أسبوع كامل فقدت القدرة علي النوم.. ليلة أخيرة سقطت قبل الفجر اعياء في نوم مفزع بوجوه الشباب مخضبة بالدماء.. شهداء جدد.. من يطلق الرصاص؟.. هل سنعود من جديد إلي مهزلة ومسخرة وادعاءات الطرف الثالث؟ أين الدولة؟ المادة الأولي في الدستور.. التي تقول جمهورية مصر العربية موحدة لا تقبل التجزئة وما الذي يحدث فيها الآن؟! مصر التي لم تنقسم أو تتجزأ في أقسي عصورها ايد واحدة نداء الثوار في التحرير كان يلخص التاريخ الطويل من الصبر والتلاحم والمقاومة وإدراك حكمة أنه وأخاه وابن عمه علي اعدائهم فقط. أبدا.. ابدا لم ينقسموا علي بعضهم.. لم يأكلوا بعضهم في أصعب الظروف لم تنهش الخلايا المريضة الجسد وتدمره وإلا ما كان هذا الامتداد عبر التاريخ.. أين القيادة الحكيمة والراشدة التي تحترم أن كل ما وصلت إليه هو عطاء الثورة وان مسئوليتها الوطنية أن تستلهم دروسها وتحقق أهدافها.. استيقظت مفزعة!! دعك من كل ما تقرؤه في أدب أو تجارب إنسانية.. أن تعيش التجربة شيء مختلف.. هذا الوجه الذي أحمله انقسم إلي اثنين تحت وطأة ما يطلقون عليه العصب السابع.. لا هذا وجهي ولا هذه بلدي التي عشقت وذبت في ترابها وجمالها والمكونات الرائعة والإنسانية والطيبة لبشرها. رغم كل الألم.. ألم الوطن الذي يفوق كل ألم خاص لم يهتز أبدا يقيني ان كل شهيد حق يسقط يعلن تجدد ميلاد عافية وارادة الثورة.. سلام علي الابن الحبيب الحسيني أبوضيف يستطيع القاتل أن يكذب علي الناس أجمعين ولكن هل يستطيع أن يكذب علي الله!! بعيون البصيرة التي رأيت بها ثورة52 يناير قبل البصر أري ثأر الله قادم للملايين الذين كانوا ومازالوا محرومين من الحقوق الأصيلة وأن العدالة الاجتماعية ورد الاعتبار وتخفيف أرصدة الألم كان يجب أن تكون الفريضة الأولي بدلا من هذا الغثاء الموجع الذي لا يجد من يصده أو يرده وعجائب ومليونيات المطالبة بحماية الشريعة والشرعية كأن هناك من يجتري أو يرفض الشريعة أما الشرعية فليس لها من ضمان الا شعب مطمئن يقف صفا وقلبا واحدا مهما اختلفت وتنوعت الرؤي والمعتقدات وقيادة تستمد شرعيتها من الوفاق والاطمئنان والرضاء الشعبي والعدالة وسيادة القانون. اكتب في لحظات أخيرة قبل إرسال المقال فالحزن, والاكتئاب العام جعل الكتابة مهمة صعبة رغم أني أردت أن أكتب لاقتنص وأذكر بلحظات مجد وانتصارات في تاريخنا, التناقض بينها وبين ما نعيشه يجعلها الأنسب في هذه اللحظات الثقيلة لعلها تخفف إذا تذكرنا ماذا يستطيع المصريون إذا توحدوا وراء هدف وطني.. ديسمبر2102 الذي يحترب وتتقاتل ويقتل فيه شباب من مصر اخوة لهم ويعذبونهم وسائر ما ستكشف عنه تحقيقات المستشار المحترم مصطفي خاطر المحامي لنيابات شرق القاهرة بعد تراجع النائب العام عن خطيئة نقله بكل المدلولات الخطيرة للنقل ولتعيين رئيس الجمهورية للنائب العام!! بينما في ديسمبر6591 كان المصريون من أبناء بورسعيد من الشباب والشيوخ من النساء والرجال من الكبار والصغار يقاتلون ويقتلون في معركة من اشرف معارك مقاومة العدو كان ابناء المدينة الصغيرة ابناء بورسعيد الباسلة والرائعة يقاتلون القوات البرية والبحرية والجوية لجيوش إنجلترا وفرنسا وإسرائيل التي اغلقت المدينة وحاصرتها بحرا وبرا وجوا لمنع انضمام القوات النظامية من الجيش والشرطة الا من استطاع ان يتسلل من بحيرة المنزلة خلعوا الملابس العسكرية وذابوا وسط فرق المقاومة الشعبية والتي ضمت شبابا صغيرا لم يتجاوز السادسة والسابعة عشرة.. لا مساحة لأكتب الأسماء التي تكونت منها فرق المقامة العشر من ذهب للقاء ربه, ومن مازال بيننا أعطاهم الله