كيف انعقد المؤتمر الأول الفلسفي الأفروآسيوي بالقاهرة في مارس1978 ؟كانت لدي فكرة المؤتمر وأوجزها في البحث عن كيفية عبور الفجوة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة ولكن لم يكن لدي فكرة عن كيفية تمويل المؤتمر. ومع ذلك كان لدي اقتناع بأن الفكرة تولد التمويل إذا كانت صالحة لإحداث تغيير ما في الوضع القائم. فطنت إلي هذا الاقتناع وأنا أشارك في أول مؤتمر لفلاسفة البحر المتوسط يعقد في ديسمبر1975 في لتشا بايطاليا. وكان من بين المشاركين سكرتير عام الاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية أندريه مرسيه(1913-1999) سويسري الجنسية وفيلسوف وعالم في الفيزياء النووية وموسيقار وشاعر. عرضت عليه الفكرة فاستجاب لها بلا تردد, واقترحت أن يكون المؤتمر في حدود عشرين فيلسوفا فأعجب بالاقتراح وقال معقبا: لقد اعتدنا علي عقد مؤتمرات الاتحاد كل خمس سنوات, كما اعتدنا علي أن يكون المشاركون في حدود ألفين, إذ كان عدد كل من الوفدين الأمريكي والسوفيتي لا يقل عن المائتين أو يزيد بالإضافة إلي عدد المشاركين من الدول الأخري. وفي رأي مرسيه أن مثل هذا الحشد من الفلاسفة يمكن أن يقال عنه إنه مظاهرة فلسفية, ولهذا كان اقتراحي موضع ترحيب, إذ يشكل تجربة جديدة في تاريخ الاتحاد. وبناء عليه دعوته للحضور إلي مصر أستاذا زائرا لمدة أسبوعين. وكانت الغاية من دعوته مزدوجة. إلقاء أربع محاضرات في الفلسفة والفيزياء النووية في جامعة عين شمس, والالتقاء ببعض المسئولين من كبار رجال الدولة لحثهم علي تمويل المؤتمر, وقد كان. وفي يونيو1977 تسلمت خطابا من أندريه مرسيه ينبئني فيه بأن الهيئة العليا للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية اتخذت قرارا بأن يكون مؤتمر القاهرة مؤتمرا اقليميا للاتحاد, وأن يعقد فيه الاجتماع السنوي للهيئة, وأن أحضر هذا الاجتماع كضيف شرف, وأن المجلس الدولي للفلسفة والعلوم الانسانية قد وافق علي سفر تسعة من الهيئة العليا للاتحاد علي نفقة المجلس علي أن تكون إقامتهم في القاهرة علي نفقة المؤتمر. وفي ديسمبر1977 طلبت من يوسف السباعي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام الدعم المالي والمعنوي للمؤتمر فرفض قائلا: كيف أدعم مؤتمرك وأنت توظف الفلسفة لإحداث انقلاب في نظام الحكم؟ جاء رد فعله صادما. صحيح أنني كنت أوظف الفلسفة سياسيا في ملحق الفلسفة والعلم بمجلة الطليعة, وصحيح أنني كنت ناقدا, بلا تحفظ, للعلاقة العضوية التي بزغت في عهد الرئيس السادات بين الأصولية الدينية و الرأسمالية الطفيلية. وصحيح أنني ارتأيت وقتها أن من شأن هذه العلاقة إحداث تفكك في النسق الاجتماعي يصعب منعه من الانزلاق نحو معاداة الحضارة الانسانية. ولكن ليس من الصحيح أن هذا الذي كنت أفكر فيه وأكتبه يمكن أن يحدث انقلابا في نظام الحكم. بعد ذلك تحدثت إلي الدكتور محيي الدين صابر مدير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فوافق علي المشاركة في التمويل كما وافق رئيس جامعة عين شمس. وقد غطي هذا التمويل جزءا من الميزانية المطلوبة إلا ثلاث تذاكر طيران لثلاثة فلاسفة من آسيا فاتصلت هاتفيا بالأمين العام لجامعة الدول العربية محمود رياض واستأذنت في مقابلته فتمت. وبمجرد أن سردت قصة الأزمة المالية التي أواجهها حتي استدعي المراقب المالي وطلب منه شراء التذاكر المطلوبة مع إخبار المسئول الإداري بتخصيص قاعة رؤساء الدول العربية لجلسات المؤتمر مع تحديد موعد لمقابلة فلاسفة المؤتمر تقديرا منه لذلك الحدث الفلسفي. ومن طرائف الإعداد للمؤتمر ما حدث للفيلسوف الإيراني سيد حسين نصر مدير عام الجمعية الشاهنشاهية للفلسفة بإيران. فقد أرسل خطابا في24 أكتوبر1977 ينبئني فيه بأنه وافق علي المشاركة في المؤتمر, وأن عنوان بحثه الفلسفة في الحضارة الانسانية, وأنه يؤثر هذا العنوان علي عنوان آخر وهو الفلسفة في الشرق الأوسط, وذلك لأن مصطلح الشرق الأوسط, في رأيه, هو مصطلح غربي غامض وتنقصه النكهة الثقافية. وفي1978/2/22 أرسل المستشار الثقافي لسفارة إيرانبالقاهرة خطابا يخبرني فيه بحجز غرفة لسيد حسين نصر في فندق مريديان أو في فندق هيلتون بدلا من الحجز في فندق النيل الذي يضم فلاسفة المؤتمر, وأن يكون في حراسة خاصة. وقبل المؤتمر بثلاثة أيام أخبرني المستشار الثقافي بأن الامبراطور لم يأذن لسيد حسين نصر بالسفر وسيرسل بدلا منه شخصا ما لقراءة بحثه في المؤتمر. وواضح من سرد هذه القصة أن أمر المؤتمر قد التبس علي الامبراطور, إذ توهم أن ثمة علاقة عضوية بين منظمة تضامن الشعوب الافريقية الآسيوية برئاسة يوسف السباعي والجمعية الفلسفية الأفروآسيوية برئاستي, وكان يوسف السباعي قد اغتيل في1978/2/18, أي قبل عقد المؤتمر بشهر, فظن الشاه أن ما حدث ليوسف السباعي قد يحدث لسيد حسين نصر. ومن طرائف الاعتذارات عن عدم المشاركة في المؤتمر أنني دعوت ثلاثة أساتذة من سوريا وأستاذا من العراق وجاء الرد بالسلب بسبب زيارة الرئيس السادات للقدس. وإثر انتهاء الجلسة الختامية للمؤتمر في1978/3/16 أعلن عن اختطاف ألدو مورو رئيس الوزراء الإيطالي السابق والعضو البارز في الحزب الديمقراطي المسيحي. وفي9 مايو من نفس ذلك العام أعلن قتله. وثمة أسئلة ثلاثة لابد أن تثار: ماذا حدث في جلسات المؤتمر؟ وهل اغتيال يوسف السباعي وقتل ألدو مورو بداية عصر الارهاب؟ واذا كان الجواب بالإيجاب وهو بالفعل كذلك فما العمل فلسفيا؟ المزيد من مقالات مراد وهبة