريت الآثار الغارقة بمدينة الإسكندرية أصابها بلعنة تئد كل مشروع يعمل علي إخراجها إلي النور من أجل خلق رئة جديدة للسياحة المصرية المريضة.. وبرغم أن فكرة إنشاء متحف لهذه الآثار يحميها من السرقة والنهب والإندثار، ويفتح بابا جديدا للتنشيط السياحي, خاصة للوافدين من بلاد أوروبا والدول المتقدمة المهتمة بهذه النوعية من السياحة, والذين قدموا بعض المنح بملايين الجنيهات لإجراء أبحاث ودراسات لإنشاء هذا المتحف, إلا أن الانفلات الأمني وعجز التمويل المالي يقفان حجر عثرة أمام هذا الصرح الثقافي والاقتصادي والسياحي!. ..بعد تعثر دام عشرات السنين, ولدت فكرة إنشاء متحف للآثار الغارقة بالإسكندرية, يتيح للزائرين رؤية الآثار عن طريق السير داخل أنابيب زجاجية شفافة تحت مياه البحر الأبيض المتوسط بعمق سبعة أمتار في أواخر التسعينيات, بعد العثور علي مجموعات كبيرة من الآثار والمدن الأثرية القديمة وبقايا من حطام أسطول نابليون, وتمثال نادر لأبي الهول, ورأس تمثال لبطليموس الخامس عشر, وتمثال نصفي بالغ الندرة لإله النيل, إلي جانب العملات والحلي والأواني والأمفورات, ومجموعة متفردة من التماثيل وبقايا التماثيل ومنشآت تحت المياه تشبه أرصفة المواني, وجزء من فنار الإسكندرية, وكتل من عمود السواري, وغيرها من الآثار النادرة بمناطق الميناء الشرقي وخليج أبو قير وموقع قلعة قايتباي, الذي تبلغ مساحته22 ألفا و 500 متر مربع, ويحتوي علي أكثر من ثلاثة آلاف قطعة أثرية معمارية. وقد تبني الفكرة حينذاك بعد موافقة اليونسكو علي دعم المشروع, العديد من المسئولين والخبراء الأثريين, علي رأسهم وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني, والدكتور زاهي حواس, والدكتور إبراهيم درويش رائد الغوص في أعماق البحار, الذي أسند إليه رئاسة إدارة الآثار الغارقة بعد إنشائها في عام1996, والتي ضمت مجموعة من الأثريين المعروفين. المتحف يوجد سياحة جديدة لليخوت تنعش مصر سياحيا, وبالفعل خصص المعهد الأوروبي للآثار البحرية مبلغا يقدر بنحو سبعة ملايين جنيه وضعها في حساب المجلس الأعلي للآثار عام2008, لإجراء الدراسات الجادة وإقامة المتحف الذي كان من المقرر الانتهاء منه عام2015, ونظرا للانفلات الأمني وعدم الاستقرار السياسي بمصر تأجل المشروع, ولكن في مارس من العام الماضي, بدأ الأمل من جديد, عندما أعلن ذلك وزير الآثار الدكتور محمد إبراهيم خلال زيارته للإسكندرية. ولكن المشروع توقف تماما وأوشك علي الإلغاء عندما قامت مجموعة من البلطجية في شهر سبتمبر الماضي بمهاجمة سفينة الأبحاث الأثرية التابعة للمركز الأوروبي للآثار الغارقة بالميناء الشرقي قلب الإسكندرية, والاستيلاء علي متعلقات أعضاء البعثة الأجنبية من الفرنسيين والبريطانيين والإيطاليين, وأصبحت أحلام الماضي وآمال المستقبل تواجه أمواج البحر العاتية, وغرق مشروع إنشاء المتحف في قاع البحر انتظارا لانتشاله وتحقيقه علي أرض الواقع. وملحق المحافظات يضع المشروع أمام المسئولين المعنيين قبل فوات الأوان, ومغادرة البعثات الأجنبية المعاونة لنا, وتخلي اليونسكو بعد دعمها, خاصة أن المشروع يدر الملايين من العملات الصعبة لخزينة الدولة, ويفتح مجالات لسياحة