عندما كان في السادسة عشرة من عمره, دفع ثمنا باهظا لخطايا والده السياسية الملفقة, فقد انتزعوه من بين أفراد أسرته وارغموه علي الرحيل من المدينة إلي قرية نائية وقاحلة, وعمل في الزراعة مع الفلاحين لمدة سبع سنوات. وكان والده, إبان تلك السنوات يقبع في سجن موحش بتهمة جائرة هي محاولة التصدي لحكم الزعيم الصيني ماوتسي تونج, وكان قبل هذه التهمة يتقلد منصب نائب رئيس الوزراء من1959 وحتي1962 ذلك أنه كان ضمن الثوار الذين خاضوا مع ماو المسيرة الكبري نحو الانتصار. لكن ماو وزوجته جمحا وجنحا, وضلا ضلالا عظيما عندما اختلطت عليهما المفاهيم وظنا أن العالم الخارجي يتربص بهما, بينما يدير الأعداء والخونة في الداخل المؤامرات ضدهما, ولذلك أطلقا الثورة الثقافية عام1966 وتزعمت زوجة ماو وثلاثة من أقرانها المتطرفين تلك الثورة, وصار يطلق عليهم عصابة الأربعة. واستمرت تلك الثورة الهوجاء, حتي مات ماو عام1976, واعتقال زوجته وأفراد عصابتها, وكان هذا مؤشرا علي أعمق تغيير في تاريخ الصين الحديثة. وتولي السلطة الزعيم دينج هسياو ينج وانتهج سياسات اصلاحية انتشلت البلاد من المستنقع الذي هوت إليه بسبب حماقة الثورة الثقافية وتمكن ينج من اصلاح الاقتصاد والانفتاح علي العالم وحقق معدل نمو اقتصادي أذهل العالم, وأصبحت الصين ماكينة هائلة للتصدير, وتضاعفت صادراتها ثمان مرات من1990 حتي.2003 }}} وابان حكم هسياو ينج, استعاد الفتي شي جين ينج الذي دفع ثمنا باهظا تكفيرا عن خطايا والده المزعومة اعتباره, وعاد من القرية إلي المدينة وتمكن من الانضمام لعضوية الحزب الشيوعي, واستأنف دراسته, والتحق بالجامعة وشغل مناصب عدة, ودوت شهرته عندما استطاع باقتدار وجسارة مكافحة الفساد. وقد أهله ذلك للانضمام لعضوية المكتب السياسي للحزب عام2007, وشق طريقه بدأب إلي قمة السلطة, وصار نائبا للرئيس هو جينتاو الذي تنتهي مدة رئاسته في مستهل العام الحالي2013, وعندئذ يصبح شي جين ينج الرئيس الجديد للصين. وبينما كانت بكين تستعد لرئاسة شي أطلقت أجهزة المخابرات الأمريكية تقريرا رسميا رشحت فيه الصين لموقع القوة الاقتصادية الأولي في العالم بحلول عام2030, ومعني هذا أن الصين تتفوق اقتصاديا علي أمريكا. ويقتضي هذا من قيادات الصين وضع الخطط الموضوعية التي تستوعب أدق المتغيرات الدولية والتحولات الإقليمية, وحث المواطنين علي مواصلة العمل الجاد والدؤب, ذلك أن مثل هذه التوقعات الجميلة والمنشودة لا تتحقق من تلقاء ذاتها, وإنما بالتصدي للمشكلات والتحديات. عظيم.. لكن ثمة تحد مؤجلا قد يواجه إن عاجلا أو آجلا المسيرة الصينية الكبري نحو القمة وهو تحدي الإصلاح السياسي. ولم يكن هذا الاصلاح الشائك غائبا عن ذهن هسياو بنج مهندس الاصلاح الاقتصادي, ولكنه كان يقول لا بأس من التريث. }}} لا أحد يمكنه التكهن بدقة ما يمكن أن تشهده الصين في خلال فترة حكم الرئيس شي جين بينج, لكن المرجح أنها ستمضي نحو القمة الاقتصادية في العالم, وإذا حدث ذلك فإن المعادلات السياسية الكونية سوف تتغير. إن العالم لا يكف عن الحركة والويل لمن لا يواكب بوعي حركة العالم. المزيد من أعمدة محمد عيسي الشرقاوي