في الزمن الشمولي, اختتمت الكلمات في الحلوق, وكانت تخرج أحيانا صرخات خافتة الصوت. كانت الكلمات قبورا, ويوم احتجبت الحقيقة, ظهرت ثمراتها الموجعة. وأهمها النكسة, كانت النكسة تعني الهزيمة الحضارية قبل الهزيمة العسكرية, كانت تعني أيضا سقوط مؤسسات الكلام المبرمج. وفي زمن الرئيس السادات, ضاق بروزاليوسف المؤسسة التي مازلت أعمل فيها كاتبا بلا أعباء إدارية, ضاق السادات بأداء صلاح حافط الصحفي, وصلاح حافظ, الجيل لم يعرفه هو واحد من فرسان الصحافة الحديثة وأعطي المهنة الحرفية, ويوم خرجت روز اليوسف صلاح حافظ تقف مع تمرد الشارع في مواجهة الغلاء, أطلق الرئيس السادات علي هذا التمرد وصفه الشهير بانتفاضة حرامية, وتغير صلاح حافظ وجاء عبد العزيز خميس وهو واحد من زملاء السادات في السجن, وأخطر ما قاله خميس مزهدا بكلام الرئيس السادات هو أنا ماعدتش أقرا روزا!! كان الرئيس السادات يعني أنه استراح من صداع روزاليوسف التي كانت تعكر صفوه. اتذكر ان روزاليوسف اتجهت في ذلك الوقت اتجاها اخر طبقا لإشارات المرور الرئاسية. يعرف القارئ المصرية الشتيمة المؤجرة والكرباج الوطني الذي كان يمثله موسي صبري أسطي الصحافة المصرية, ولست أطلب من الصحافة الشجاعة أن تكون مطرقة فوق رأس السلطة ولا تلون الدنيا بلون السواد, فهذه صحافة الكوميديا السوداء مهما تجلت, هذه صحافة حزب أعداء الحياة لا تتمني الاستقرار لهذه البلد. ولأن القارئ المصري فراز كما قلت فهو يحتضن صحافة تضع أمامه الحقائق ولا تخفيها لان في الخلفية فلان أو علان, فالقارئ يريد إجابات عن أسئلة عزت الاجابة عليها فأصبح يلتقط الشائعات بنهم, وذلك في غياب فريضة اسمها الحقيقة, وليس صحيا بالمرة أن القارئ هجر الصحف القومية لأنها صوت النظام, ولكن الصحافة القومية تكون احيانا ملكية أكثر من الملك. لابد من التسليم دون مزايدة ان عصر مبارك يقترن بحرية الكلمة بعد أن كانت مخنوقة, وحرية التعبير بعد أن كان يأخذ أشكالا رمزية وقصصا ايحائية. لابد من التسليم بأن مبارك فتح النوافذ والبلكونات علي حريات غير مسبوقة. ولكن تبقي المشكلة في قلم المكاتب ومدي تقبل رئيس التحرير حجم الحرية. ويعود القارئ المصري الفراز لتساؤل حيوي هل تعيين رؤساء التحرير من قبل مجلس الشوري باعتباره مالك الصحافة القومية يضعهم في مأزق إذا خرجوا علي السيناريو؟ وهل هناك سيناريو بالفعل؟ انا وقد عشت تجربة رئيس التحرير علي مدي سنوات, لا أظن أن هناك سيناريو ولكن هناك كاتب عميل للحقيقة, وكاتب عميل لشيء اخر لايهم من يكون.. ولكن يؤخر الصحافة القومية ولا يقدمها. في الصحف المعارضة أو الخاصة لا تنشر صور الاسماء البارزة إلا بمناسبة. فالاسماء تصنع الأخبار, ولكن في بعض الصحف تنشر صور الاسماء البارزة ربما علي نفس الموقع, كأنها أبواب ثابتة! وبالطبع ليس هذا ذنب الأسماء البارزة فهي لا تطلب ولا محال ان يكون توجيها من أحد, ولكن وفيما اتصور عربون أو قربان وكل هذا يدخل في باب النفاق, اعترف ان شاشة التليفزيون اكثر حرية من الصحف أعني شاشة الدولة وان كان ينقصها ان تقوم بدورها التنموي والحضاري في إيجاد نمط من البشر يعرف لمن يعطي صوته دون ان يغيب عقله في الكورة وسنينها, فالدنيا تسبقنا ونحن نتفرج! ان اغلي ما تصل اليه الصحافة هو الحرفية ولست أدري ما سبب تقلصها, فلولا الأجيال الصحفية التي تحملت المسئولية ومازلت سطورها ساطعة, لبارت الصحف وقرر القارئ الفراز هجرها وربما طلاقها. الكلمة الشجاعة بحرفية في خبر أو تحقيق أو تحليل أو تعليق أو مقال, مطلوبة لاعادة الزواج الكاثوليكي بالصحيفة, الشجاعة في الكلمة ليست الخربشة أو التشويه, إنما الامانة وصدق النية. ولا عوم مطلق علي عوم النظام. ولماذا انكش في صحافتنا القومية بصراحة؟ لهذه الأسباب: 1 لأسحب البساط من تحت صحف خاصة توزيعها مرتفع. 2 لأنبه الي الحرفية المفتقدة وهل لها علاقة بالأجور؟ 3 انه ليس بالضرورة وأنا كاتب في مجلة قومية أن أعوم علي عوم الدولة وإلا اضطررت لتبربر أخطائها وتجميل صغائرها! 4 ان أضع حقيقة لا تغيب علي أحد وهي أنه من ثدي الكلمات الشجاعة ترضع الشعوب الحرية والكرامة والكبرياء الوطني, واعتز بأني يوما ما كنت ومازلت أقدم برنامجا تليفزيونيا حديث المدينة منذ14 عاما وامسكو الخشب وكنت فيه أحرص الناس في الشارع علي الكلام بلا خوف, كنت اريد ان نصدر عفوا عن الكلمات المعتقلة داخل صدورنا.