اكدت الدكتورة كوثر الابجي الاستاذ بكلية التجارة – جامعة بني سويف انه لم يسبق لمصر أن وضع أبنائها هذا القدر العظيم الوافي من العدالة الاجتماعية والاقتصادية مثلما حدث بالدستور الذي يجري الاستفتاء عليه فى مرحلته الاخيرة غدا. إذ حرص على تحقيق كل ما تطلع اليه ثوار 25 يناير من عدل يضم جميع المصريين فلا يتم اختصاص أحداً بثروات مصر دون آخر ولا فئة دون أخرى ، فقد تناولت المادة 14 ضرورة تحقيق التنمية المطردة الشاملة ليس برفع مستوى المعيشة فقط بل بتحقيق الرفاهية أيضاً والقضاء على الفقر والبطالة وزيادة فرص العمل والانتاج والدخل القومي وهو ما ثار لتحقيقه شباب مصر وشيوخها . وتحقيق الرفاه من خلال خطة تنمية تهدف الى إقامة العدالة الاجتماعية والتكافل وضمان عدالة التوزيع وهو هدف أسمى لم يتحقق طيلة أكثر من ستين عاماً من حياة مصر ، إذ كانت الحكومات المتعاقبة تعمل على رفع الدخل القومي ومستوى التنمية لتوزعه على فئة بعينها تهمها دون باقي أبناء المجتمع مما أدى الى أن يزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى وترف حتى ظهرت طبقة المليارديرات مقابل طبقة المعدمين . وأضافت الابجى ان الدستور فى مواد المالية والاقتصادية شمل حماية حقوق المستهلك ليضمن لأبناء المجتمع حمايتهم من صنوف التدليس والغش وضمان سلامة السلعة والخدمة المقدمة ، حماية حقوق العاملين من كل أشكال الاستغلال ومخالفة عقود العمل مثل الفصل التعسفي والتعرض للضغوط للتنازل عن حقوقهم ولتلافي تكرار ما حدث في الخصخصة التي ضيعت حقوق معظم العاملين في المشروعات التي بيعت بأبخس الأثمان وزاد على ذلك تسريح عشرات الوف العاملين . و نص أيضاً على المشاركة بين رأس المال والعمل في تحمل تكاليف التنمية بمعنى تحمل كل فئة بقدر امكاناتها مع اقتسام عوائد النشاط الاقتصادي بعدالة تضمن حقوق جميع الأطراف منعاً للاستغلال ، وربط الدستور بين الأجر والانتاج ليحقق العدل بين العامل وصاحب العمل ، مما يؤدي لأحقية العاملين في المشاركة في أرباح المشروعات الناجحة بقدر مساهمتهم في تحقيقها ، كما يحفز العاملين على التطوير والابتكار لزيادة وتحسين الانتاج وخفض التكلفة بما يرفع الكفاءة الانتاجية التي يحتاجها أصحاب الأعمال لرفع مستوى جودة السلعة والخدمة وامكانية تنافسية التصدير والاستيراد وهو مطلب وطني ملح لحماية المشروعات الوطنية الجادة ، كما نصت المادة على تقريب الفوارق بين الطبقات كهدف أسمى يمكن تحقيقه بوضع حد أدنى للدخول والمعاشات يكفل حياة كريمة لكل مواطن وحد أقصى للدخول في أجهزة الدولة فقط بحيث لا يستثنى منه أحد الا بقانون . وأوضحت الدكترة كوثر الابجى ان الدستور لم يترك مجالا اقتصاديا الا وتناوله ليؤكد على عناية الدولة بكل أسباب التنمية بدءً من التأكيد على قيمة الزراعة باعتبارها المقوم الأساسي للاقتصاد الوطني فقد تناولت المادة 15 التزام الدولة بحماية الرقعة الزراعية والعمل على زيادتها وتنمية المحاصيل والأصناف النباتية بل والسلالات الحيوانية والثروة السمكية وحمايتها من كل أسباب الهلاك والانقراض ، وتحقيق الأمن الغذائي للمجتمع ، توفير متطلبات الإنتاج الزراعي وحسن إدارته وتسويقه ودعم الصناعات الزراعية . كما تناول تنظيم استخدام أراضي الدولة بما يحقق العدالة الاجتماعية حتى لا يتكرر نهب الأراضي والإستيلاء عليها بأبخس الأثمان وبدون وجه حق بما يضيع حقوق معظم المصريين والأجيال القادمة ، حماية الفلاح والعامل الزراعي من الاستغلال سواء في نشاطه الانتاجي أو تسويقه .. الخ ، كذلك تناولت المادة 16 الالتزام ومسئولية الدولة بتنمية كل من الريف والبادية حيث تنص على رفع مستوى معيشة الفلاحين والبادية وهي الفئة التي لم تحصل في النظم السابقة على أي حقوق اجتماعية أو اقتصادية مثل بدو سيناء وواحة سيوة والواحات وغيرها وهو ما يعتبر سبباً جوهرياً للمشكلات الأمنية في منطقة سيناء ، إلا أنه غفل ذكر أهالي النوبة وهم أحق بالنص على الرعاية وهو ما ينبغي استكماله بعد الاستفتاء . وأضافت ان المادة 17 فقد تناولت الصناعة باعتبارها مقوم أساسي للاقتصاد الوطني ، فتقوم الدولة على حماية الصناعات الاستراتيجية تحقيقاً للأمن القومي ، كذلك دعم التطور الصناعي وتوطين التقنيات الحديثة وتشجع تطبيقاتها وهو ما يشغل بال علماء مصر الأوفياء لتحقيق التقدم التقني بما يرفع مصر لمصاف الدول المتقدمة ، ليس ذلك فحسب بل أيضا الزم الدستور الدولة