شيماء منير تشير قراءة المشهد السياسي الفلسطيني الراهن إلي وجود حراك شعبي يدفع نحو احتمالات اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة تكون بمثابة ثورة وربيع فسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي. وقد تزامن مع ذلك ظهور مجموعة فلسطينية حديثة النشأة تدعي كتائب الوحدة الوطنية, والانتفاضة الفلسطينية تتشكل من أعضاء ينتمون إلي حركات حماس وفتح والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أعلنت في فيديو عن البدء في الانتفاضة الثالثة من أجل استرداد جميع الأراضي الفلسطينية. وقد جاء ذلك الحراك في ضوء تنامي العديد من العوامل يمكن أن تساهم في إندلاع تلك الانتفاضة, تتعلق بعضها بالاحتلال وممارساته العدوانية ضد الفلسطينيين, وتأتي في مقدمتها التوسع الاستيطاني, والإعلان عن بناء آلاف الوحدات السكنية في مدينة القدس ومناطق الضفة الغربية. هذا فضلا عن توقف المفاوضات وعدم وجود أي أمال في إستئنافها. كما فرضت إسرائيل العديد من العقوبات المالية مؤخرا علي السلطة, مما أدي إلي تفاقم الأزمة الاقتصادية, وذلك عقابا لها علي توجهها إلي الأممالمتحدة والحصول علي عضوية دولة مراقب. فضلا عما سبق فهناك مسببات داخلية خاصة بحالة الاحتقان الداخلي من سياسات السلطة الفلسطينية, مثل تنازل السلطة عن الثوابت الوطنية الهامة, وكان أبرزها ما تردد عن تنازل الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن حق العودة. وقد ساهم في تحريك تلك العوامل السابقة حرب غزة الأخيرة التي استمرت ثمانية أيام, وأدت إلي إمتداد المواجهات مع جنود الاحتلال إلي العديد من مدن الضفة. إلا أن الأمور تفجرت بشكل واضح بعد أن قتلت إحدي مجندات قوات الاحتلال محمد السلايمة(17 عاما), مؤخرا بالقرب من الحرم الإبراهيمي بمدينة الخليل, أثناء تواجده بالقرب من منزله لتستقر6 رصاصات في جسده. فماذا عن موقف إسرائيل من تلك الانتفاضة المتوقعة, وما هي حدود التنسيق الأمني بين السلطة واسرائيل؟ وهل من مصلحة إسرائيل جر الفلسطينيين إلي مواجهة عسكرية معها في الضفة؟ وهل يعني أن إسرائيل تريد التخلص من السلطة من خلال محاربتها ماليا, أم أنها تسعي إلي مجرد الضغط من أجل إجبارها علي التنسيق الأمني معها؟. يمكن استخلاص الإجابة علي تلك التساؤلات من خلال متابعة الإعلام الإسرائيلي الذي يبدو ظاهريا وكأنه يروج لتلك الانتفاضة وأن الجيش الإسرائيلي علي استعداد كامل للقضاء عليها. حيث أن ذلك لا يتجاوز حدود الحرب النفسية وإثبات القدرة علي مواجهة تلك الانتفاضة, فالواقع يشير إلي أن إسرائيل ستظل تخشي من أن تتطور تلك الاحتجاجات إلي حالة من الفوضي تنقلب معها حالة الهدوء التي دامت لعدة سنوات, ومن ثم سوف تسعي من خلال كافة الوسائل الأمنية والمخابراتية أن تجهض تلك الانتفاضة ليس فقط حماية لأمن إسرائيل بل من آجل الحفاظ علي السلطة الفلسطينية, التي تسعي إسرائيل من خلال تضييق الأزمة الاقتصادية عليها إلي مساومتها وابتزازها من أجل عدم مواصلة المصالحة مع حماس. والضغط عليها وليس إسقاطها وذلك لأسباب عدة, تأتي