العمر والصحة, لهم جميعا كل الاحترام والحب, أذكر فقط بعض من تسعفني الذاكرة البطل محمد مهران الذي أهدي بصره لبلاده, فعلها ضابط إنجليزي ولم يصوب علي عينيه.. شاب مصري, كان قد فقد عينيه ثمنا ارتضاه لعدم الإدلاء بأي معلومات عن فرق المقاومة, وهناك السيد عسران ابن السابعة عشرة.. بطل خطف مدير المخابرات العسكرية للقوات المعتدية, وأبطال المجموعة الرابعة التي نفذت عملية خطف الضابط مور هاوس وهم أحمد هلال, وحسين عثمان, ومحمد حمدالله, وعلي حسن زنجر, ومحمد إبراهيم سليمان, وطاهر مسعد, وفي البيانات العسكرية المتتالية لوقائع المعركة تتبدي ملاحظات مدهشة أن الروح المعنوية لأبناء المدينة ظلت عالية جدا, وأن عنف الهجوم يصنع مقاومة أعنف.. القتال يدور من شارع إلي شارع, بل من منزل إلي منزل, وعن يوم من أيام المعركة يأتي هذا الوصف عند مطلع الفجر بدأ السلاح الجوي البريطاني والفرنسي في قصف المدينة بطريقة مركزة, بعدها قام الأسطول بقصف المدينة, فتم تدمير حي المناخ بالكامل, وأحرقت ودمرت منازل حي العرب, وشبت الحرائق, وانهارت المباني علي سكانها, واختلطت جثث الشهداء بأنقاض المباني. في الحادية عشرة صباحا بدأ إنزال القطع البرمائية لاحتلال الشاطئ, وتبعتها حاملات الدبابات, وأصبحت المقاومة بالغة العنف, وأمطرت القوات المعتدية بالرصاص, ولما عجزت القوات المعتدية عن التقدم داخل المدينة بسبب عنف المقاومة, لجأوا إلي الخداع, فتقدمت دبابات ترفع أعلاما روسية, فالتفوا حولها مهللين, فأطلقت عليهم النار وحاولت التقدم, ففوجئت بنيران ومقاومة مجموعة ثانية فقضت تماما علي القوات المتقدمة. ينشر هذا المقال بمشيئة الله اليوم 16 ديسمبر وكنت أتمني أن ينشر الأحد المقبل الذي يوافق23 ديسمبر اليوم نفسه23 ديسمبر وكان الأحد أيضا, ولكن عام1956, اليوم الذي عادت فيه جميع القطع البحرية الإنجليزية إلي قاعدتها في قبرص ومالطا, وأيضا جميع قطع الأسطول الفرنسي إلي مارسيليا وتولوز, آخر سفينة بريطانية غادرت ميناء بورسعيد في الخامسة إلا الربع ليصبح23 ديسمبر عيدا للنصر. أترك لكم المقارنة بين ما كان وما أصبح, وقراءة دلالات النصر العظيم, والطاقات التي يملكها هذا الشعب, وقدر عشقه وحبه لأرضه ولكرامته, التي جسدها أبناء بورسعيد, وعلي القيادة الوطنية التي امتلكتها مصر مع الرئيس جمال عبدالناصر. كان المفروض أن نعيش مع أول دستور بعد ثورة25 يناير نصرا جديدا, كان شرطه الأول حدوث توافق شعبي يليق بدستور أمة, للأسف لم يتحقق, ولم تتح له الفرصة ليتحقق. من يصدق أن المصريين خرجوا للاستفتاء علي دستور بينما لجان تجتمع لوضع تعديلات للمواد محل الخلاف!! ألم يكن اتفاق أمة بجميع أطيافها بجمع شتاتها, وتضميد جراحها, وجبر انقساماتها يفرض مد أجل ومهلة للتوافق أتاحها الإعلان الدستوري في نوفمبر, ثم اعتبرها إعلان ديسمبر خطأ دستوريا!!سأتشبث بروح نصر23 ديسمبر1956 وأقول: إن المدينة المصرية الصغيرة الجميلة.. حبيبتي ومدينتي بورسعيد, قدم أبناؤها درسا من أعظم دروس هذا الشعب. إن المصريين الذين انتصروا علي قوات ثلاثة جيوش لن تهزمهم قوة تستقوي عليهم مهما كانت, ومهما اختالت وتخيلت وتصورت أنها تمكنت تستطيع فقط بالحق وبالعدل وبالقانون والاحترام أن تكسبهم. سطر أخير: وأنا وسط الثوار في ميدان التحرير في أيام الثورة الأولي, كنت أري سلالة من صنعوا نصر23 ديسمبر1956 أحفاد كل من صنعوا حلقات المقاومة والنصر في تاريخ مصر.. أحفادهم خرجوا يصنعون ثورة25 يناير.. الأرصدة تتراكم.. والأجيال تتوالي.. وياويل من يقف في وجهها. المزيد من مقالات سكينة فؤاد