ليس في مصر كلها صحفي أو إعلامي إلا وهو خائف يترقب ما سوف تأتي به الأيام من قوانين وقرارات قد تسهم في تحرير أو تقييد حركة الإعلام المصري. هذا الخوف أو الترقب له ما يبرره بسبب الغموض الذي يحيط بالقوانين والقرارات المتوقعة. فالغالبية العظمي من رجال الإعلام لاتعرف علي وجه اليقين أين ومتي ومن يتولي الآن تقرير مصير صناعة الإعلام حيث يعمل أكثر من100000 رجل وسيدة ومن ورائهم عشرات الملايين تعتمدعليهم اعتمادا شبه كامل في متابعة وفهم ما يجري في بلادهم. الحقيقة التي لاخلاف عليها بين جميع الصحفيين والإعلاميين وجمهورهم من ورائهم هي أن أوضاع الإعلام المصري لابد أن تخضع للتغيير وإعادة التنظيم. ولكن الخلاف شديد حول مدي التغيير وكيفيته ومن يتولي أمره. جاءت المادتان215 و216 من الدستور لتنشئ الأولي مجلسا وطنيا للإعلام وتنشئ الثانية هيئة وطنية للصحافة والإعلام. المجلس سيتولي تنظيم شئون جميع وسائل الإعلام بما فيها المملوكة للدولة. والهيئة سوف تتولي فقط إدارة المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة وبصفة خاصة اتحاد الإذاعة والتليفزيون والصحف القومية. ورغم غموض الفرق بين التنظيم في حالة المجلس والإدارة في حالة الهيئة, وهو أمر سوف تتولاه القوانين المتوقع صدورها, إلا أن مانص عليه الدستور بشأن المجلس الوطني للإعلام قد جاء متوافقا تماما مع فلسفة مجالس الصحافة في معظم الدول الديمقراطية. فالوظيفة الأساسية لها هي حماية حرية التعبير باعتبارها ضمانة أساسية لدعم الديمقراطية. وفي سبيل ذلك لابد من الربط بين ممارسة حرية الصحافة والمسئولية والمهنية الرفيعة. والحقيقة أن النص الدستوري في المادة215 جاء معبرا بوضوح عن تلك الفلسفة. ولامجال للتخوف في النص الدستوري من عبارات مثل مراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة كما يري البعض. وفي ضوء هذا النص الدستوري الجيد يمكن طرح عدد من الملاحظات: أولا: أن اجتماع الإعلاميين والمثقفين حول ضرورة إعمال هذا النص والدفاع عنه فيما سوف يصدر بشأنه من قوانين يمكنهم من تحقيق الكثير من الإنجازات والأهداف بدلا من التخوف السلبي الفردي. فلابد أن يدرك الصحفيون والإعلاميون أن هناك فارقا له مغزاه بين الصحافة والصحفيين. مثلما هناك فارق بين القضاء والقضاة والمحاماة والمحامين. الصحافة مهنة لها أصولها وضوابطها وأخلاقياتها وهي بهذا المعني تحميها القوانين والمواثيق الدولية ويصونها الدستور. وسوف يستظل بهذه الحماية كل من يمارسها وفق تلك الضوابط. أما الذين يخرجون عليها فليس لهم الحق في التمتع بتلك الحماية. في الولاياتالمتحدة نفسها دخل اثنان من الصحفيين السجن لأنهما تلاعبا في تقاريرهما الصحفية بما يخدم مكتبا للسمسرة في البورصة حصلا بموجبها علي أرباح لم تتجاوز36000 دولار. هذا السلوك الصحفي المعيب نزع عنهما الحماية المقررة للصحافة فأمضيا شهورا في السجن. هذا الفرق بين الصحافة والصحفيين يضع علي رأس الصحافة ريشة ولايضعها علي رءوس الصحفيين. هذا الفرق أيضا يسم