في مقدمتها الدور الأمني الذي تقوم به السلطة نيابة عن إسرائيل عن طريق تدريب الولاياتالمتحدة لقوات السلطة الفلسطينية, فضلا عن قيام السلطة بمنع حماس من الاستيلاء علي الضفة الغربية أسوة بما حدث في غزة, كما تقوم بتدبير الموارد المالية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال, حيث كانت إسرائيل هي المسئولة عن تدبيرها, كما تقوم السلطة بإدارة الشعب الفلسطيني والذي كان يديره الجيش الإسرائيلي فيما يسمي بالإدارة المدنية. وأخيرا فإن وجود السلطة يمثل أمام العالم إدارة ذاتية فلسطينية. أما بالنسبة للجانب الفلسطيني, فإنه علي الرغم من حالة الاحتقان والغضب الجماهيري, إلا أنه يوجد ثمة عوامل سوف ترجح من احتمال تأجيل تلك الانتفاضة ليس بسبب هبوط العزيمة الوطنية ولكن بدلالات توقيت الانتفاضة من أجل احتساب فاعليتها وتحديد أهدافها, حيث يشكل الانقسام وتشرذم الفصائل الفلسطينية مع أختلاف أجندتها ومصالحها وأولي العوائق التي تحول دون فاعلية تلك الانتفاضة. وبالفعل هناك محاولات جادة من أجل رأب صدع البيت الفلسطيني, وكان من بين مؤشراتها إعطاء عباس أوامر من أجل الشروع في عدم ملاحقة عناصر حماس واطلاق سراح المعتقلين منهم وإعادة فتح مؤسساتهم في الضفة الغربية, هذا فضلا عن السماح لكل من حماس وفتح إقامة نشاطات لكلا الطرفين سواء في غزة أو في الضفة. وتأتي أهمية المصالحة كشرط للانتفاضة بأنه بافتراض رضوخ عباس للتهديدات الإسرائيلية, فإنه من غير المؤكد أن السلطة سوف تختار مسار الانحياز للشعب كما هي الحال في الانتفاضات السابقة أن تسيطر حماس علي النظام السياسي الفلسطيني كاملا في الضفة الغربية وقطاع غزة, خاصة مع حملة الترويج التي ساقتها حماس بشأن انتصارها في تلك الحرب الأخيرة, وأكدت أن المقاومة هي الطريق لاسترداد الحقوق, حيث أظهرت نتائج استطلاع أجراه مركز العالم العربي للبحوث والتنمية في رام الله أن88% من العينة صوتوا لصالح طريق الكفاح المسلح لتحقيق الاستقلال مقابل المفاوضات. إلا أن تحقيق ذلك السيناريو سوف يصطدم بآلة البطش الإسرائيلية, مما يؤدي إلي احتمال إنحراف مسار الانتفاضة إلي حالة من الفوضي تؤدي إلي إعادة إحتلال الضفة الغربية أو بسط السيطرة علي مزيد من الأراضي الفلسطينية. ومن ثم فإن إسرائيل سوف تسعي لمنع حدوث انتفاضة ثالثة تجني ثمارها فصائل المقاومة الإسلامية وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي, مثلما هي الحال في دول الربيع العربي الة أحتكر الحكم فيها تيار الإسلام السياسي. ومن ثم فإن مقتضيات المصلحة الوطنية تتطلب من جميع الفصائل إبرام المصالحة التي تتضمن الاتفاق علي ترتيبات الأوضاع الأمنية في الضفة, ثم إجراء انتخابات حرة ونزيهة في الضفة والقطاع, بحيث يتوحد البيت الفلسطيني علي أسس وطنية وديمقراطية. أما بالنسبة لمصر بقيادة الإخوان فيجب عليها أن تقوم بوساطة غير منحازة, وألا تستند إلي الإنتماءات الدينية في دعمها لحماس بإعتبارها فصيلا إخوانيا, وذلك مثلما إنحاز مبارك للسلطة الفلسطينية علي حساب حماس مما أدي إلي تعميق الانفصال.