برعاية الصناعات الحرفية والصغيرة باعتبارها مكملة للنشاط الاقتصادي ولأنها ترتبط ارتباطاً عضوياً بنشاط المجتمع المصري . وأشارت د الابجى الى ان من أعظم مواد الدستور المادة 18 التي تناولت ملكية الشعب للثروات الطبيعية وعوائدها التي كانت حكراً على فئة بعينها تتمتع بها دون سائر أبناء المجتمع وتلتزم الدولة بحسن استغلالها ومراعاة حقوق الأجيال فيها ، أي لأول مرة ينص دستور مصر على أحقية الجيل الحالي والأجيال القادمة في ملكية ثرواتنا الطبيعية فلا يجوز استئثار فئة معينة بهذه الثروات أو استخدامها بما يؤثر على حقوق الأجيال القادمة وخاصة بالنسبة للموارد المعرضة للاستنفاذ ، كما نص الدستور على عدم جوازالتصرف في أملاك الدولة أو منح امتياز باستغلالها أو التزام مرفق عام الا بناءً على قانون ، وهو ما قام به النظام السابق من خلال عقود ظالمة لإستغلال الغاز والبترول والذهب وغيره من ثرواتنا التي لا نحصل منها الا على القليل وبعض العقود تحرم مصر من الحد الأدنى لحقوقها . وقالت : لم ينسى الدستور في المادة 19 نهر النيل باعتباره ثروة وطنية تلتزم الدولة بالحفاظ عليها وتنميتها ومنع الإعتداء عليها على أن ينظم القانون وسائل الانتفاع بها ، كذلك تناولت المادة 20 حماية الشواطئ المصرية لأن مصر حباها الله تعالى بشواطئ ممتدة على المتوسط والبحر الأحمر وبحيرات وممرات مائية ، ثروة عظيمة لم تهتم حكومة قبل ذلك بحمايتها من التعديات والتصرفات الجائرة مما أثر عليها بالتلوث الردم والاستيلاء وغيرها ، وتكفل وتحمي الدولة في المادة 21 الملكية المشروعة بجميع أنواعها العامة والتعاونية والخاصة والوقف ، ولم تنسى المادة 22 حرمة الأموال العامة بما يقتضي حمايتها باعتباره واجب وطني على الدولة والمجتمع . وخصت المادة 23 التعاونيات بمادة تلزم الدولة بدعمها وكفالة استقلالها ، كذلك أقرت المادة 24 صيانة الملكية الخاصة لتؤدي وظيفتها الاجتماعية لخدمة الاقتصاد الوطني دون انحراف ولا احتكار حتى يحفظ لها دورها المأمول في نهضة الأمة ، عدم جواز فرض الحراسة على الملكية الخاصة إلا بما يبينه القانون وبحكم قضائي ولا تنزع الملكية الخاصة للمنفعة العامة الا مقابل تعويض عادل ولأول مرة يدفع مقدماً وهو ما لم يخطر على بال مشرع من قبل مع حماية وكفالة حق الإرث ، كما تم إحياء نظام الوقف الخيري من خلال المادة 25 بالتزام الدولة بتشجيعه على أن يتناول القانون تنظيمه وشروط إنشائه وإدارة أمواله واستثمارها وتوزيع عوائده على مستحقيها مع احترام شروط الواقف وهو ما لا يحدث حالياُ منذ أن ضمت الدولة أموال الوقف لأموالها وضاعت كثيرً من الأراضي والثروات التي كانت تنفق على أوجه برعظيمة الا أنه لم يتم تناول أموال الأوقاف الحالية التي استولت عليها الدولة وآخرين بدون وجه حق وكان يجب النص على ردها للجهات التي كانت تديرها أو لمصلحتها طبقاً لشروط الواقفين . وأوضحت د الابجى ان المادة 26 تناولت دور الضرائب على أن تكون اساس العدالة الاجتماعية وليست مجرد وسيلة جباية ولا يكون انشاؤها ولا تعديلها أو الغائها ولا تكليف أحداً بها الا بقانون ، كذلك حفزاً للعاملين نصت المادة 27 على حقهم في إدارة المشروعات وأرباحها على أن يلتزموا بتنمية الإنتاج والمحافظة على أدواته وتنفيذ خطته في وحداتهم الانتاجية ، ولهم تمثيل في مجالس إدارة القطاع العام في حدود خمسين بالمائة من عدد الأعضاء المنتخبين فيها وان كنا نرى ارتفاع هذه النسبة التي ينبغي الا تزيد عن 25% فقط ، كذلك منحت هذه المادة تمثيل صغار الفلاحين والحرفيين بنسبة لا تقل عن 80% من عضوية مجالس ادارة الجمعيات التعاونية الزراعية والصناعية ونرى انها لا ينبغي أن تزيد عن 50% على أن يتم الاستعانة بأهل العلم والخبرة من خارج هذه القطاعات لإضافة فكر وخبرات جديدة ومختلفة على الا تزيد نسبتهم عن 20% . وختمت الابجى حديثها عن المواد الاقتصادية والمالية فى الدستور الجديد بالتأكيد على القول ان المادة 28من الدستور أقرت تشجيع الادخار وحماية مدخرات المجتمع وأموال التأمينات والمعاشات التي ضيعها النظام السابق ، كما أكدت المادة 29 ، 30 عدم جواز التأميم الا لاعتبارات الصالح العام بقانون وبمقابل تعويض عادل . وحظر مصادرة الاموال الا بحكم قضائي .هكذا حقق الدستور العدالة الاجتماعية والاقتصادية التي نصبو ونتوق اليها بما يحفظ ثروات مصر ومواردها ويكفل حقوق كل المصريين فيها الأجيال الحالية والقادمة .