في جريدة الاهرام سنة1915, كان باب النقد المسرحي يخرج بتوقيع سيدة تدعي مريم سماط, ولم تكن هذه السيدة مصرية وأغلب الظن انها كانت سورية. وكان الاهرام من خلالها تدافع عن التمثيل العربي, وكانت أكثر موضوعية من بقية الجرائد الأخري وإن كان دفاعها هو الآخر في حاجة إلي دفاع. كتبت السيدة مريم سماط تقول: انتقل الجوق إلي دار التمثيل العربي باسم الشيخ سلامة حجازي, وانتقل معه العمل الصالح والجد والنشاط فلم تمض عدة سنوات حتي كانت دار التمثيل العربي مهبطا للأداب ومنبعا للسرور ومرتعا هائلا) لقصاد التهذيب العملي وموردا لعشاق الطبيعة والجمال, وان يكن قد اتهمها بعضهم بأنها فوق ذلك دار خلاعة ومجانة ودعارة, بيد انهم لم يحسنوا الظن بها بل حكموا عليها بما شهدوه عليها من مظاهر خداعة ومن تبرج الغانيات اللواتي شغفن حبا بالتمثيل وشهوده. ولم يكن الذنب اذ ذاك ذنب دار التمثيل ولا القائمين بالعمل فيها وانما كانت التبعة في ذلك علي افراط الاوانس في تبرجهن ومغالاتهن في شعورهن وزينتهن مما كان يلقي الشك والريب في خلد الصالحين من الادباء ويوقع البشر والسرور في افئدة ذوي القلوب المريضة من عشاق الغزل وفساق النظر. أصبحت دار التمثيل العربي هي الدار الوحيدة التي تقوم دعائم الفن وتسهر علي احيائه والنهوض به, لان القرداحي كان قد لم شعثه وجمع جوقه من نقابة الممثلين والممثلات وصار يجوب بهم البلدان. زيارة العام الثامن اذ مرض منا الاستاذ واصلنا العمل ثماني سنوات معا, كنا نزور الشام صيف كل عام حتي كان الشيخ سلامة وكان عميدنا وعمدتنا فهجرنا العمل وشغلنا بالسهر عليه وكان أشدنا عناية به هو عبد الله افندي عكاشة. انتهي كلام الناقدة مريم سماط. وسوف نلاحظ ان النقد المسرحي كان يدور غالبا حول اخبار المسرح وتنقلات الممثلين ومنافستهم لبعضهم البعض دون قيمة التمثيل ذاته كفن, كما نلاحظ ايضا انه حتي العشرينيات تقريبا كان جمهور النظارة كما يلاحظ الدكتور المرحوم فؤاد رشيد في كتابه تاريخ المسرح العربي, كان هذا الجمهور يتكون من الذين فصلتهم المدارس من طلبتها ومن الفلاحين الذين باعوا اقطانهم ووفدوا الي القاهرة بغية اللهو وإنفاق النقود, كما كان الجمهور لايراعي آداب المسرح الي الحد الذي جعل أكثر من ناقد يطالب بإيقاف نفر من البوليس يناط بهم حفظ النظام داخل الصالة, ولقد أثر النقاد علي المسرح وكانت مطالبتهم بتدخل البوليس هي السبب في المادة السادسة من أول لائحة صدرت للمسرح المصري. تقول المادة السادسة: ينبغي أن يتخذ ثمانية من الجنود وشاويش مراكزهم داخل المسرح لتنفيذ الاوامر التي يصدرها مدير الشرطة. أول اصطدام للنقد مع السلطات في سنة6191 احيت جمعية انصار التمثيل الحفل السنوي للجمعية الخيرية الاسلامية علي مسرح الاوبرا ومثلت فيها رواية عزة بنت الخليفة تأليف ابراهيم رمزي. وكان الممثل الاول في هذه الرواية هو الفنان محمد تيمور بن احمد باشا تيمور, وحيا النقد الرواية اعظم تحية وأحسنها, وحضر حفلة الجمعية الخيرية الاسلامية السلطان السابق حسين كامل وكان يصحبه احمد باشا تيمور, وفي نهاية الحفلة قابل الجمهور الرواية باستحسان بالغ حتي ان الستار ظل يرفع ويهبط عدة مرات ليحيي الممثلون جمهورهم, ويبدو ان السلطان حسين لم يعجبه حماس الجمهور فالتفت غاضبا الي تيمور الاب الذي كان يرمق ولده بسعادة وحب عظيمين وقال له بحدة: جري ايه ياباشا, يصح ان ابنك يعمل اراجوز, جري ايه لاولاد الذوات. فارتبك تيمور ولم يسعفه النطق, وهنا قال السلطان: اذا كنت مش قادر عليه فأنا اقدر عليه, ولايمكن ان اسمح لاولاد الذوات بالعبث ده. وفي صباح اليوم التالي أصدر السلطان مرسوما بتعيين محمد تيمور الممثل تشريفاتي بالقصر السلطاني وبذلك قدم محمد تيمور استقالته من جمعية انصار التمثيل وتخلي عن رياستها, وكان هذا الموقف شاقا علي النقاد الذين كان يسعدهم ان ينضم اولاد الذوات الي حقل التمثيل حتي تنداح عنه لعبة الاوباش الذين يحتلون معظم مراكزه, ولكن فرح النقاد انقلب الي أسي عظيم امام اللعنة السامية, ولم يقتصر اثر الغضبة السلطانية علي محمد تيمور وانما تعداها الي بقية الممثلين في جمعية انصار التمثيل, فقد اضطربت النفوس وتوقف نشاط الجمعية وانحلت وتفرق اعضاؤها وسط تجهم النقاد وصمتهم. ملامح النقد قبل الثورة ومع الوقت تطور النقد في مصر, وبلغ اوج تطوره في عصر المسرح الغنائي عند سيد درويش ثم عاود سيرته مع الريحاني ويوسف وهبي, أو مع المسرح الكوميدي والمسرح التراجيدي كما كان النقاد يسمون المسرحين, ورغم كل مانراه اليوم من نقد علي هذين المسرحين وعلي النقد الذي كان يوجه اليهما يجب ان نسجل انه قبل الثورة المصرية سنة2591 لم تكن الصحافة المصرية اليومية تعطي اهتماما للنقد المسرحي, او كانت تعطي الاهتمام بطريقة خاصة. ولو حاولنا ان نضع النقد في حجمه الطبيعي او نحدد إطاره في الصحافة قبل الثورة المصرية فسوف نقول إن هذا الاطار كان يلتزم بمبادئ اساسية هي: 1 الممثل اهم من دوره. 2 التصرفات غير المسرحية اهم من التصرفات المسرحية. 3 الحياة الحقيقية للممثل هي التي تعني الجمهور وتهمه اكثر مما تهمه الحياة الوهمية لهذا الممثل علي خشبة المسرح. وبعبارة اكثر بساطة كان الممثل ليس الدور هو مناط اهتمام النقاد ومحل رعايتهم, بل كانت شخصية الممثل وسلوكه في الحياة هما الشيئان الرئيسيان عند النظر اليه, وكان دوره علي خشبة المسرح هو الشئ الجانبي او الهامشي عند الحديث.