بمعاقبة العاملين في أي وسيلة إعلامية ولايعاقب الوسيلة نفسها بالإغلاق. ثانيا: أنه ليس من العدل ولا من الإنصاف أن تقرر جهة ما مصير الإعلام المصري بعيدا عن العاملين فيه والمتعاملين معه. فالحوار الموسع مع مختلف أطراف صناعة الإعلام من الفنيين وحتي الجمهور القارئ أو المشاهد هو ضمانة أساسية في الوصول إلي نظام يكفل الاستقرار والفاعلية والكفاءة ويحقق المقصد الدستوري في المادة.215 والدعوة موجهة إلي مجلس الشوري أن يقوم علي ذلك الحوار الموسع بدون إقصاء لأحد مهما كان موقفه. ثالثا: من الغريب أن يتضرر البعض من دعاوي ضرورة إفصاح وسائل الإعلام عن مصادر تمويلها. فصناعة الرأي في أي مجتمع لابد أن تخضع لقيود مشددة فيما يتعلق بمصادر التمويل. ليس من المهم أن تكسب قناة فضائية أو تخسر وإنما حق المجتمع أن يتأكد أن مصادر تمويلها مشروعة وصحيحة. شبكةCNN ظلت تخسر لسنوات قبل أن تحقق أرباحا. وصحيفةUSAToday خسرت نحو500 مليون دولار قبل أن تحقق أرباحا هائلة وتتصدر توزيع الصحف الأمريكية. والمتضررون من الإفصاح عن مصادر التمويل الآن إنما يثيرون شكوكا مبكرة حول مصادر تمويلهم ويمنحوننا الحق في اتهامهم بالتلاعب بمصالح مصر والمصريين. رابعا: أن الملكية الحكومية لم تسفر وحدها عن ممارسات إعلامية خاطئة طوال العقود الماضية. فالسنوات القليلة من عمر الإعلام الخاص قد كشفت أيضا عن الكثير من الممارسات الخاطئة. ولعل أبرز عيوب الملكية الخاصة في مصر هي الملكية الفردية المطلقة أو الغالبة. والعاملون في هذه النوعية من الوسائل يدركون جيدا مدي تدخل الملاك المطلق في عملهم. ولست بحاجة إلي ذكر عشرات الأمثلة. نريد أن نري علي الساحة الإعلامية المصرية في قادم الأيام إعلاما مستقلا عن كل أشكال التدخل أو الضغط سواء من جانب الحكومة أو الملاك. وينبغي علي الإعلاميين أن يحرروا عملهم من تدخل الملاك الأفراد بنفس القدر الذي يطالبون به بتحرير الإعلام من التدخل الحكومي. خامسا: في مساعي البحث عن إعلام عام مستقل في مجال الإذاعة والتليفزيون لابد من الفحص الدقيق لتأثير الإعلانات التجارية علي المحتوي البرامجي. فقد تحولت الإعلانات في السنوات العشرين الماضية إلي مؤسسة ترعي الفساد في اتحاد الإذاعة والتليفزيون حتي تدهورت أوضاع تلك المؤسسة التي مارست تنويرا قل أن مارسته مؤسسة أخري في عقود سابقة. أعلم أنه في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة من الصعب تحييد الإعلانات التجارية تماما عن مصادر تمويل تلك المؤسسات العامة كما فعلت دول عديدة. ولكن يمكن النظر في تقييد تأثيرها كما تفعل دول كثيرة بالنص علي عدد محدود من الدقائق في كل ساعة بث وتقييد تدخلها في محتوي البرامج. سادسا: بقي أن تدرك الدولة أن الإعلام صناعة وأن الإعلاميين ليسوا بالضرورة أفضل من يدير مشروعات الدولة الإعلامية إدارة اقتصادية في الهيئة الوطنية المقترحة. وهناك صيغ كثيرة تتيح الإدارة الاقتصادية الفاعلة وتتيح أيضا الممارسات الإعلامية الصحيحة. المزيد من مقالات د. حمدي حسن أبوالعينين