اليخوت وغيرها من الأنشطة السياحية الأخري, توفر آلافا من فرص العمل المميزة. الدكتور إبراهيم درويش, الخبير العالمي في الآثار الغارقة والمدير السابق لمتاحف الإسكندرية يقول: إن المجلس الأعلي للآثار حصل عام2008 علي دعم مادي1.200 مليون دولار من المعهد الأوروبي للآثار البحرية لإنشاء المتحف, وكان المعهد في بداية التسعينيات قد قام بأول عملية مسح شامل للتراث الأثري بموقع الميناء الشرقي, والذي أكد وجود مواني عديدة, وحققت البعثة إنجازا علميا برسم خريطة دقيقة لمواقع الآثار الغارقة, وقد تمت إقامة مسابقة عالمية معمارية اشترك فيها أربعة من أشهر وأكفأ المصممين المعماريين الدوليين في مجال إنشاء متاحف للآثار الغارقة تحت الماء تحت إشراف منظمة اليونسكو, ووقع الاختيار علي التصميم الذي قدمه المهندس الفرنسي جاك روجيريه, ويتكون التصميم من طابقين: الأول عبارة عن مبني فوق سطح الأرض يؤدي إلي المبني الرئيسي بالجزء الثاني المغمور كليا تحت مياه سطح البحر بعمق سبعة أمتار لرؤية الكنوز الأثرية أسفل مياه البحر, وأشار إلي أنه قام بالتعاون مع معهد علوم البحار وقسم علوم البحار بكلية علوم الإسكندرية, ومعهد الشواطئ, وقسم الآثار بجامعة الإسكندرية, بإجراء دراسات, ولكنها لم تستكمل, وطالب باستكمالها في2010, مؤكدا أن الإمكانات المادية لدي المجلس الأعلي للآثار حالت دون إنشاء المتحف, وحاليا توجد نحو001 ألف قطعة أثرية معرضة للتلف بالمتحف الروماني لضعف الموارد المالية. أما الأثري المعروف أحمد عبدالفتاح, عضو اللجنة الدائمة لحماية الآثار والمشرف العام علي آثار ومتاحف الإسكندرية, فقد أبدي أسفه علي ما آلت إليه الآثارالغارقة من ركود وإهمال, مؤكدا أنه حتي الأجانب لم نتركهم يعملون في إنقاذ آثارنا الغارقة لتسجيلها وحفظها, حيث إنه في شهر سبتمبرالماضي تعرضت سفينة الأبحاث الفرنسية التي تعمل بالميناء الشرقي لهجوم من البلطجية والاستيلاء علي متعلقات البعثة من الفرنسيين والإيطاليين والإنجليز تحت تهديد السلاح, وبرغم ذلك استحي الفرنسيون من توجيه أي نقد ولوم لحبهم لمصر وآثارها. ويؤكد محمد حسين, مدير عام الهيئة الإقليمية لتنشيط السياحة, أن البحث عن الآثارالغارقة بدأ في عهد الأمير المولع بالحضارة عمر طوسون, الذي توصل لمعبد للإله إيزيس غارق أسفل المياه, وكذلك رأس رخامي للإسكندر الأكبر, وقد كشف عمل البعثات الأثرية تحت الماء عن مواني ملكية خاصة بالقصور الملكية الموجودة أعلي رأس لوخيس وحوله من القطع الأثرية التي عثر عليها تمثال لأبي الهول علي هيئة بطليموس الثاني عشر, ورأس تمثال بطليموس الخامس عشر, آخر البطالمة وابن كليوباترا من يوليوس قيصر. وأشار محمد حسين إلي أنه أيضا تم العثور بقاع الميناء الشرقي علي تمثال للطائر أيبيس الذي يرمز للإله تحوت إله الحكمة والمعرفة والزمن والقمر, وعلي مجموعة من العملات الذهبية التي ترجع للعصر الروماني, وكذلك خواتم ذهبية, وفي أعماق خليج أبوقير, عثر علي جانب من آثار كانوب القديمة وهيراكليون ورأس من الرخام الأبيض للإله سيرابيس, وكذلك رأس ملكي من الكوارتزيت لأحد فراعنة الأسرة25(712 466 قبل الميلاد) وغيرها من الآثارالنادرة التي تحكي تاريخ الإسكندرية القديمة.